نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لمدير برنامج أمريكا اللاتنينة والكاريبي في مجموعة الأزمات الدولية، إيفان بريسكو، يتحدث فيه عن تطورات الأوضاع في فنزويلا، عقب اعتراف واشنطن وعواصم أوروبية أخرى ودول من أميركا اللاتينية بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيسا انتقاليا للبلاد.
ويقول بريسكو في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه في الوقت الذي يحكم فيه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قبضته على السلطة، فإن مؤيديه يحتجون بأنهم كانوا محقين في أمر واحد على الأقل، وهو المبدأ الأول من مبادئ حركة تشافيز "تشافيزو"، التي أسسها سلف مادورو، هيوغو تشافيز، وهو أن أعضاء هذه الحركة هم في صراع دائم مع الولايات المتحدة الإمبريالية ومع أذنابها في فنزويلا من القلة الأوليغارشية، مشيرا إلى أن الدولة قامت بحفر هذا المبدأ في عقول الشعب على مدى 20 عاما، واستخدمته أحيانا لتبرير عمليات الشرطة السرية، وأحيانا أخرى لتبرير الرفوف الفارغة في المتاجر، وأحيانا لارتفاع الأسعار.
ويشير الكاتب إلى أن "هذا الغول الأمريكي تحول إلى حقيقة يوم 23 كانون الثاني/ يناير، عندما أعلن زعيم المعارضة خوان غوايدو نفسه رئيسا مؤقتا، وسارعت أمريكا وكندا والعديد من دول أمريكا اللاتينية للاعتراف به، وقال لي أحد مؤيدي مادورو: (القضية الأساسية في ثورتنا هي الاستقلال.. لا أحد يوافق على استسلام الحكومة أو إنذارات الولايات المتحدة)".
ويقول بريسكو: "في وقت سابق من هذا الشهر سافرت مع زملاء من مجموعة الأزمات الدولية إلى كاراكاس، حيث تحدثنا مع مسؤولين كبار حاليين وسابقين في الفرع التنفيذي، والجمعية التأسيسية الوطنية المؤيدة لمادورو، والحزب الاشتراكي الموحد الحاكم وفي الحكومات المحلية.. كلهم أصروا على أن إعلان غوايدو نفسه رئيسا مؤقتا، واعتراف حكومات أخرى به، وفرض عقوبات إضافية أخرى على الحكومة الفنزويلية، لم تتسبب بشرخ في التحالف الحاكم، بل قامت بتقويته، وقال وزير سابق: (كنا قبل 23 كانون الثاني/ يناير تأكلنا ألسنة اللهب من الداخل.. لكن منذ ذلك الحين توحدنا)".
ويعلق الكاتب قائلا: "قد تكون هذه التصريحات مجرد تبجح، وهو ما كان مميزا للزعيم الذي أنشأ تلك الحركة، لكنها تأتي من مسؤولين كبار لا يخفون انتقاداتهم لحكومتهم، وخلال الحديث معهم لفترة مطولة انتقد المسؤولون أمريكا وغوايدو انتقادا لاذعا لكنهم أيضا أبدوا إدراكا مؤلما لأخطائهم في الحكم على مدة عقدين.. وكانت لديهم مشكلة في الإجابة عن كيف يمكنهم التفاهم مع المعارضة، بعضهم أشار إلى أن قيادة حركة تشافيز تحتاج إلى تغيير، لكن لم يكونوا متأكدين من الكيفية، وهناك فرصة للمفاوضات لكنها هشة، وقد تنتهي بسبب مواقف واشنطن المتصلبة تجاه مادورو والاشتراكية في الأمريكيتين".
