استبعدت دراسة تتعلق بقانون "الخدمة العسكرية" في المغرب، قدرة هذا الإجراء على امتصاص الاحتقان الاجتماعي بالمغرب على المدى الطويل، معترفة بقدرته في المدى القريب في تحييد جزء من الشباب الناشطين في الاحتجاجات الاجتماعية.
هذه الدراسة تأتي أياما بعد مصادقة مجلس النواب المغربي على مشروع قدمته الحكومة يتعلق بالخدمة العسكرية، وإحالته على مجلس المستشارين من أجل التصويت عليه قبل نشره بالجريدة الرسمية واعتماده نهائيا، ليصبح بعدها ساري المفعول.
المشاكل أعمق من الخدمة العسكرية
وتابعت الدراسة التي نشرها "المعهد المغربي لتحليل السياسات"، وأعدها الكاتب إسماعيل حمودي، أستاذ جامعي زائر متخصص في الدراسات الأمنية، "من المستبعد على المدى البعيد أن ينجح مشروع الخدمة العسكرية في امتصاص غضب الشباب العاطل والمهمش".
وأوضحت "ليس بسبب المقاومة التي تعرض لها حتى الآن، ولكن لأن الشباب الذين يلجون إلى سوق الشغل سنويا يقدرون بمئات الآلاف، وهو ما يقتضي إيجاد حلول عميقة لمعضلة إدماج الشباب".
وزادت: "الراجح أن هذا المشروع قد ينجح، على المدى المنظور، في تحييد جزء من الشباب الناشطين في الاحتجاجات الاجتماعية، لكن ذلك سيكون نسبيا ومحدود النطاق، على اعتبار أن التحديات الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما مشكلة بطالة الشباب، أكبر من مجرد قانون أو إجراء مهما كانت فعاليته".
اقرأ أيضا: بعد 11 سنة من إلغائه.. المغرب يقرّ قانون الخدمة العسكرية
تبريرات الدولة
وقدمت الدراسة أربعة مبررات للسلطات في قرار العودة إلى العمل بالخدمة العسكرية الإجبارية.
وسجلت: "أولا، تقوية روح الانتماء للوطن، وتعزيز قيم الانضباط والمسؤولية لدى الشباب المغربي، والتربية على احترام المؤسسات، وقد فصل الخطاب الملكي ذلك في افتتاح البرلمان في شهر أكتوبر 2018، حين أكد أن الخدمة العسكرية تهدف إلى تقوية روح الانتماء للوطن. كما تمكن من الحصول على تكوين وتدريب يفتح فرصا للاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام".
ثاني الاعتبارات بجسب الدراسة، "تعزيز التماسك والاندماج الاجتماعي وسط الشباب المغربي الصاعد، في ظل تصاعد النزعات الجهوية والمناطقية (ريفي، صحراوي، ..)، والنزعات الإثنية (عربي، أمازيغي…)، وربما النزعات المذهبية التي تحرص الدولة على مجابهتها باستمرار من خلال السياسة الدينية".
وشددت: "ثالثا، استعمال التجنيد الإلزامي قناة للرفع من مستوى التكوين والاحتراف والمهنية في مختلف الأجهزة الأمنية، خصوصا إذا تمت إعادة تدوير المستفيدين من الخدمة عن طريق توظيفهم في الأجهزة الأمنية الأخرى مثل الشرطة والقوات المساعدة والوقاية المدينة وإدارة السجون".
وأضافت: "رابعا؛ إسهام الجيش في تأهيل وتشغيل الشباب العاطل، خصوصا إذا تم التركيز خلال مدة الخدمة العسكرية على التكوين المهني والتقني".
اقرأ أيضا: الخدمة العسكرية بالمغرب.. البرلمان يجيز القانون المثير للجدل
الدوافع الجقيقية
وسجلت الدراسة "في الحقيقة، فإن النظرة المعمقة لدوافع إعادة العمل بنظام الخدمة العسكرية الإجبارية تحيل على أسباب مختلفة؛ فبناء قوة احتياط عسكرية لا تبدو أولوية ملحة للمغرب، ومن هنا فالسياق الداخلي قد يمنح معنى أقوى لمشروع القانون، الذي لم يكن مدرجا في البرنامج الحكومي، وتم الإعلان عنه بشكل مفاجئ للرأي العام خلال صيف 2018".
وتابعت: "لقد تميزت سنتا 2017 و2018 باحتقان شعبي واسع، ارتبط أولا باحتجاجات الريف التي انطلقت منذ نهاية أكتوبر 2016، ثم احتجاجات جرادة في يناير 2018. وقد تعاملت السلطات مع هذه الاحتجاجات بالعنف والاعتقالات، ثم محاكمات للنشطاء، رأت فيها عدد من هيئات حقوق الإنسان بأنها فاقدة لشروط المحاكمة العادلة".
ومضت تقول: "وفي أبريل 2018، تمكنت حملة المقاطعة الاقتصادية من تعبئة مئات الآلاف من المواطنين لمقاطعة ثلاث شركات كبيرة، أما خلال النصف الثاني من 2018 فقد تنامت ظاهرة الاحتجاجات داخل الملاعب من طرف نوادي الألتراس".
