وصف رئيس الاتحاد الوطني للأطباء الفيدراليين في فرنسا والحقوقي الدولي، فرانسوا دوروش، القمة العربية الأوروبية التي عُقدت مؤخرا بمدينة شرم الشيخ المصرية، بحفل تنكري يقوم فيه "الأوروبيون بجمع الأموال من الأثرياء العرب العابثين، لدعم الاقتصادات الأوروبية بشكل أقرب لدفع الجزية منه لأي شيء آخر".
وقال دوروش، الذي يشغل أيضا منصب رئيس منظمة عدالة وحقوق دون حدود، في الحلقة الأولى من مقابلته الخاصة مع "عربي21"، أن الإعدامات في مصر تتم بصورة ممنهجة وبشكل ترهيبي للمجتمع المصري، كي لا تكون هناك أي معارضة لنظام السيسي.
ودعا المهتمون بالشأن المصري وخاصة المعارضة، إلى ضرورة التوضيح للغرب بأنه لا يوجد ما يسمى بمصطلح "الإرهاب الإسلامي"، الذي يحذر منه السيسي ونظامه الانقلابي، قائلا، "إن هذه مخططات تديرها أجهزة مخابرات تابعة للنظام الانقلابي في مصر وعملياتها تحدث في أوقات بعينها لترسل برسائل محددة إلى الغرب، ومفادها وجوب دعمه، وإلا واجهوا الخطر الإسلامي وحدهم".
وأضاف دوروش: "يجب أن نعمل جميعا لكشف هذه المخططات والأيادي الخفية التي ترسم الوحش الإسلامي المستخرج من كتب الأساطير، الذي يتعارض تماما مع تعاليم الدين الإسلامي وتطبيقاته على أيدي المسلمين البسطاء والمثقفين في الغرب وفي الدول الإسلامية".
وفيما يلي نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة:
كيف تابعت القمة العربية الأوروبية التي عُقدت مؤخرا بمدينة شرم الشيخ المصرية؟
كان هناك ترويج إعلامي مصري على أن هذه القمة العربية الأوربية هي تتويج للدبلوماسية المصرية الناجعة على مرور الأعوام الخمس الماضية، وقد كان شعار هذه القمة "الاستثمار في الاستقرار"، لكن عن أي استقرار يتحدثون؟ هناك ما يزيد عن 60 ألف معتقل سياسي، ومنذ أيام قليلة تم إعدام تسعة من الشباب لا يزيد عمرهم عن الـ 25 عاما بتهم مزيفة، فضلا عن كارثة حريق قطار "محطة مصر".
الأنظمة العربية الفاسدة تشتري مثل هذه المؤتمرات بمليارات تدفعها لدعم الاقتصادات الأوروبية بشكل أقرب لدفع الجزية منه لأي شيء آخر.
وعندما يطلق السيسي والملك سلمان مؤتمر قمة عربية أوربية، فنحن نتساءل: أين هي قطر في هذه القمة؟ كيف تذهب إلى الأوروبيين وتسمي مدينة شرم الشيخ "مدينة السلام"، في وقت أنت تُحاصر فيه أهلك وتقاطعهم؟
مصر والسعودية يهاجمون قطر ويتهمونها بالإرهاب والعمالة لإسرائيل وإيران، بينما هم يمدون يد المحبة والإخاء للغريب. أليس أهل الرحمة والقرابة أولى بهذه المحبة والسلام؟
ونلاحظ أن هذه القمة تتبع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى باكستان والصين والهند. في بلد ذهب يشتري تأييدهم بالمال والمشاريع، وفي بلد آخر ذهب يؤيد الانتهاكات المخزية لحقوق المسلمين والتطهير العرقي.
ويُلاحظ أن الملك سلمان هو الذي حضر المؤتمر ولم يحضر ابنه الأمير الشاب (قاتل الصحفي جمال خاشقجي). وهذا يؤكد أن حضور القادة الأوروبيين قد تم بشروط خاصة، لأني لا أعتقد أن أي من الزعماء الأوروبيين في هذه المرحلة سوف يغامر بالظهور جنبا إلى جنب مع من يتهمه الأتراك وكثيرون بأنه صاحب قرار قتل خاشقجي وتقطيعه.
هناك مصالح أوروبية في هذا المؤتمر وأن السيسي يمكن تشبيهه برجل يذهب كل يوم إلى سوق الخضروات ويقوم بشراء الطماطم الفاسدة من التجار، وهو يعلم أنه لا يقدر أن يشتري منهم غيرها، وهم يرحبون بهذا الرجل الذي يحول خسائرهم في الطماطم الفاسدة إلى أرباح. وهو يفعل هذا ويعلم أنه يخسر المال، ولكنه يشتري ودّهم بالطريقة الوحيدة المسموح له بها.
