نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمدير مجموعة الأزمات الدولية روبرت مالي، والزميل في مجلس الشؤون الخارجية روبرت فاينز، يناقشان فيه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا.
ويقول الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إن "هناك الكثير من سياسات الرئيس دونالد ترامب، التي تستحق النقد، إلا أنه مع ذلك تمسك ومنذ بداية حملته الانتخابية للرئاسة بشيء واحد يستحق التشجيع لا التشويه، ألا وهو الرغبة في تفكيك علاقة الولايات المتحدة المكلفة بحروب الخارج".
ويعلق الكاتبان قائلا إن "رغبة الرئيس ودافعيته لعدم التدخل لم تتوافق بشكل جيد مع الفريق الذي شكله، خاصة الميل الصقوري، في الفترة الأخيرة لفريقه الذي يتولى السياسة الخارجية".
ويشير الكاتبان إلى أن "ترامب تسامح على مضض باستمرار مع الحروب التي ورثها كلها، لكن الرئيس وما يفضله بدأ يسود في المرحلة الأخيرة وإن كان مؤقتا، وكما أظهرت تغريدته التي أعلن فيها عن سحب ألفي جندي أمريكي، فإنه مستعد للقيام بالأمر ذاته وتخفيض القوات في أفغانستان بحوالي 7 آلاف جندي".
ويلفت الكاتبان إلى أنه "منذ ذلك الوقت اندلعت لعبة شد حبل علنية بينه وبين فريقه للأمن القومي، ومن غير المعلوم إن كانت الولايات المتحدة ستقوم بسحب قواتها من سوريا حالا أو تدريجيا، وفيما إن كانت ستنتظر حتى هزيمة تنظيم الدولة، أو أنها تعتقد أنه هزم نهائيا، وإن كانت واشنطن ستواصل دعمها للمقاتلين الأكراد أو تدعهم بطريقة ما، وفي النهاية فإنه من غير المعلوم إن واصلت أمريكا تحقيق هدفها بمواجهة التأثير الإيراني وإخراج القوات الإيرانية من سوريا".
ويعبر الكاتبان عن دهشتهما من انتقاد أصوات في اليسار لقرار الرئيس، بالإضافة إلى الأصوات المعروفة في تيار اليمين والجمهوريين، مع ملاحظة غياب عملية واضحة لاتخاذ القرار في الإدارة.
ويحذر الكاتبان المعارضين لنموذج الترامبية وعدم ارتكاب الأخطاء، "فنحن لن نعرف السياسة الحقيقية حتى ينفذها ترامب، إلا أن رغبته بتخفيف العلاقة مع سوريا وأفغانستان صحيحة، والخطأ، بل إن المضر جدا، هو توقيت قراراته وعدم قدرته على استخدامها بأفضل الطرق".
ويفيد الكاتبان بأنه "في سوريا، مهما كان رأي الشخص من مسارات النقاش بشأن النزاع والقرارات السابقة، فإن الولايات المتحدة تملك عددا قليلا من المصالح التي يمكن تحقيقها، مثل منع ظهور تنظيم الدولة من العودة التي للمناطق التي خسرها، وحماية القوات التي يتسيدها المقاتلون الأكراد، وحماية حلفائنا من المخاطر النابعة من الأراضي السورية، والنجاح في أي من هذه الأهداف لا يتحقق إلا بوجود عسكري صغير ولمدة طويلة".
ويقول الكاتبان إن "الرئيس ترامب ضلل عندما قال إن تنظيم الدولة قد هزم، لكن النقاش الداعي لزيادة عدد القوات على الأرض لمواجهة المعاقل الأخيرة للجهاديين ما هو إلا وصفة لبقاء دائم، خاصة أن التهديد الإرهابي هو تهديد جيلي تتم مواجهته واحتواؤه، لكن لا يمكن إزالته".
ويعتقد الكاتبان أن "معارضة الكثيرين في اليمين لقرار الرئيس نابعة من نظرتهم لسوريا على أنها ساحة مواجهة مع إيران، لكن هذا مثل من يلاحق هدفا وهميا وخطيرا، فمن الصعوبة بمكان مواجهة عدد قليل من القوات الأمريكيين لعشرات الآلاف من المقاتلين الذين تدعمهم إيران المتحالفة مع روسيا، التي دعمت بقاء نظام بشار الأسد".