اقرأ أيضا: سخرية عارمة تجتاح التواصل بعد إقرار الخدمة العسكرية بالمغرب
الخدمة العسكرية.. بين السياسي والاجتماعي
وأكدت الدراسة "من الناحية السياسية، أتى القرار في ظل تنامي الاحتجاجات الاجتماعية، التي يُعتبر الشباب وقودها الرئيسي. ويشكل حراك الريف نموذجا للجيل الجديد من الاحتجاجات التي يعرفها المغرب، والتي تندلع لأسباب تتعلق بالكرامة والعدالة الاجتماعية، وتلعب فيها وسائل التواصل الاجتماعي دور المعبئ والمحرض، في الوقت الذي تراجع فيه دور الهيئات الوسيطة من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني، ما جعل الدولة في مواجهة الشارع".
واستطردت: "أما من الناحية الاجتماعية، فإن محرك هذه الاحتجاجات من الشباب هم ضحايا للبطالة والفقر والتهميش، ما يجعلهم فئة غير محصّنة إزاء مختلف التهديدات الأمنية".
واستعانت بدراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (رسمي)، قالت فيها إن غالبية الشباب المغربي، من الفئة التي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و34 سنة، على هامش النمو الاقتصادي المطرد الذي شهدته المملكة خلال السنوات العشر الأخيرة. وتنتشر البطالة في صفوف هاته الفئة بنسبة 20 في المائة، في حين أن 50 في المائة منهم يعملون في مناصب شغل بأجور زهيدة وغير قارة، أما ثلثي الفئة نفسها فقد انقطعت عن الدراسة".
تحديات كبيرة
واستعرضت الدراسة ما اعتبرته تحديات تواجه المشروع، فقد "كان لافتا بروز مقاومة لمشروع الخدمة العسكرية الإجبارية منذ اللحظة الأولى لإعلانه. ففي يوم 25 آب/ أغسطس 2018، أي خمسة أيام بعد المصادقة عليه في المجلس الوزاري، تم تأسيس "التجمع الشبابي ضد الخدمة العسكرية" الذي دعا إلى رفض الخدمة العسكرية لعدة أسباب".
وأضافت أن التجمع اعترض على "عدم الوضوح التام من قبل الحكومة حول أهدافه الحقيقية، والسرعة التشريعية التي تم التعامل بها مع القانون بخلاف قوانين أخرى أكثر أهمية لا زالت في الرفوف. كما أن مشروع القانون لم يكن في أي برنامج انتخابي، ولا في البرنامج الحكومي الذي صوّت لصالحه البرلمان".
وتابعت و"وجّهت منظمات حقوقية انتقادات إلى مشروع القانون، فقد اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن مضامينه تتنافى مع حرية الفكر والضمير والوجدان، ودعت إلى الاعتراف بالحق في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية في القانون المغربي، والالتزام بتوفير الحماية التشريعية للمستنكفين ضميريا (..)، على أساس المعتقدات المذهبية أو الإنسانية".
وزادت: "لاحقا ستتبنى نوادي مشجعي الفرق الرياضية أو ما يسمى بـ"الألتراس" الموقف نفسه. فعلى سبيل المثال رفعت "ألتراس حلالة" مشجع فريق النادي القنيطري (شمال الرباط) في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، شعارات فوق المدرجات الرياضية رافضة للخدمة العسكرية. في سياق تنامي الاحتجاجات وسط الألتراس المغربية بواسطة أغان وشعارات تنتقد غياب العدالة الاجتماعية، حيث برزت تلك المجموعات كقوة احتجاجية ناقمة على سياسات الحكومة".
وشددت على أنه "في السياق نفسه، عبّرت احتجاجات التلاميذ ضد (الساعة الإضافية) (GMT+1) في شهر نوفمبر 2018 عن موقف رافض لخيار التجنيد الإجباري كذلك، دلّ على ذلك رفع شعارات تنتقد مشروع القانون، لاستهدافه الشباب ممن ولدوا في مطلع الألفية الثالثة، بدل توفير المدارس وإصلاح التعليم".
وأعلنت أنه "نتيجة لهذه المقاومات من فئات مختلفة، قرر مكتب مجلس النواب إحالة مشروع القانون بتاريخ 10 أيلول/ سبتمبر 2018 على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بدل لجنة الخارجية والدفاع الوطني، علما أن الأخيرة هي المختصة بدراسة كل ما يتعلق بقضايا الدفاع الوطني. وقد برّر مكتب المجلس هذه الخطوة بكون مضامين مشروع القانون تتقاطع بقوة مع مجال حقوق الإنسان. وفي خطوة ثانية، قرّر أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالإجماع إحالة مشروع القانون على المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإبداء الرأي والمشورة، بحجة توسيع النقاش العمومي حول مشروع القانون، لأن الرأي العام لم يُمنح الفرصة الكافية لفهمه، ويقتضي المنطق الديمقراطي الإنصات له".
الحكومة المغربية تقترح فرض الخدمة العسكرية شرطا للتوظيف
وزير خارجية تونس: لا اتحاد مغرب عربي دون المغرب والجزائر
ملك المغرب يعين يسارية على رأس مجلس حقوق الإنسان