وسوف يظل السؤال: هل يقبل الناخب الأوروبي بمساومات هذه النظم القمعية، وتقديمها خدمات رديئة للتغطية على تجاوزاتها الفاضحة في حقوق الإنسان؟
وهل نجحت سياسة النظم العربية القمعية في شراء ولاءات الحكومات الأوروبية مقابل المال؟
أعتقد أن هذه الأنظمة واهمة إذا ما اعتقدت أن بدفعها المليارات للحكومات الأوروبية سوف تضمن الاستمرار في قمع شعوبها وتأمين أنظمتها الاستبدادية. لا شك أن مؤتمر القمة العربية – الأوروبية هذا، قد طغى عليه تقرير الأمم المتحدة الخاص بالتحقيق في جريمة اغتيال خاشقجي الوحشية، وكذلك التقارير المنددة بعمليات الإعدام في مصر والإخفاء المستمر للعلماء والمعارضين والناشطات الحقوقيات في السعودية.
هناك تخوف كبير في الدول العربية وخاصة مصر والسعودية من عواقب تجاوزاتهم اللاأخلاقية، ولذا تراهم متهافتين على الغرب لإيجاد شرعية لهم أو غطاء أمام الضغوط المتزايدة، ويجب ألا نغفل ظاهرة هروب النساء من السعودية وتزايدها مؤخرا، وما يشير إليه عالميا من أنه لا أمان في ظل نظام محمد بن سلمان والسيسي.
ونحن نعرف أن الدول العربية المشاركة في المؤتمر ليس لها قرار، وأن قرارات هذه الدول يصنعها الرز الخليجي فقط. الأوروبيون يهتمون بمصالحهم الشخصية وهم يرون السعودية تعطي الأتاوة والجزية إلى ترامب، والأوروبيون لا ينظرون إلى هذه المؤتمرات أكثر من مجرد حفل بزي تنكري لجمع الأموال من الأثرياء العرب العابثين.
أما عن حقيقة الدعم الأوروبي، فهذا غير موجود تماما إلا في عقول الإعلام المصري والسعودي وليس له وجود أو أثر ملموس على أرض الواقع، إلا إذا اعتبرنا أن صفقات السلاح والطائرات العتيقة لها أي تأثير على قوة واستمرار النظام الانقلابي في مصر.
برأيك: هل قد يتبع القمة العربية – الأوروبية مسارا ونهجا مختلفا بين الجهتين؟
لا أعتقد ذلك. نحن لا نرى أن أوروبا تنقل أي تقنيات صناعية أو زراعية متطورة إلى مصر. وكذلك لن نجد بعد هذه القمة وغيرها أي تغير في تسيير حركة الطيران والسياحة إلى مصر؛ لأن هذه قرارات لا يملكها القادة الأوروبيون، ولكن يقررها المواطن الأوربي.
ولذلك، من غير المحتمل أن نرى في القريب أي سياح روس في "مدينة السلام" الاسم الذي أطلقوه على مدينة شرم الشيخ في هذا المؤتمر، بعدما تحولت إلى مدينة أشباح والسياح يخافون أن يلقوا مصير الباحث الإيطالي ريجيني أو يتم إسقاط طائراتهم، كما حدث مع السياح الروس. وإن أنكر النظام المصري تورطه في كلتا العمليتين، فإنه بصورة أو بأخرى يقول للأوربيين نحن ليس لدينا القدرة على حمايتكم.
الذي يؤكد للجميع أن هذه المؤتمرات أشبه بالحفلات التنكرية، أننا سوف نراها تُقام وتنتهي دون أن يحدث أي عملية مماثلة للعمليات الإرهابية، التي حدثت في الأزهر أو سيناء في الفترة الأخيرة. وهذا يؤكد أن الوضع الأمني في مصر والمنطقة هو مسرحية يضع قصتها المستفيدون الأوحدون من سخونتها وبرودتها حسب احتياجاتهم.