ويستدرك بريسكو بأنه "بالرغم من سخطهم تجاه أمريكا، إلا أن لا أحد من كبار أعضاء حركة تشافيز الذين تحدثنا معه حاول أن يقلل من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها فنزويلا، وكان مادورو قد أنحى باللائمة على العقوبات المالية الأمريكية التي فرضت على فنزويلا في آب/ أغسطس 2017، عندما كان نقص السلع والتضخم العالي جدا والهجرة تتجه نحو المزيد، واختلف معه المسؤولون، وقال أحدهم إن مادورو (لا يفهم في الاقتصاد)، واشتكى آخر من أن الرئيس يأخذ وقتا طويلا لاتخاذ قرار، وكانت هذه التعليقات واقعية، وكما كتب المؤلف الأرجنتيني جورج لويس بورغيس عن حركة شعبوية مشابهة لحركة تشافيز في أمريكا اللاتنية، فقال إنهم (ليسوا جيدين وليسوا سيئين.. لكنهم عنيدون)، وهكذا يرى أعضاء حركة تشافيز مادورو".
ويجد الكاتب أنه "مع ذلك فإنه قد يكون من الصعب أن يتماشى التسامح مع مادورو مع ألم معدة خالية، الأمر المعروف للجميع ما عدا المسؤولين الأكثر قوة أو فسادا، فراتب موظف حكومي كبير بخبرة جيدة يصل إلى 20 ألف بوليفار في الشهر، وهو ما يعادل 6.05 دولار، ودعوت أحد المسؤولين لتناول الطعام في متجر ساندويشات، وأخذ ساندويشة صغيرة فيها شرائح ديك الرومي مع الجبنة ومشروب غازي، وكان ثمنها حوالي 16 ألف بوليفار، وكان سعيدا أنه لم يدفع؛ لأن ذلك الغداء الخفيف كان سيأتي على راتبه كاملا تقريبا، وتقوم الدولة حاليا بتوزيع صناديق الطعام المدعوم، الذي يحتوي على الباستا والأرز والطحين وبعض معلبات سمك التونا، وبحسب إحصائية مستقلة جديدة، فإن هذه المساعدات تقدم لأكثر من 7 ملايين بيت، أي حوالي 90% من الشعب، وقدر مصدر حكومي رفيع تكلفة البرنامج بحوالي 400 مليون دولار شهريا".
ويستدرك بريسكو بأن "هذا البرنامج أصبح مهددا عندما قررت أمريكا فرض عقوبات على شركة النفط الفنزويلية (PDVSA) في نهاية كانون الثاني/ يناير، التي كانت أكبر مصدر للعملة الصعبة في فنزويلا، وكانت أمريكا تأمل من خلال تجميد أموال شركة النفط، بأن تسقط النظام الفنزويلي، وتستبدله بغوايدو وبانتخابات حرة، فسارع المسؤولون الفنزويليون للبحث عن بدائل، مثل تصدير الذهب لتركيا، وبيع النفط عن طريق طرف ثالث، وقال مسؤول كبير: (نبحث عن طريق تساعدنا على التحمل)".
ويلفت الكاتب إلى أن "البحث عن طرق عملية للنجاة يسيطر على مشاورات الحكومة هذه الأيام، كيف يمكن لفنزويلا أن تصفي نفطها الخام؟ وماذا ستطلب كل من روسيا والصين -كلتاهما تعلنان تأييدهما لمادورو لكنهما تترددان في إنقاذه- مقابل تقديم المساعدة؟ وكيف سيتصرف كبار ضباط الجيش في وجه حالة الشح التي تواجهها البلد، التي قد تؤدي إلى اضطرابات مدنية؟ وكانت هناك مواجهات بين الجيش الموالي لمادورو ومدنيين على الحدود مع كولومبيا والبرازيل عندما وقفت القوات لمنع دخول قوافل المساعدات الإنسانية، فمتى تتحول هذه المناوشات إلى شيء أكبر؟ وكم سيمر من الوقت قبل أن يطلب القادة العسكريون فتح النار على المحتجين؟".
