أكد خبراء سياسيون أن قرار رئيس نظام الانقلاب عبد الفتاح السيسي بمنع كبار مسئولي الدولة، ورؤساء الأجهزة الرقابية والأمنية والقضائية، وشيخ الأزهر، من السفر إلا بإذنه الشخصي، يشير إلى أزمة عنيفة تواجه السيسي في تمرير التعديلات الدستورية التي تمكنه من الاستمرار بالحكم بعد انتهاء ولايته الثانية.
وحسب أراء خبراء تحدثوا لـ"عربي21"، فإن القرار الجديد لا يختلف عن قرار الرئيس الراحل أنور السادات رقم 140 لسنة 1972، بتنظيم سفر الوزراء ونوابهم ووكلائهم وموظفي الدولة، إلا أن جديد السيسي أنه ضم مؤسسات وهيئات لا تخضع لإدارة السلطة التنفيذية، مثل ممثلي الهيئات القضائية وشيخ الأزهر ورؤساء الهيئات الرقابية.
وفي تعليقه على القرار، ولماذا شمل كل هذه الشخصيات، يؤكد الباحث بعلم الاجتماع السياسي سيف الدين المرصفاوي لـ"عربي21" أن له أكثر من دلالة، بالنظر لطبيعة الهيئات والشخصيات التي حددها، الذي يبدو من الوهلة الأولي أنه بهدف ترشيد الإنفاق، لكنه في الأساس يعبر عن أزمة يعيشها رأس النظام تحديدا، أكثر من باقي مكونات النظام.
خانة الشك
ويضيف المرصفاوي أن القضية ليست في منع رئيس الوزراء أو الوزراء، سواء كانوا لوزارات سيادية أو غيرها، وإنما في المقصودين من وراء القرار، وهم بالترتيب شيخ الأزهر الذي يعامل بدرجة رئيس الوزراء، ورؤساء الأجهزة الأمنية والأجهزة المستقلة وتحديدا المخابرات العامة، وأخيرا الهيئات القضائية مثل النائب العام، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس البرلمان الذي يعامل كذلك بدرجة رئيس وزراء.
ويشير المرصفاوي إلى أن القرار يضم رئيس أركان حرب القوات المسلحة، إذا كان هناك قرار بمعاملته بدرجة الوزير، وكذلك قادة الأفرع الرئيسية، وقادة الجيوش بالقوات المسلحة، إذا كان هناك قرار بمعاملتهم معاملة الوزراء أو نواب الوزراء، بينما لم يشمل القرار بأي صيغة بابا الكنيسة؛ لأن الدستور لم يمنحه درجة تنفيذية، عكس شيخ الأزهر.
ويضيف الباحث بعلم الاجتماع السياسي أن ما سبق يؤكد أن هناك رسالة محددة من السيسي بأن فكرة الفصل بين السلطات ليس لها وجود في قاموسه الحاكم، بصرف النظر عما يقوله أو ينادي به الدستور، كما أنه يدعم رسالته السابقة بأنه لا يثق في أحد، بمن فيهم رئيس جهاز المخابرات ورجله القوي عباس كامل الذي شمله القرار باعتباره رئيسا لأحد الأجهزة المستقلة والأمنية.
ويشير المرصفاوي إلى أن السيسي يمر بأهم مرحلة في مراحل استمرار وجوده من خلال خطواته لتعديل الدستور، التي يبدو أنها لم تلق رضا أو تجاوبا من الأطراف الدولية المؤثرة، بالإضافة للأزمة الداخلية التي يمر بها الرئيس الأمريكي ترامب، والأزمة التي يمر بها حليفه الإقليمي بنيامين نتنياهو، وبإضافة حالة الغضب الشعبي التي تمتد في الدول المحيطة، فإنها كلها أمور تجعله يفكر ويتعامل بريبة في تحركات المسؤولين النافذين بمؤسسات الحكم، وبالتالي أراد بهذا القرار أن يضع الجميع في خانة الشك؛ ضمانا لوقف أي حركة مضادة أو تلاعب يحدث ضده في الخفاء.
ليس الشيخ فقط
وفيما يتعلق بشيخ الأزهر، يؤكد المختص بالعلوم السياسية الدكتور ماهر الجزار، لـ"عربي21"، أنه أحد أهداف القرار، نتيجة الخلاف القائم بينه وبين السيسي في الفترة الأخيرة، خاصة أن الشيخ أحمد الطيب يتمتع بشكل شخصي، ولكونه شيخا للأزهر بمكانة مميزة وكلمة مؤثرة لدي العالمين الإسلامي والغربي.
وأوضح الجزار أن زيارات الطيب الأخيرة لأوروبا أكدت هذا المعني، وبالتالي فإن وجوده بشكل ضمني في القرار يمثل رسالة له من السيسي، بأنه يملك الكثير من وسائل الضغط، مشيرا إلى أنه في حال منع السيسي الطيب من أي زيارة خارجية كان من المفترض أن يشارك فيها، فإنه بذلك يكون هو المعني الأول من هذا القرار الغريب.
ودعا المختص بالعلوم السياسية لضرورة التوقف أمام قرار منع ممثلي السلطة القضائية، سواء النائب العام، أو رئيس مجلس القضاء الأعلى، أو رئيس المحكمة الدستورية العليا، وكذلك رئيس البرلمان الذي شمله القرار بشكل ضمني باعتباره في درجة رئيس وزراء، باعتبار أنهم لا يتبعون السلطة التنفيذية، بل إنهم سلطات منافسة، وليس لرئيس الجمهورية وباعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية أن يتدخل في منعهم، أو منحهم، كما أن الدستور حدد اختصاصه بالفصل بين السلطات الثلاث إذا جرى بينهم نزاع يضر بالمصلحة العليا للوطن.
ويضيف الجزار أن الأمر الآخر الذي يمثل غرابة في هذا القرار هو منع مسؤولي الهيئات الرقابية والأخرى المستقلة، علما بأن الدور الأساسي للهيئات الرقابية هو مراقبة تصرفات السلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الجمهورية، وهو ما يثير تساؤلات تتعلق بالشفافية والنزاهة في كل منظومة الحكم المرتبطة برئيس الدولة.
ويضيف الجزار أن هذا القرار يسيء لسمعة الدولة المصرية، ويرسخ لفكرة حكم الفرد وغياب المؤسسية، وهو ما سيكون له نتائج سلبية على مناخ الاقتصاد وثقة المستثمرين الأجانب في الوضع السياسي والاقتصادي بمصر.
لماذا يصر السيسي على إحراج مسؤولي الحكومة أمام الشعب؟
بسبب القمع في 2018.. شخصيات مصرية خلف القضبان
رسالة استغاثة مسربة: ضابط مصري يحول سجنا عموميا لمقبرة