السيسي دائما ما يتحدث في مؤتمراته بالخارج عن الإرهاب والهجرة غير الشرعية.. فهل الغرب مقتنع بالفعل أن وجود السيسي يمنع الإرهاب والهجرة غير الشرعية؟
نعم السيسي يُسوق نفسه على أنه المُخلص والمنُقذ لأوروبا مما يُسوقه هو وبعض الأنظمة في المنطقة على أنه "الإرهاب الإسلامي"، والكثير من المواطنين البسطاء يستاؤون لرؤية المهاجرين غير الشرعيين وهم يملؤون طرقات فرنسا وأوروبا. فإذا جاء لهم رجلٌ محتال وقال أنا سوف أخلصكم من كل هذه المشاكل، فإنهم بالتأكيد سيتعاونون معه ويشجعونه تماما مثلما ذكرت في قصة الرجل الذي يذهب كل يوم ويشتري الطماطم الفاسدة.
وطبعا أوروبا ليس لديها حل سهل وبسيط لمشكلة الهجرة غير الشرعية والتطرف، خاصة أن الذين يدفعون المواطنين البسطاء لترك بلدانهم والفرار لأوروبا، هم أنفسهم الذين يأتون في صورة المُخلص وأنهم عندهم الحل لتلك المشاكل.
كيف ترى تنفيذ أحكام الإعدام بشكل متواصل في مصر؟
من وجهة نظر حقوقية فإن هذه جريمةٌ نكراء، خاصة أن هذه الإعدامات تتم بصورة ممنهجة وبشكل ترهيبي للمجتمع المصري. سمعنا وشاهدنا كيف أن الشباب الذين قام نظام السيسي مؤخرا بإعدامهم قد قدموا شهاداتهم للمحكمة، بأن اعترافاتهم تمت تحت التعذيب والصعق بالكهرباء.
هذه العمليات الممنهجة هدفها إسكات المجتمع وتخوفيهم كي لا تكون هناك أي معارضة للنظام الانقلابي القمعي في مصر.
ويجب أن يعلم الجميع أن جريمة الإعدامات المستمرة في مصر بمنزلة بالون اختبار يقوم بها النظام السعودي في مصر، حيث هناك قائمة طويلة من علماء الدين والإصلاحيين السعوديين المهددين بالإعدام، وعندما يدفع الكفيل السعودي برجله في مصر إلى تنفيذ هذه الأحكام في مصر، فإنه يريد أن يقيس ردة الفعل الحقوقي والغربي لينظر هل أصبح الوقت مناسبا للقيام بالتخلص من هؤلاء العلماء أم لا. ويؤيد هذه الفكرة ما جاء على لسان ابن أحد الشيوخ السعوديين المهددين بالإعدام.
لماذا لم نجد أي رد فعل دولي سواء من فرنسا أو غيرها من الدول الغربية إزاء تنفيذ الإعدامات؟
هناك العديد من الهيئات والمنظمات الحقوقية التي دائما ما تندد بمثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان بشكل عام وعمليات الإعدام التعسفية والانتقامية بشكل خاص. أنتم تعرفون أن عقوبة الإعدام تتعارض مع القوانين الأوروبية، ولكن عندما تصبح الإعدامات وسيلة للترهيب، فإن الضمير المجتمعي العام يقوم برفضها، وهذا ما نقوم به نحن بالتعاون مع الكثير من المنظمات الحقوقية المتابعة للشأن المصري بشكل عام.
نعلم أن الكثير من الدول تنظر إلى نظام السيسي من منطلق مصالحها الخاصة، ولكن قتل الشباب بتهم غير مثبتة وبمخالفة صريحة وواضحة للقوانين المصرية والدستور الذي وضعه الانقلاب أمر مشين ومرفوض جملة وتفصيلا.
وهناك دول أوروبية ترى أن مصلحتها في التعاون مع السيسي الذي جعل من نفسه حامي لحدود أوروبا ضد الهجرة غير الشرعية، وما يُخوف به أوروبا مما يسميه هو وأعوانه "الإرهاب الإسلامي"، وهذان الأمران هما فزاعات تستخدمها بعض الأنظمة لتبرير دعمها وتحالفها مع نظام الانقلاب في مصر.
لكن الشعوب في أوروبا والمنظمات الحقوقية عليها دور كبير في توضيح زيف هذه الادعاءات وهذه الفزاعات، وسوف نستمر في بذل الجهد لكشف الحقيقة، وأن السيسي ونظامه الانقلابي لا يحمون حدود أوروبا، ولكنهم يوترون العلاقات بين أوروبا والمسلمين سواء منهم المقيمون في بلادنا أو في مختلف أنحاء العالم.
