لماذا تبدي تركيا قلقها من المنطقة الآمنة شمال سوريا؟

تبدي تركيا تخوفا ملحوظا من المنطقة الآمنة المقترحة في شمال سوريا، والتي اتفق على إنشائها الرئيسين التركي والأمريكي مؤخرا خلال اتصال هاتفي، كبديل عن انسحاب القوات الامريكية في سوريا.

ورغم أن أنقرة كانت أبرز المطالبين بإنشائها، حين دأبت على مطالبة واشنطن والتحالف الدولي منذ عام 2013 على تنفيذها دون جدوى، إلا أن القلق بدا واضحا على لسان المسؤولين الأتراك. فما الذي تخشاه تركيا من المنطقة الآمنة؟
 
وفي أحدث تصريح له، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين، إن بلاده لن تسمح بمنطقة آمنة تتحول إلى مستنقع جديد ضدها، مشير إلى أن المنطقة الآمنة تهدف إلى "إبعاد التنظيمات الإرهابية عن حدودنا، ومستعدون للعمل مع كل من يقدم لها الدعم اللوجستي لإنشاء هذه المنطقة".

وتمتد المنطقة الآمنة المقترحة على طول 460 كيلومترا، على طول الحدود التركية- السورية، وستضم مدنا وبلدات من ثلاث محافظات سورية هي حلب والرقة والحسكة، وستشمل المناطق الواقعة شمالي الخط الواصل بين قريتي صرين وعين العرب في ريف حلب الشرقي، وعين عيسى وتل أبيض في محافظة الرقة، كما تضم مدينة القامشلي، وبلدات رأس العين، وتل تمر، والدرباسية، وعامودا، ووردية، وتل حميس، والقحطانية، واليعربية، والمالكية في محافظة الحسكة. بحسب الأناضول.

الكاتب المتخصص في الشأن التركي سعيد الحاج أعطى تفسيرا أكثر وضوحا لطبيعة مخاوف تركيا من "المنطقة الآمنة" وقال إن غياب التفاصيل حول هذه المنطقة يزيد قلق أنقرة.

وأضاف الحاج في مقال له نشرته "عربي21" أن فكرة أنقرة الأساسية من المنطقة الآمنة التي نادت بها منذ عام 2013 كانت تأسيس منطقة تحمي المدنيين من قصف النظام وتأهيلها لتكون صالحة لعودة اللاجئين إليها، فضلاً عن منع سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأذرعه العسكرية على تلك المناطق، (منظمات مصنفة على قوائم الإرهاب التركية لعلاقتها العضوية بحزب العمال الكردستاني المناهض لتركيا).

وشدد على أن ما يقلق أنقرة، وإن لم تعلنه صراحة بينما يتبدى بين طيات تصريحاتها، هو أنه ليس هناك حتى الآن عرض أمريكي متكامل يتضمن كافة التفاصيل ويشرح رؤية أمريكية واضحة لما تريد فعله شمال سوريا. لافتا إلى أن غياب التفاصيل حتى الآن يعني أن الأمور مفتوحة على عدة سيناريوهات، لا سيما في ظل تباين الآراء بين البيت البيضاوي وبعض المؤسسات الأخرى وفي مقدمتها البنتاغون.

اقرأ أيضا: أردوغان: لن نسمح بتحوّل منطقة آمنة لمستنقع إرهاب ضد تركيا

واستطرد قائلا: "ثمة ذاكرة تركية حية وتجربة مريرة تتعلق بتطورات الأزمة في العراق، بدءاً من حرب الخليج الأولى في 1991، ووصولاً للغزو الأمريكي في 2003، والتي ترى أنقرة أنهما مكنا لحزب العمال الكردستاني من تحويل شمال العراق، وخصوصاً جبال قنديل، إلى منصة للتدريب وإطلاق العمليات العسكرية ضدها، وهو أمر لا تريد له أنقرة أن يتكرر في الشمال السوري".

وأكد الحاج على أن الخشية التركية الحقيقية هي أن تتحول فكرة "المنطقة الآمنة" مع التنفيذ إلى "منطقة عازلة"، والفارق بين الاثنتين عظيم بالنسبة لها. فالمنطقة الآمنة تُنشأ لحماية المدنيين من أي خطر، لا سيما القصف والاستهداف من الأطراف المتحاربة، وتسهيل التدخل الإنساني وتقديم المساعدات. أما المنطقة العازلة، فهي مفهوم متعلق بفض النزاع بين طرفين متحاربين، وإنشاء منطقة خالية من السلاح بينهما بعد تراجع قوات الطرفين.
 
