في تصريحات أخيرة له، قال يحيى السنوار رئيس حركة "حماس" في غزّة: "إذا فُرضت علينا الحرب فإنني أتعهد بأن الاحتلال سوف يخلي مستوطناته ليس فقط في غلاف غزّة بل وفي أسدود والنقب وعسقلان بل وفي تل أبيب... وسجّلوا عليّ هذا العهد".
سؤال للمناكفة لا غير
والعادة إزاء مثل هذه التصريحات أن يقول بعض منتقدي المقاومة: "طالما أن حماس قادرة على فعل ذلك الآن، فلماذا تؤجّله؟!". والغريب في مصدر هذا السؤال، أنّ أصحابه يرفضون هذ العمل الآن ولاحقًا، باعتبار انعدام أدنى تكافؤ في القوّة بين الفلسطينيين والاحتلال، وبالتالي لن تتمكن المقاومة من احتواء ردود الاحتلال على قصف "تل أبيب"، ومن ثمّ لا يعدو سؤال "لماذا لا تفعلونه الآن" أن يكون ضربًا من المناكفة والتعييب الدائم.
المقاومة في غزّة، ضمن حيثياتها الخاصّة.. تُراعي ظرفها الراهن، فلا ترى صوابية المباشرة، الآن، بقصف الاحتلال على نحو واسع يدفعه لإخلاء "تل أبيب"،
سر رفض المقاومة المسلحة
بالرغم مما يستبطنه هذا الموقف من رفض ثابت للمقاومة المسلّحة، فإنّنا لن نعدم من يقول إن الرفض غير مؤسس على موقف مبدئي معارض للمقاومة المسلّحة، ولكنّه مؤسس على قراءة تاريخية لنتائج المقاومة المسلّحة، وعلى قراءة راهنة لحيثيات المقاومة المسلّحة ترى في نتائجها عكس ما يفترض أن يكون في أهدافها، كأنّ تستنزف الفلسطينيين بدلاً من استنزاف الاحتلال مثلاً.
والحال هذه، فإنّ أصحاب هذا الموقف لن يرحّبوا بقصف حماس لـ "تل أبيب" لو فعلت ذلك الآن، فهم ضدّ قصفها في كلّ وقت ما دامت موازين القوى سترتد عكسا على الفلسطينيين، وإذن فما معنى سؤالهم "لماذا لا تفعل حماس ذلك الآن؟". لا شيء، وإنما هو نمط متضخم من نقد المقاومة في كلّ أحوالها، حتى وهي تُحسن في الأداء!
وجه الإحسان هنا، هو أنّ المقاومة في غزّة، ضمن حيثياتها الخاصّة.. تُراعي ظرفها الراهن، فلا ترى صوابية المباشرة، الآن، بقصف الاحتلال على نحو واسع يدفعه لإخلاء "تل أبيب"، ومن ثمّ فهي تلتقي ومنتقديها المشار إليهم، في أنّ المقاومة، فعلاً ودرجة وأدوات، لا ينبغي أن تكون مفتوحة ومطلقة بلا حسابات، مع فارق جوهري، في كون ثمّة مقاومة في حالة السنوار، بنية وجهوزية وفاعلية.
نقد المقاومة
فطالما أنّ هذا البعض غير رافض للمقاومة المسلّحة من حيث المبدأ كما يقول، إنّما يراها على ضوء التقدير السياسي الراهن والتجربة التاريخية غير مجدية، وتأتي بنتائج عكسية، وتستدعي كلفة باهظة لا يمكن تعويضها أو يستفيد الاحتلال منها في النتيجة، فما الذي يضيره أن ترى المقاومة، من موقع بنيتها وجهوزيتها، أن تنفيذ كل ما تستطيعه غير مجدٍ أو يأتي بنتائج عكسية إذا فعل في غير أوانه؟ وتقدير الأوان خاضع للمعطيات المتحوّلة السياسية. وعلى أيّ حال، فلا أحد يفعل كل ما يستطيعه، كما أنّ العوائق والموانع لا تقتصر على القدرة الماديّة العارية، فلماذا تُعيّب المقاومة وهي تتحلّى بشيء من الحكمة، ولو كانت حكمة نسبيّة وفق معايير منتقديها المشار إليهم؟!
يُذكّر ذلك بتهديد المقاومة في حرب العام 2014، بتعطيل حركة الطيران المدني في "إسرائيل". حينها؛ شكّك البعض ذاته، من المنطلقات ذاتها، بجدّية هذا التهديد، ثمّ ثبتت جدّية التهديد في الحرب نفسها، وأكّدها، لاحقًا، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مذكراته حينما رأى بنيامين نتنياهو "مهزومًا للغاية" حسب تعبيره، بعد إغلاق مطار "بنغوريون".
وإذا كان يمكن الجدال، في أنّ تعطيل الطيران المدني وإغلاق مطار "بنغوريون"، في تلك الحرب، لم يُسفر عن نتائج سياسية لصالح الفلسطينيين، فإنّه يفترض في من شكّك في جدّية المقاومة ومصداقيتها ساعتها، أنْ يمارس نقدًا ذاتيًّا لنفسه، ولا يكتفي بانتقاد المقاومة في حالتيها، فلا يمكن فهم تكذيبها حين التهديد ومطالبتها بتنفيذ ما هدّدت به إن كانت صادقة، ثم معارضة تنفيذها ما هدّدت به، إلا أنّه موقف أيديولوجي من المقاومة يَضعُف فيه الحسّ السياسي والمسؤولية النقدية التي تتوخى تحسين أداء هذه المقاومة.
وكذا التكذيب، والتعييب الدائم، ولو فعلت المقاومة عَين ما تُطالَب به، أو عكس ما تُنتقد عليه، إنّما هو يُعبّر عن موقف "ازدرائي". صحيح أنّ هذا الموقف قد يكون له ما يُفسّره تاريخيًّا بسبب أخطاء متراكمة في سلوكها وخطابها، لكن المقاومة ليست حالة استاتيكية، لا تتغير ولا تتطور بتغير الفاعلين فيها أو بتغير مواقعها والظروف المحيطة بها.
بصرف النظر عن الجدل حول تقديس المقاومة من حيث المبدأ بما هي سلوك بدهي وأخلاقي تجاه الظلم والعدوان، فإنّ تقديس أدواتها ودرجاتها، غير متحقّق،
لماذا تطلق قيادة السلطة الفلسطينية الرصاص على قدميها؟!
ترامب يخبئ كيان المستوطنين للفلسطينيين
أخرجوا قطاع غزة من أزمته الراهنة