حينما تحدث أي عمليات عنف ضد قوات الأمن المصري أو الأقباط تسارع الدول الغربية بإعلان إدانتهم للحادث وتضامنهم مع النظام، بينما يتم تجاهل الجرائم والمجازر التي يرتكبها النظام بحق المعارضين. كيف ترون هذه المفارقة؟
نعم هذا صحيح. لأن نظام السيسي يعلم حساسية الغرب لقضايا المسيحيين في المشرق العربي. ولذا عندما يقوم هو ومن يتعاون معهم بمثل هذه العمليات، فإن الأنظمة الغربية تسارع لإدانة هذه العمليات لأننا كما نهتم بحقوق الإنسان في مصر ،فإننا لا نفرق بين الديانة والجهة التي يتم عليها الاعتداء ،إلا أن الحساسية تكون أكبر لقضايا المسيحيين لتلامسها المباشر مع قضايا واهتمامات الناخب في الشارع الأوروبي.
والسيسي ونظامه الانقلابي دائما ما يهددون أوروبا والغرب من خطر ما يسمونه "الإرهاب الإسلامي"، ليضمن إغماض الشارع المسيحي في الغرب عن تجاوزاته ضد الشباب الذين يختفون قسريا، ثم تُنفذ فيهم أحكام إعدام جائرة. الربط بين تلك الفزاعة وجرائم النظام المصري هي ما يعطيه غطاء.
وأقول إنه يجب على المهتمين بالشأن المصري سواء كانت المعارضة أو مناهضو الانقلاب أو مؤيدو الشرعية أن يكشفوا للشارع المسيحي الغربي عامة، وليس فقط للنخب الحاكمة، أنه لا يوجد ما يسمى "الإرهاب الإسلامي"، كما أشار إلى ذلك الرئيس التركي طيب أردوغان ورفض التوصيف الفرنسي. وأن هذه مخططات تديرها أجهزة مخابرات تابعة للنظام الانقلابي في مصر، وتحدث في أوقات بعينها لترسل برسائلها إلى الغرب مفادها: "إما أن نضرب بيد من حديد على رؤوس هؤلاء، أو أنه سوف يحدث لكم مثلما يحدث لهؤلاء الأبرياء من المسيحيين في بلادنا".
يجب أن نعمل جميعا لكشف هذه المخططات والأيادي الخفية التي ترسم الوحش الإسلامي المستخرج من كتب الأساطير، الذي يتعارض تماما مع تعاليم الدين الإسلامي وتطبيقاته على أيدي المسلمين البسطاء والمثقفين في الغرب وفي الدول الإسلامية
وكيف تنظرون لأوضاع حقوق الإنسان في مصر الآن؟
الجميع ينظر إلى أوضاع حقوق الإنسان والانتهاكات المستمرة في مصر على أنها الأسوأ في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
نعم. نعلم أنه في الحقب الماضية كانت بعض الأنظمة تستخدم فزاعات منها ما يسمونه الحركات الجهادية، وأنها تريد غزو أوروبا وبهذه التخويفات تم إغلاق الكثير من الصحف وكبت الحريات والقبض التعسفي على الناشطين الإسلاميين والحقوقيين. ولكنها لم تكن بمثل هذه الطريقة الإجرامية والوحشية.
نعلم أيضا أن الأنظمة المتعاقبة كانت تسمح بحيز ولو ضئيل للمعارضين بالتنفيس عن غضبها أو سخطها من تصرفات الحكومة. وكلنا نعلم أن جمال عبد الناصر ونظامه كان له الكثير من التجاوزات في مجال حقوق الإنسان، ولكنه كان يسمح للناس بالتعبير عن غضبها ولو من خلال النكتة.
وأنتم تعرفون قصة النكتة التي أراد البعض منعها، ولما قالوها لجمال عبد الناصر تبسم وتركهم، وكذلك الكل يعلم قصة فيلم "شيء من الخوف" الذي يصور عتريس على أنه عبد الناصر، وشادية على أنها مصر، والتلميحات بأن عبد الناصر اغتصب الحكم وقضى على الحريات. عندما أرادت الرقابة منع عرض الفيلم ووصل الأمر إلى جمال عبد الناصر نفسه أمر بعرض الفيلم. هذه بعض الحريات التي كانت تمررها بعض النظم القمعية.
ولكننا نرى اليوم نظاما يمنع حتى المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي من كتابة سطرين من الرأي دون الإلقاء بهم في السجن، مثل القبض على المهندس ممدوح حمزة بتهمة نشر أخبار كاذبة، الذي تم إطلاق سراحه لاحقا. هذه أشياء لم تحدث في وقت حسني مبارك مثلا. وهناك كذلك التسريبات المشينة التي تمس وتخدش الحياء لبعض الناس التي عارضت تعديل الدستور الذي وضعه الانقلاب، كما حدث في قصة المخرج خالد يوسف. النظام يستخدم كل سُبل القمع ومحو الحريات سواء بالسجن أو الفضيحة أو الإعدامات.