وقدم الحاج تفصيلا أوفى للمخاوف بقوله: "الفكرة الأولى ستعني حماية المدنيين من أي هجوم، أما الثانية فستعني حماية قوات سوريا الديمقراطية من تركيا ومنعها من إطلاق العملية العسكرية التي تستعد لها مؤخراً. وتابع: "ولأن الفكرتين تتضمنان حظراً للطيران ورقابة على العمليات العسكريةـ وفي الأغلب قراراً من مجلس الأمن، تخشى أنقرة أن تتحول فكرة المنطقة الآمنة عملياً إلى منطقة عازلة تقيد يديها في سوريا وتشكل حماية وحصانة لقوات سوريا الديمقراطية، بشكل شبيه لما حصل في شمال العراق مع منظمة حزب العمال الكردستاني، وبالتالي استئناف واستمرار مشروعها في سوريا".

وبحسب الحاج، فإن تركيا تدرك أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وأن أهم هذه التفاصيل ليست الفنية المتعلقة بالمساحة والعمق والامتدادـ وإنما هوية الطرف الذي سيتواجد ويضمن الأمن في تلك المنطقة. فوجودها هناك سيضمن مصالحها ويحمي أمنها، ويؤكد أن الفكرة "منطقة آمنة" فعلاً، بينما غيابها أو تغييبها سيعني تحول الفكرة عملياً إلى منطقة عازلة تتجاهلها وتتجاهل مصالحها، وتصبح عائقاً لها عن مكافحة مشروع الاتحاد الديمقراطي، أولويتها في القضية السورية في السنوات القليلة الأخيرة".

وأشار إلى أنه وفي ظل اضطراب التصريحات والتوجهات بين المؤسسات الأمريكية، تبدو أنقرة أقرب لرؤية ترامب ووعوده، ولذلك فهي تكثف تواصلها معه بشكل غير مسبوق، على شكل اتصالات هاتفية متكررة من أردوغان وزيارات لوفود ومسؤولين، وربما يصل الأمر إلى فكرة لقاء مباشر مع ترامب. 

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي حسين عبد العزيز، أن الصعوبات التي تواجه تشكيل "المنطقة الآمنة" لا تتعلق بطول المسافة، سواء كانت على كامل الشريط الحدودي من عين العرب في محافظة حلب غربا إلى المالكية في أقصى الشمال الشرقي من سورية، أو أجزاء من الشريط الحدودي، ولا تتعلق أيضا بالعمق الجغرافي داخل الأراضي السورية.

وأشار في مقال نشرته "عربي21" أن الصعوبات مرتبطة بمسائل أخرى، منها إجرائي، متعلق بالشروط العسكرية التي يجب أن تتوافر لإنجاح هذا المشروع، ومنها استراتيجي متعلق بمستقبل الهيمنة على هذه المنطقة ودور الأكراد فيها.

ولفت إلى أنه من الواضح أن ترامب يميل إلى قوى مشتركة تهيمن على "المنطقة الآمنة" كحل وسط يرضي تركيا من جهة ويؤكد الموقف الأمريكي الذي يأخذ المصالح التركية العليا بعين الاعتبار، ويرضي الأكراد من جهة ثانية ويؤكد الموقف الأمريكي الداعم والحامي لهم من أي عدوان.

وأشار إلى أنه ضمن ترتيبات الحل الوسط، لا يكون في "المنطقة الآمنة" أي حضور عسكري يتبع تركيا بشكل مباشر (فصائل المعارضة)، ولا يكون ثمة حضور عسكري لـ "وحدات حماية الشعب" الكردي، ويكون البديل إدخال قوات عربية محايدة مثل قوات النخبة التابعة للجربا وقوات "بشمركة روج أوفا" التابعة للمجلس الوطني الكردي، مع مشاركة القوات العربية التابعة لـ "قوات سورية الديمقراطية".

اقرأ أيضا: السيناتور غراهام: أحدثنا مشكلة لتركيا في سوريا وعلينا حلها

وضمن ترتيبات الحل الوسط أيضا، قال عبد العزيز إن مسألة إدارة "المنطقة الآمنة" تترك لإدارات مدنية تعكس ثقل المكونات الاجتماعية القائمة، بحيث تبقى الهيمنة الإدارية الكردية في المناطق ذات الغالبية الكردية كما هو الحال في الحسكة شرقا، وفي عين العرب غربا، فيما تخضع المناطق العربية لإدارات من المكون العربي (الرقة).