كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، عن استمرار "
الهجرة السلبية" الداخلية للمستوطنين اليهود من مدينة
القدس المحتلة، نحو بلدات أخرى في الداخل المحتل، ما دفع بالحكومة
الإسرائيلية إلى السعي للحد من هذه المشكلة بطرق متعددة.
وأوضحت الصحيفة أنه في 2017، ترك القدس (هجرة عسكرية) إلى بلدات إسرائيلية أخرى 17100 من
المستوطنين الإسرائيليين، فيما انتقل إليها من بلدات 11000 مقيم جديد، وهذا يؤكد أن ميزان الهجرة الداخلية في المدينة بقي سلبيا بواقع 6000 ناقص، منوهة أن النسبة الأكبر لتاركي القدس من المستوطنين نحو
تل أبيب، كانت لسن الشباب ما بين 20 و30 عاما، وبلغت 44 في المئة عام 2017.
ووفق معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، نوهت الصحيفة، أن ميزان "الهجرة العكسية" الداخلية في عام 2017، كان أدنى مقارنة بالميزان في عامي 2015 و2016، حيث كان الميزان السلبي نحو 7900 إسرائيلي تركوا القدس نحو مناطق أخرى.
وذكرت أن "70 في المئة من تاركي المدينة هم علمانيون ومتدينون، مقابل 30 في المئة أصوليون فقط، في حين لم يتغير نصيب الأصوليين في ميزان الهجرة لليهود تقريبا في السنوات الثلاث الماضية، وبلغ 42 في المئة".
وحول الأسباب التي تدفع المستوطنين لترك القدس نحو مدن أخرى داخلية، زعمت الباحثة في "معهد القدس لبحوث السياسية"، ميخال كورح، أن "معظمهم يترك القدس، بسبب أسعار السكن، إضافة إلى الالتحاق بالعائلة والأصدقاء، والعمل، وجودة الحياة هناك".
مدينة مختلطة
وأوضح خبير الاستيطان والخرائط ونظم المعلومات الجغرافية، خليل التفكجي، أن الجمهور الإسرائيلي "يعتبر مدينة القدس المحتلة، مدينة للمتدينين اليهود وليست للعلمانيين، وفي الوقت الذي تخف فيه الحركة مع الساعة الخامسة مساء في القدس، تبقى منطقة تل أبيب مفتوحة 24 ساعة".
ولفت في حديثه لـ"
عربي21"، أن "إسرائيل تحاول قدر الإمكان تحويل مدينة القدس التي يعتبرونها عاصمتهم، من مدينة متدينة إلى مدينة مختلطة؛ للمتدينين وللعلمانيين الذي يهربون من القدس إلى منطقة الساحل؛ نظرا لأن طبيعة حياتهم مختلفة عن حياة المتدينين اليهود".
وأضاف أنه "لهذا الهدف افتتحت إسرائيل القطار الواصل بين القدس وتل أبيب، الذي يحتاج فقط لـ 25 دقيقة؛ من أجل جعل مدينة القدس ذات حركة متواصلة، إضافة لمجموعة من المشاريع التي تقوم بها إسرائيل داخل القدس، لتحويلها من مدينة تغلق أبوابها بعد الساعة السابعة مساء إلى عاصمة تعمل طوال الليل والنهار كما هي تل أبيب".
ونوه التفكجي، أن مدينة القدس، هي "مدينة طاردة للسكان اليهود وليست جاذبة"، لافتا أن سلطات الاحتلال تحاول حل هذه المعضلة، عبر "إقامة مستعمرات داخل القدس خاصة بالمتدينين اليهود، وأخرى للعلمانيين اليهود".
ومن بين السياسات والأساليب الإسرائيلية التي تعتمدها سلطات الاحتلال لدفع اليهود للاستيطان في مدينة القدس المحتلة وعلاج مشكلة الهجرة العكسية، ذكر خبير الاستيطان والخرائط، أن "إسرائيل جعلت من القدس ذات أفضلية قومية؛ عبر إقرار ضرائب أقل (بالنسبة لليهود)، وزيادة حجم الاستثمارات، ومنح الإسرائيليين قروضا ومنحا سكنية، وضخ مليارات الدولارات لداخل القدس، وإقامة مشاريع عمرانية ضخمة في الشطر الغربي".
مفهوم منفصم
وقال: "قامت سلطات الاحتلال ببناء نحو 20 ألف غرفة فندقية؛ لزيادة عملية جذب السياح للقدس"، موضحا أن "إسرائيل تقوم بكل ما يمكن لجعل مدينة القدس جاذبة للسكان اليهود، ولدى الاحتلال مخطط بأن تكون القدس ليست عاصمة لإسرائيل، بل عاصمة لكل اليهود في كافة أنحاء العالم".
من جانبه، أوضح المحامي المختص في شؤون مدينة القدس والمسجد الأقصى، خالد زبارقة، أن الاحتلال يحاول "إيجاد تنوع للطوائف اليهودية داخل مدينة القدس، في الوقت الذي ما زالت فيه تسيطر على اليهود ثقافة الجيتو؛ أي العيش بمعزل عن باقي الناس".
ونوه في حديثه لـ"
عربي21"، أن "البرامج والمخططات اليهودية الخاصة بمدينة القدس، تعتمد الحديث عن مدينة خاليه من الأغيار (مصطلح ديني يطلقه اليهود على غير اليهود)، وهم يسعون إلى ذلك".
وأكد زبارقة، أن "التواجد العربي الفلسطيني الكثيف في مدينة القدس، هو السبب الرئيس في جعل القدس مدينة طاردة لليهود".
وذكر أن "عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مدينة القدس المحتلة، يفقدهم الشعور بالأمن رغم التواجد الكثيف لمختلف القوات الإسرائيلية، وهذا الأمر هو أحد أهم العوامل المهمة التي تدفع العديد من اليهود على مختلف طوائفهم إلى ترك القدس، نحو الداخل المحتل".
ونبه المحامي المختص في شؤون القدس، أن "واقع القدس، تسبب بانفصام في المفهوم لدى اليهود؛ بين ما يؤمنون به وفق كتبهم؛ بأن القدس لليهود وهي أرض الأجداد، بينما على أرض الواقع في القدس هم لا يرون ذلك".