صرح رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام في برنامج تلفزيوني، أنه لم يعد يثق بنتائج استطلاعات الرأي. وجاءت تصريحات أردوغان هذه ردا على سؤال المذيع عن رأيه حول نتائج استطلاعات الرأي التي تظهر تقاربا بين أصوات مرشح حزب العدالة والتنمية محمد أوزحسكي ومرشح حزب الشعب الجمهوري منصور ياواش في العاصمة أنقرة.
هذه التصريحات أثارت نقاشا ساخنا في الأوساط السياسية والإعلامية التركية حول مصداقية استطلاعات الرأي، والأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية التركي إلى إبداء عدم ثقته بنتائجها. وزعمت المعارضة أن نتائج استطلاعات الرأي تظهر تقدم مرشح حزب الشعب الجمهوري في أنقرة على مرشح حزب العدالة والتنمية، وأن هذه النتائج هي التي أثارت غضب أردوغان ودفعته إلى التشكيك فيها.
أردوغان استخدم استطلاعات الرأي بشكل فعال لجس نبض الشارع التركي خلال كل هذه السنوات التي قضاها في المعترك السياسي، كما يعود أحد أسباب نجاحه إلى إصغائه لما يقوله الناخبون
ومن المعروف أن أردوغان استخدم استطلاعات الرأي بشكل فعال لجس نبض الشارع التركي خلال كل هذه السنوات التي قضاها في المعترك السياسي، كما يعود أحد أسباب نجاحه إلى إصغائه لما يقوله الناخبون. فهل تعني تصريحاته الأخيرة أنه سيتخلى بعد الآن عن اللجوء إلى استطلاعات الرأي لمعرفة آراء المواطنين؟ هذا أمر مستبعد لأسباب عديدة..
استطلاعات الرأي جزء لا يتجزأ من الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية. وهي من أهم الوسائل لجس نبض الشارع، حتى وإن لم تكن الأداة الوحيدة لمعرفة آراء المواطنين. ولا يمكن أن يستغني زعيم أو حزب سياسي عن استطلاعات الرأي. وبالتالي، لا أردوغان ولا
حزب العدالة والتنمية يمكن أن يتخلى عن إجراء استطلاعات للرأي بين حين وآخر، لمعرفة آراء الناخبين. ولا ننسى أن حزب العدالة والتنمية هو ذاته أجرى استطلاعات للرأي في كل مدينة قبل فترة وجيزة (وإن لم يعلن نتائجها) لتحديد أفضل مرشح
للانتخابات المحلية.
هذا الدور الهام الذي تلعبه استطلاعات الرأي لا يعني أنها مقدسة، أو أن نتائجها تمثل عين الحقيقة. بل كان هناك استطلاع للرأي نشرت نتائجه قبل
الانتخابات الرئاسية المبكرة التي أجريت في 24 حزيران/ يونيو 2018، تظهر أن مرشحة الحزب الصالح، ميرال آكشنير، ستحصل في الجولة الأولى على 21 في المئة من أصوات الناخبين، وآخر تحصل آكشنير وفقا لنتائجه على ما بين 25 و27 في المئة من الأصوات. إلا أن مرشحة الحزب الصالح لم تحصل في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة إلا على 7.29 في المئة فقط من أصوات الناخبين. وهذا الفرق الكبير بين نتائج استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات يدل على أن نتائج استطلاعات الرأي التي نشرت قبل الانتخابات لم تكن صحيحة، بل تم التلاعب بها.
تصريحات رئيس شركة استطلاعات للرأي، مقرب من المعارضة، اعترف فيها بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية بأنه كان يعرف جيدا أن أردوغان سيفوز في الجولة الأولى
ومن العوامل التي تدفع إلى التشكيك في نتائج استطلاعات الرأي، تصريحات رئيس شركة استطلاعات للرأي، مقرب من المعارضة، اعترف فيها بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية بأنه كان يعرف جيدا أن أردوغان سيفوز في الجولة الأولى، وأنه سيحصل على أكثر من 50 في المئة، مضيفا أنه لم يعلن الأرقام الصحيحة التي أظهرت نتائج الاستطلاع قبل الانتخابات، خوفا من غضب أنصار حزب الشعب الجمهوري.
الخريطة السياسية في
تركيا تغيرت في الآونة الأخيرة بسبب تحالفات انتخابية، كما أن نسبة كبيرة من الناخبين لا يعلنون ألوان أصواتهم حتى يوم إجراء الانتخابات. وهذا ما يجعل مهمة شركات استطلاعات الرأي صعبة ويوقعها في أخطاء، مهما كانت تلك الشركات محترمة وتسعى إلى الحصول على نتائج في استطلاعاتها أقرب ما تكون إلى نتائج الانتخابات.
تعلن بعض الشركات كل أسبوع تقريبا نتائج استطلاعات للرأي قبيل الانتخابات، نظرا لارتفاع الطلب على الاستطلاعات، ما يعني أنها تتساهل في اتباع القواعد العلمية
لا أحد يستطيع أن ينكر وجود خلل في استطلاعات الرأي، ويعزو الخبراء هذا الخلل إلى أسباب؛ منها أن بعض الشركات تتلاعب بالنتائج لتظهر مرشح الحزب السياسي الذي تدعمه متقدما على منافسيه، وأخرى تفشل في استطلاع آراء الناخبين بدقة؛ لأنها لا تجري الاستطلاعات كما ينبغي ولا تتبع قواعدها العملية، فإجراء استطلاعات للرأي بشكل علمي وفقا لتلك القواعد يحتاج إلى وقت واسع وميزانية كبيرة. وتعلن بعض الشركات كل أسبوع تقريبا نتائج استطلاعات للرأي قبيل الانتخابات، نظرا لارتفاع الطلب على الاستطلاعات، ما يعني أنها تتساهل في اتباع القواعد العلمية.
استطلاعات الرأي ستبقى إحدى الأدوات الفعالة لجس نبض الشارع، بالإضافة إلى الأدوات الأخرى. ولعل رئيس الجمهورية التركي أراد أن يلفت النظر إلى الخلل في إجراء الاستطلاعات، والفرق الكبير بين نتائجها ونتائج الانتخابات. وقد يكون تقنين إجراء الاستطلاعات وإجبار الشركات على اتباع القواعد العلمية المطلوبة حلا لإصلاح هذا الخلل.