ويرى بريسكو أن "احتمال معركة طويلة لأجل النجاة من العقوبات الدولية يثير أسئلة غير مريحة حول حركة تشافيز بصفتها مشروعا سياسيا، فأول مبادئ الحركة مقاومة الامبريالية الأمريكية والبرجوازيين الفنزويليين، بالإضافة إلى أن الحركة ملتزمة بمكافحة الفقر وعدم المساواة والإقصاء السياسي، وبسبب هذه المبادئ استطاعت الحركة كسب انتخابات عادلة على مدى 15 عاما، ولا تزال تحتفظ بتأييد 20% من الناخبين، وإن كان التمسك بالسلطة يقوض هذه الأهداف فهل على الحركة أن تعطل قضيتها مؤقتا، كما فعل تشافيز عام 1992 بعد انقلابه الفاشل حيث وافق على انتقال سياسي؟ أم أن السلطة تستحق التمسك بها بغض النظر عنن التكلفة والمعاناة؟".
وينوه الكاتب إلى أن "بعض أعضاء الحركة قالوا لدى سؤالهم إن لديهم استعدادا لتأييد تنازلات لإرضاء أمريكا والمعارضة، وكان لديهم استعداد لإدخال المزيد من التوازن السياسي للمؤسسة التي تدير نظام الانتخابات، المجلس الوطني للانتخابات، وإعادة السلطات التشريعية للجمعية الوطنية (البرلمان)، التي تقودها المعارضة، وقبول مراقبين دوليين ذوي مصداقية للانتخابات القادمة".
ويقول بريسكو: "تحدثنا مع مستشار رئيسي لحركة تشافيز، يعد براغماتيا، ويتوقع أن يكون زعيم الجيل القادم في الحركة، فاستشهد المستشار برفض مادورو بأن يستبعد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة -وهو مطلب رئيسي للمعارضة- بصفته دليلا على أن النظام مستعد للتفاوض، وحتى أن عضوا في الجمعية الوطنية التأسيسية المؤيدة للحكومة، ويعد مواليا لكنه ناقدا في الوقت ذاته لحركة تشافيز، ناقش فكرة إدارة عسكرية مؤقتة لتمهيد الطريق أمام انتخابات لا يدخلها مادورو".
ويبين الكاتب أن "هذه الفكرة التي طرحها المسؤول، لكن لم تتم الموافقة عليها، تقوم على تسلم الجنرالات للسلطة لسنة أو سنتين، والتفاوض مع المعارضة والمجتمع الدولي وإجراء انتخابات تعاد السلطة بعدها للمدنيين، بالإضافة إلى أن بعض أعضاء المعارضة طرحوا أفكارا مشابهة، لكن يجب مصادقة مادورو عليها قبل تنفيذها، لذلك فإنه لا يتوقع أن ترى النور".
ويستدرك بريسكو بأنه "مع ذلك فإن المؤشرات كلها، التي تشير إلى نوع من التفاهم مع المعارضة، هي في أفضل الأحوال فاترة، وفي أسوأ الأحوال محاولة تكتيكية سيتم التخلي عنها في أقرب فرصة سانحة، فأعضاء حركة تشافيز الذين يتحدثون عن هذه الحلول المحتملة أنفسهم يرفضون تحميل مسؤولية فشل المفاوضات مع المعارضة لزعيمهم".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "قد يكون الموقف الدفاعي لأعضاء حركة تشافيز لا يزيد على كونه تبجحا، ومع أنهم يدعون للوحدة والعزة في وجه ما يعدونه العدوان الأمريكي، إلا أن المسؤولين في الحركة وضباط الجيش يعملون تحت ضغط شديد داخلي وخارجي، ويمكن أن ينهاروا وتتحول ولاءاتهم في الأسابيع والأشهر القادمة، وكيفية يتفاعل قاعدة الحركة مع المتغيرات السياسية هي أمر لا يعلمه أحد، لكن يحق لقيادة الحركة أن تكون قلقة من المدى الذي بإمكانها من خلاله دفع الجيش لمقاومة الإطاحة بالنظام".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
WP: فشل إدخال المعونات لفنزويلا لا يبرر القوة، وهذا الحل
ديلي بيست: لماذا حذر سيناتور أمريكي مادورو من مصير القذافي؟
"لوفيغارو": هكذا تثقل الأعباء التي خلفها تشافيز كاهل مادورو