ويعلق الكاتبان على ما قاله الرئيس إنه "يمكن لإيران أن تفعل ما تريد في سوريا"، قائلين إن "هذا الكلام، الذي استقبل بجوقة من النقد، وهو تقرير لحقيقة، ولا يعني منح خط أخضر، فقد تعثر بحقيقة واضحة، بالإضافة إلى أن جهود إسرائيل للحد من عمليات نقل الأسلحة الإيرانية المتقدمة لمليشياتها كانت ناجحة وهي بهذه المثابة آمنة".
ويجد الكاتبان أنه "بناء على هذا فإن ترامب كان محقا في قراره سحب القوات من سوريا، لكن خطأه القاتل يكمن دائما في التنفيذ، خاصة قراره السريع الذي اتخذه في مكالمته مع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان بمثابة خيانة للمقاتلين الأكراد، الذين قادوا الحملة ضد تنظيم الدولة، وكان من الأفضل لو استخدمت الإدارة منظور انسحاب القوات الأمريكية التدريجي؛ لمنع حرب بين الأكراد وأعدائهم، ولا تزال الفرصة قائمة لو كان الانسحاب كما قال تدريجيا".
ويقول الكاتبان: "على الرئيس التخلي عن الفكرة الخطيرة التي تقوم على تسلم القوات التركية مناطق الأكراد، ويجب السماح لهم في غياب الوجود الأمريكي بالتفاوض على حل مع النظام الحاكم في دمشق، وهذا يعني عودة بعض مظاهر الدولة في شمال شرق سوريا، حيث تحتفظ القوات الكردية بالسلاح، إلا انها تخفف من مستوى إدارتها المستقلة للمنطقة".
وينوه الكاتبان إلى أن "تفكير الرئيس في أفغانستان صحيح، فمن العبث الاستمرار في ضخ المال والدم الأمريكيين في حرب استمرت 17 عاما ولم تؤد إلا إلى حالة انسداد أفق، ويجب على صانع الصفقات استخدام أوراقه بطريقة جيدة، وإجبار حركة طالبان التي تخوض مفاوضات مع دبلوماسييه على صناعة السلام".
ويعتقد الكاتبان إن "هناك الكثير المرفوض في عهد ترامب لدرجة لا يعرف النقاد أين يضربون، وهذا كله لا يعني التخلي عن المعارضة المبدئية، بحيث لا يشوه معارضو ترامب معتقداتهم لصالح كلام خطابي، وأي طريق ستتخذه الإدارة فإنها ستترك وراءها سلسلة من الفوضى الواجب تنظيفها، وما يهم هو النظر لما هو صحيح".
ويرى الكاتبان أن "أمريكا ستجبر في النهاية على استخدام القوة ضد التهديدات المستمرة، لكن ليس بطريقة تجعلها متورطة في حرب أبدية مكلفة على الولايات المتحدة والسكان المحليين، مثل أفغانستان والعراق، وتجعلها متواطئة في انتهاكات الحرب، كما في اليمن، أو تتعاون مع أصدقاء غير مرغوبين، مثل عناصر في المعارضة السورية، وتفاقم بالضرورة المشاعر المعادية لأمريكا، التي تؤثر على حملة مكافحة الإرهاب".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: "في النهاية سيكون الخروج فوضويا، لكن هذا ليس عذرا للاستمرار في حرب طويلة بحثا عن خروج محكم، ويمكن أن يؤدي قرارا ترامب لسوريا وأفغانستان إلى آثار كارثية؛ بسبب الطريقة التي سينفذان بها، والتوقيت، وغياب المشاورة مع الحلفاء، وفشله في استخدام أوراق نفوذه".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
ناشونال إنترست: هل تنجح استراتيجية الخروج من العراق بأفغانستان؟
نيويورك تايمز: ترامب معزول من أصدقائه ويشكو حظه
هكذا تستفيد موسكو من انسحاب أمريكا من أفغانستان وسوريا