كتاب عربي 21

متى ستلتفت تركيا إلى خطر "العلوية السياسية"؟

"تنظيم "المقاومة السورية في لواء إسكندرون" الذي يقوده معراج أورال أو علي كيالي الملقب بـ"جزار بانياس"
بدأ كثير من الكتاب والمحللين والباحثين الأتراك يسلِّطون الضوء، في الأيام الأخيرة، على "العلوية السياسية"، للكشف عن حقيقة هذه الظاهرة ومدى الخطورة التي تشكلها على الأمن القومي التركي والسلم الأهلي في المنطقة. ولا يشير هذا المصطلح إلى جميع العلويين كطائفة ومعتقد وطيف من أطياف المجتمع التركي، بل يعني استغلال العلوية أو النصيرية مطية للوصول إلى الأهداف السياسية، ومحاولة فرض وصاية الأقلية على إرادة الأكثرية الساحقة.

المنتمون للعلوية السياسية ليس كلهم من الطائفة العلوية، بل إن هناك أشخاصا من اليسار المتطرف أو الملحدين يدعمون العلوية السياسية ويعملون لصالحها، كما أن هناك آخرين من "الإسلاميين" الموالين لإيران يتحالفون مع تلك الجماعة لتحقيق أهداف مشتركة. وللعلوية السياسية أنصار كثر في وسائل الإعلام وعالمي الفن والأدب، يستغلون شهرتهم للدفاع عنها وحماية المنتمين إليها.
المنتمون للعلوية السياسية ليس كلهم من الطائفة العلوية، بل هناك أشخاص من اليسار المتطرف أو الملحدين يدعمون العلوية السياسية ويعملون لصالحها، كما أن هناك آخرين من "الإسلاميين" الموالين لإيران يتحالفون مع تلك الجماعة لتحقيق أهداف مشتركة

تركيا شهدت محاولات عديدة لسيطرة العلوية السياسية على أجهزة الدولة من أجل إقامة نظام في البلاد على غرار النظام السوري البائد. وفي تسعينيات القرن الماضي، عمل كل من الوزيرين السابقين مهمت موغولطاي وسيفي أوكطاي، لتوظيف أكبر قدر ممكن من الموالين لحزب الشعب الجمهوري في القضاء خلال توليهما لحقيبة العدل، علما بأنهما ينتميان إلى ذات الطائفة. كما قام عدد من السياسيين العلويين بتأسيس حزب السلام في كانون الأول/ ديسمبر 1996 ليكون "حزب العلويين"، إلا أنه لم يحصل في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نيسان/ أبريل 1999 سوى 0,25 في المائة من أصوات الناخبين، وتم حله في الشهر التالي من قبل مؤسسيه.

العلوية السياسية حاولت أيضا أن تسيطر على قيادة الجيش التركي في تلك الحقبة. وكان رئيس حزب الاتحاد الكبير الراحل محسن يازيجي أوغلو قال: "إن تركيا ليست إيران ولا الجزائر، وأما تحويلها إلى سوريا فنحن لن نسمح به"، في إشارة إلى محاولات العلوية السياسية السيطرة على الجيش التركي. وتم اغتيال يازيجي أوغلو في آذار/ مارس 2009 من قبل الكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة غولن. كما قام ذات التنظيم في أيار/ مايو 2010 بإسقاط دنيز بايكال من رئاسة حزب الشعب الجمهوري، من خلال تسريب شريط فيديو يحتوي على فضيحة جنسية، ليتولى بعده كمال كليتشدار أوغلو رئاسة حزب الشعب الجمهوري.

كليتشدار أوغلو اتُهِم بأنه حوَّل حزب الشعب الجمهوري إلى "حزب علوي". وفي لقاء جمع كليتشدار أوغلو مع مجموعة من الشباب في أيار/ مايو 2023، قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، قال شاب يدعى "علي" إن مسؤولي حزب الشعب الجمهوري في مدينة كوتاهيا قبلوا انضمامه إلى الحزب، لأنهم ظنوا أنه علوي، ولكنهم عرفوا بعد ذلك أنه ليس علويا فأبعدوه من الحزب، مضيفا أن الشباب يتظاهرون بأنهم علويون من أجل الانضمام إلى حزب الشعب الجمهوري. وكاد كليتشدار أوغلو يفوز في الانتخابات الرئاسية بفضل تحالفه مع الأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني والإسلاميين المعارضين لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.

