تقف تركيا اليوم أمام عتبة الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها نهاية هذا الأسبوع. وستكون هذه الانتخابات أول اختبار هام للأحزاب السياسية بعد الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي أجريت في 24 حزيران/ يونيو الماضي.
المعارضة تولي لهذه الانتخابات أهمية كبيرة، وتراها فرصة لا تعوض لإنهاء عهد حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي جعل كافة القوى المناوئة لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان تجتمع تحت مظلة واحدة لتحقيق هذا الهدف المشترك. وكثّف قادة حزب العمال الكردستاني وكبار رجال جماعة فتح الله غولن الهاربون إلى خارج البلاد؛ دعواتهم إلى التصويت لصالح مرشحي المعارضة، للتخلص من تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية.
ستكون هذه الانتخابات أول اختبار هام للأحزاب السياسية بعد الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة
رئيس البرلمان التركي الأسبق، حسام الدين جيندوروك، أطلق قبل أيام في برنامج تلفزيوني؛ تصريحات مثيرة، ووصف الانتخابات المحلية بأنها "فرصة لانتقام النظام البرلماني من النظام الرئاسي"، داعيا إلى التصويت في العاصمة أنقرة لمرشح تحالف حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح، منصور ياواش.
التحالفات الانتخابية المعلنة وغير المعلنة جعلت مهمة شركات استطلاع الرأي ومراكز الدراسات صعبة للغاية. ولأول مرة منذ سنوات، أعلنت شركة "كوندا" التركية للدراسات أنها لن تعلن قبيل هذه الانتخابات أي أرقام للنتائج المتوقعة، كما كانت تفعل في السنوات السابقة، وعزت سبب ذلك إلى صعوبة تحديد آراء الناخبين بسبب التحالفات المعقدة.
التحالفات الانتخابية المعلنة وغير المعلنة جعلت مهمة شركات استطلاع الرأي ومراكز الدراسات صعبة للغاية
النقاش حول التحالف غير المعلن بين حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري اشتد في الأيام الأخيرة، ونشرت وسائل إعلام تركية أسماء مقربين من حزب العمال الكردستاني تم ترشيحهم لمجالس
البلديات ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري، وفقا لتفاهمات توصل إليها هذا الأخير وحزب الشعوب الديمقراطي. ويرى كثير من المراقبين في ذلك تمكينا للموالين للمنظمة الإرهابية في مجالس البلديات، بعد أن انحصر نشاط حزب العمال الكردستاني داخل البلاد إلى حد كبير؛ جراء ضربات موجعة تلقاها من قوات الأمن التركية.
حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي لحزب العمال الكردستاني، لم يقدم مرشحا للانتخابات المحلية في كثير من المدن التركية. إلا أن المثير في الأمر أن أنصار حزب الشعوب الديمقراطي في بعض تلك المدن؛ أكثر من أنصار الحزب الذي يدعم مرشحه، مثل مدينة شانلي أورفا. وكان حزب السلام والديمقراطية، الذي يعد حزب الشعوب الديمقراطي امتدادا له، قد حصل في شانلي أورفا في الانتخابات المحلية السابقة؛ على 30.5 في المئة، فيما حصل فيها حزب السعادة على 2.3 في المئة فقط. ومع ذلك، لم يقدم حزب الشعوب الديمقراطي مرشحا لهذه الانتخابات، ليدعم مرشح حزب السعادة. وأعلن النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، عمر أوجلان، ابن شقيق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، أنهم سيصوتون في شانلي أورفا لمرشح حزب السعادة. وكذلك في مدينة آديامان، التي حصل فيها حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية السابقة التي أجريت عام 2014؛ على 21.8 في المئة، وحصل حزب السلام والديمقراطية على 5.3 في المئة، فيما حصل حزب السعادة على 2.3 في المئة. ومع ذلك، لم يقدم حزب الشعب الجمهوري ولا حزب الشعوب الديمقراطي مرشحا لهذه الانتخابات، ويدعم كلا الحزبين مرشح حزب السعادة في هذه المدينة. وهذا يعني أن الأولوية لدى حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري هي
إسقاط تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، ولو تطلب ذلك بعض التنازلات.
رئيس "حزب الرفاه مجددا"، فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، دعا محبي والده وأنصار تيار "مللي غوروش" إلى عدم التصويت لحزب السعادة في الانتخابات المحلية. وانتقد دعم حزب السعادة لتحالف حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح وحزب الشعوب الديمقراطي، واتهمه باستغلال اسم والده دون أن يسير في طريقه.
تحالف المعارضة لم ينظِّم في أي مدينة مهرجانا مشتركا، خوفا من رفع أنصار حزب الشعوب الديمقراطي أعلام حزب العمال الكردستاني وصور زعيمه في المهرجان، ولصعوبة جمع أنصار الحزب الصالح من القوميين الأتراك مع أنصار حزب الشعوب الديمقراطي
حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية
نظَّما مهرجانات انتخابية مشتركة في إسطنبول وأنقرة وإزمير، وشارك فيها أردوغان ودولت باهتشلي معا. ولكن تحالف المعارضة لم ينظِّم في أي مدينة منها مهرجانا مشتركا، خوفا من رفع أنصار حزب الشعوب الديمقراطي أعلام حزب العمال الكردستاني وصور زعيمه في المهرجان، ولصعوبة جمع أنصار الحزب الصالح من القوميين الأتراك مع أنصار حزب الشعوب الديمقراطي من القوميين الأكراد الموالين للمنظمة الإرهابية؛ في ميدان واحد.
تحالف المعارضة يعاني من مشكلة أخرى، وهي اتهام مرشحه في أنقرة، منصور ياواش، في قضايا فساد وتزوير وابتزاز وتهرب من دفع الضرائب. وعلى الرغم من وجود أسئلة عديدة واتهامات خطيرة، يلتزم ياواش الصمت، بدلا من أن يتحدث ليدافع عن نفسه أمام الرأي العام، الأمر الذي دفع كبير مستشاري رئيس حزب الشعب الجمهوري، جنكيز طوبيل يلدريم، إلى القول بأن ترشيح ياواش كان خاطئا، وأن هناك احتمالا كبيرا بان يخسر، كما خسر في انتخابات 2014، وسيستقيل من الحزب بعد الانتخابات، وأشار إلى أن حزب الشعب الجمهوري خسر الانتخابات المحلية حين أعلن ترشيح ياواش. ومن المؤكد أن هذا الاعتراف المفاجئ سيجعل المشهد السياسي لتحالف المعارضة أكثر قتامة.