(1)
رأيت الكثير من الاختلال في بلادي.. رأيت الأحمق يلقي الدروس، ورأيت النعال فوق الرؤوس.. رأيت الأعمى يقود الجيوش، والجاهل فوق العروش.. رأيت النفاق والشقاق وانقلاب الرفاق، ورأيت ماذا بمصر من المبكيات.. برغم "الألش" ورغم الهذل ورغم الأسى، رأيت "ثورة القطة" ورأيت الوجه الآخر لثورة القطة.
(2)
تواصل السلطات تعذيب هشام جعفر بعد الإفراج عنه، ويذهب علاء عبد الفتاح مع مئات المفرج عنهم ليقدموا فروض الطاعة لصنم الشرطة، كإجراء احترازي مقابل حرية منقوصة، ويشكو المحبوسون من تدني معايير الإقامة في السجون، لا شمس ولا هواء ولا طعام ولا علاج، ومع ذلك لا يحتج إلا أهالي المحبوسين وعشرات المحامين وعدد قليل من المهتمين. وفي المقابل، بادرت "جامعة أسوان" بالتحقيق مع طالبة في كلية الطب البيطري؛ لأنها أجرت عملية إجهاض لـ"قطة" وخالفت معايير حقوق الحيوان، بالسخرية على حسابها في "فيسبوك" من موت القطة وجنينها أثناء العملية!
(3)
أعجبتني انتفاضة رواد مواقع التواصل، وتفهمت مطالبتهم بشطب الطبيبة البيطرية التي أعلنت عن فشل إجهاض القطة بتعليق سادي متبلد قالت فيه: "قتلت ابنها.. نياهاهاهاها"، وأعجبتني تصريحات عميد الكلية عن ضرورة مراعاة حقوق حيوانات التجارب، وضمان التعامل بقواعد الرحمة مع الحيوانات، وأعجبني قرار إدارة الجامعة بفتح التحقيق وتذكيرها بالأخلاقيات، وأعجبتني فورة التعليقات الإنسانية لنشطاء حقوق الحيوان، والآلاف الذين ساءهم أن تتعامل الطبيبة البيطرية مع القطة بهذه "الوحشية"، و"سواد النفس"، و"الاستهانة بالحياة"، و"الفجور البارد في ارتكاب الجريمة علناً وتصويرها على مواقع التواصل"، و..
أعجبتني انتفاضة رواد مواقع التواصل، وتفهمت مطالبتهم بشطب الطبيبة البيطرية التي أعلنت عن فشل إجهاض القطة بتعليق سادي متبلد
حالة من الفزع الإنساني تدفقت في ضمير مصر، واستنكرت بصوت عال ما حدث من إجرام واستهانة بحياة القطة وجنينها، لدرجة أن "مؤسسات" تبادر بفتح التحقيق في الجريمة ومعاقبة الطبيبة "السادية"، أو بأقل توصيف "المستهترة". بل إن الطبيبة البيطرية خجلت من نفسها وتحسبت من عقاب المؤسسات الأخلاقية المنضبطة، فأغلقت حسابها على "فيسبوك"، ولم تكابر في رد أو تعليق أو توضيح.
لكن السؤال: هل هذه الانتفاضة الشعبية والمؤسساتية المصرية تقتصر على القطط فقط؟ ألا يمكن أن ننظر للسجناء السياسيين في مصر، بنفس نظرتنا الحانية للقطط؟
ألا يمكن أن نعالج المزاج المتقلب ثنائي القطب؛ الذي نتأرجح فيه بين الرحمة والقسوة، بين الاهتمام والتجاهل، وبين التعاطف والتبلد؟
(5)
زادت الأخبار التي تتحدث عن المعاناة الصحية للسجناء السياسيين في سجون السيسي، حتى بدت منظومة السجون وكأنها تمارس نوعا من "السادية السياسية"، وتسعى لإعدام السجناء بالتدريج الممنهج. فالمئات في عمر يحتاج إلى انتظام في تلقي أدوية معينة لأمراض منتشرة، مثل السكر والضغط المرتفع وأزمات القلب والصدر، بل إن الأصحاء منهم خسروا صحتهم بسبب تدني شروط الحياة والاحتجاز في ظروف غير صحية. لكن حجم الاهتمام الشعبي بهذا القتل البطيء أقل بكثير من حجم الاهتمام الذي أثارته "جريمة القطة"، بالرغم من أن عميد كلية الطب البيطري بجامعة أسوان أوضح أن القطة كانت مريضة وتعاني من الشيخوخة، وأنها محكوم عليها بالموت، لكنه لم يغفر إساءة طبيبة المستقبل للقطة، برغم تخديرها واتباع المعايير الطبية قبل الجراحة المثيرة للجدل!
هل هذه الانتفاضة الشعبية والمؤسساتية المصرية تقتصر على القطط فقط؟ ألا يمكن أن ننظر للسجناء السياسيين في مصر، بنفس نظرتنا الحانية للقطط؟
إدارات السجون بهذه الأساليب الهمجية تساعد، بقصد أو بغير قصد، في تغذية العنف والجريمة والإرهاب، بدلا من حماية المجتمع وتخفيف مصادر الاختلال فيه
tamahi@hotmail.com
"خالد أبو النجا" و"عمرو واكد".. وحديث الخيانة العظمى!