العلويون السياسيون يتميزون من المواطنين العلويين العاديين بعدة صفات، على رأسها ولاؤهم للخارج لأسباب طائفية. وقال نائب سابق عن حزب الشعب الجمهوري إنه سيختار الوقوف في صفوف إيران، إن وقعت مواجهة بين إيران وتركيا، مضيفا أن "الشرق سيسقط إن سقطت إيران"، على حد زعمه. كما صرحت نائبة عن حزب العمال التركي بأنها لن تتردد في دعم الأسد إن شنت تركيا حربا ضد سوريا. وقال عميل الاستخبارات التركية الذي خطف الضابط السوري المنشق حسين هرموش، ليسلمه إلى نظام الأسد، ثم هرب إلى سوريا، إنه فعل ذلك بدافع عقائدي.

العلويون السياسيون يحاولون منذ سقوط نظام الأسد إثارة الفوضى في تركيا من خلال نشر شائعات وأنباء كاذبة تدَّعي بأن العلويين في سوريا يتعرضون للمجازر، ويشاركهم في هذه الحملة الموالون لكل من إيران وحزب العمال الكردستاني. وينظمون مظاهرات للتضامن مع فلول النظام السوري البائد قد تؤدي إلى إثارة فتنة طائفية في البلاد
العلوية السياسية تدعم التنظيمات الإرهابية، مثل جبهة حزب التحرر الشعبي الثوري التي معظم أعضاؤها من الطائفة العلوية، وتستغل ورقة الأقلية والمظلومية المصطنعة للهروب من الانتقادات، وتبرر للطغاة والدكتاتوريين جرائمهم البشعة لأسباب طائفية. وفي الوقت الذي يتعاطف العالم كله مع ضحايا نظام الأسد بعد انتشار الصور والمشاهد التي جاءت من المقابر الجماعية والسجون السورية، على رأسها سجن صيدنايا العسكري، وبعد سماع القصص المروعة التي يحكيها الناجون من جحيم تلك السجون، لا تجد العلوية السياسية بأسا في الدفاع عن ذاك النظام المجرم السفاح.

العلويون السياسيون يحاولون منذ سقوط نظام الأسد إثارة الفوضى في تركيا من خلال نشر شائعات وأنباء كاذبة تدَّعي بأن العلويين في سوريا يتعرضون للمجازر، ويشاركهم في هذه الحملة الموالون لكل من إيران وحزب العمال الكردستاني. وينظمون مظاهرات للتضامن مع فلول النظام السوري البائد قد تؤدي إلى إثارة فتنة طائفية في البلاد، كما أنه يمكن استغلال تلك المظاهرات من قبل عملاء مخابرات نظام الأسد وتنظيمات إرهابية كتنظيم "المقاومة السورية في لواء إسكندرون" الذي يقوده معراج أورال أو علي كيالي الملقب بــ"جزار بانياس"، لإشغال تركيا بمشاكل داخلية من أجل إبعادها عن عملية بناء سوريا الحرة.

العلوية السياسية تشكل خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي التركي، كما أنها تستهدف أمن سوريا واستقرارها. وقال رئيس الجمهورية التركي في كلمته التي ألقاها أمس الثلاثاء بمناسبة العام الجديد، إن تركيا ستقدم "كل الدعم اللازم لتحقيق السلام الدائم والاستقرار والازدهار الاقتصادي في سوريا خلال المرحلة المقبلة". ومن المؤكد أن الدعم الأول الذي يمكن أن تقدمه تركيا إلى جارتها، هو أن لا تسمح للعلوية السياسية بتحويل الأراضي التركية منطلقا للفعاليات والأنشطة التي تستهدف أمن سوريا وتركيا واستقرارهما على حد سواء.

x.com/ismail_yasa