ومن ثم ما موقف فرنسا من الإعدامات وتدهور أوضاع حقوق الإنسان بمصر؟
هذه قضية حساسة ويجب علينا وعلى المهتمين بقضايا حقوق الإنسان في مصر وفرنسا والعالم التوعية، ودق ناقوس الخطر أن هذه التجاوزات لن تساعد أوروبا في إنشاء علاقات صحيحة وسلمية مع مواطنيها المسلمين وشركائها في القرار في مختلف أنحاء العالم.
هل تعتقد أن الأمم المتحدة تقوم كما ينبغي بالدور المنوط بها تجاه الانتهاكات التي تحدث في مصر، أم إن هناك تقصيرا إن لم يكن تواطئا مع سلطة الانقلاب؟
لا أعتقد أن هناك منظمة دولية متواطئة بشكل مباشر مع النظام في مصر؛ فالأمم المتحدة مثلها مثل بقية المنظمات الحقوقية الغربية، تتعامل مع الواقع على الأرض وما يصل إليها من حقائق وتقارير.
والنظام الانقلابي في مصر يدفع الكثير من المال لشراء صفقات لتمريره على أنه نظام يقوم ببناء بلده وتنميته وتقديم الخير لشعبه. ثم إن هناك دولا تصرف على إنشاء تقارير وتمريرها بأن السيسي ونظامه هو الحائط الأخير ضد الأخطار القادمة من الشرق الأوسط. وكذلك تؤدي تقارير وفعاليات جمعيات حقوق الإنسان دورا كبيرا في تشكيل وتلوين فكرة الأمم المتحدة عما يحدث في مصر.
لذا، نحن نتكلم بشكل دوري وقوي عن هذه الانتهاكات والممارسات ونطالب الآخرين المهتمين بنقل الحقيقة عارية إلى الرأي العام العالمي وإلى الأمم المتحدة، ليعلموا أن سجون مصر تعج بالمظلومين وبغير تهم أو بتهم ملفقة مثل ذلك الشاب المُعاق كليا، وقد صدر عليه حكم بالمشاركة في أعمال شغب، وكذلك الرجل الأعمى الذي قضت المحكمة بحبسه 15 عاما بتهمة تدريب الشباب الذين اُعدموا مؤخرا، وأنه كان يدربهم على إطلاق النار.
مثل هذه العينات، يجب أن يستخدمها المناهضون لسياسات الانقلاب في مصر ويبينوا للعالم أنه ليس صمام أمان للغرب، ولكنه يضع النار تحت بركان سوف ينفجر في وجوهنا جميعا، وأنه حقا لو كان هناك ما يسمونه إرهابا إسلاميا، فإن السيسي وتجاوزات نظامه المجحفة هي التي تؤجج الحقد على الغرب، لأن الذين يرون أطفالهم يُعدمون بغير ذنب سوف يلقون اللوم لا على السيسي فحسب، ولكن على أوروبا التي يرونها داعمة له، وأنها في حرب مباشرة مع الإسلام، وهذا ليس صحيحا تماما.
والكثير من المسلمين سواء من المهاجرين أو الذين قرروا اعتناق الإسلام بمحض إرادتهم في أوروبا يعلمون أنه لا حرب ولا تصادم بين الغرب والإسلام، وإنما هناك نظم وأشخاص قمعية في المنطقة العربية ترى في مثل هذا الصدام دوام لحكمها وتقوية لرباطها الاستراتيجي مع الغرب.
وأحب التنويه إلى أننا في منظمة عدالة وحريات بلا حدود ومقرها باريس، نقوم الآن بالتحضير لإقامة مؤتمر في شهر حزيران/ يونيو المقبل عن الجرائم والمجازر التي ترتكبها الأنظمة الديكتاتورية العسكرية في البلاد العربية، ونحن نتواصل مع العديد من المنظمات والجمعيات الحقوقية، لنضمن مشاركة وتمثيلا واسعا من مختلف أنحاء العالم، وسنتوجه بالملفات والقضايا التي سيناقشها المؤتمر إلى المحاكم الفرنسية والمحاكم الدولية المختصة بتلك الجرائم.
بهي الدين حسن: ترامب لم يعد لديه وقت كاف لدعم السيسي