بدا كالفنان فاحش الموهبة "عطوة كنانة"، في واحد من أدواره، فقد نشر أحد المواقع صورة وزير الدفاع السوداني الفريق "عوض بن عوف" بجانب عنوان بارز: "لم نطمع في السلطة وجئنا لحماية الشعب"، فإذا بـ "عوض"، "الخالق الناطق"، "عطوة"، فـ"يخلق من الشبه أربعين"، وإذ ارتدى بزة عسكرية، فكثيراً ما يرتدي صاحبنا زي من يقلدهم، وكثيراً ما قلد السيسي في الصوت والتصرف ومحاولة تجسيد الصورة، لكنه "بن عوف" شبيه له، وإذا بالتصريح المنسوب هو نوع من الفكاهة، فماذا ترك "عوض بن عوف" لـ "عطوة بن كنانة"؟!
أكثر وعيا وثقافة من السيسي
عسكر السودان، أكثر ثقافة ووعياً من السيسي، فعلى الأقل هم بحكم الانتماء، قد طالعوا بعض الكتب، ولأن السوداني بطبيعته هو ابن بيئته، ولا ينعزل السودانيون عن البيئة ولا ينقطعوا عن الأهل، فتقرأ للطيب صالح وقد أصبح انجليزياً وتزوج "خواجاية"، فتشعر أنه في قريته لم يبارحها، ولا يتخلى السوداني عن لباسه التقليدي كلية في الخارج، وكأن في التخلي عنه ما ينسيه هويته أو يجعله متنكراً لها، وأهل السودان مثقفون بالفطرة، وعندما يكون العسكري السوداني جزءاً من بيئته فهذا يعني أنه قد يكون مثقفاً مثل أهله، ويظهر هذا جلياً في القراءة الجيدة لعمر البشير لخطبه، لتشعرك بالحسرة وأنت تستمع للسيسي وهو يقرأ، دعك من القول بأن هناك من يكتب خطب الرؤساء، فكل الرؤساء يُكتب لهم، فأنا أتحدث عن النطق والقدرة على القراءة السليمة!
مقرر دراسي واحد:
بيد أنه مع هذا التفاوت الثقافي فإن القاسم المشترك بين الانقلابيين في مصر واخوانهم في السودان، أنهم ينتمون لذات الجينات العسكرية، والعرق دساس، وفي الأزمات يبدو كما لو كانوا يطالعون منهجاً دراسياً واحداً لا يتغير، فلا تميز بين "عوض" و"عبد الفتاح"، وبين العسكري المثقف والعسكري الذي لم يقرأ كتاباً في حياته خارج المقرر الدراسي. فيتحدث وزير الدفاع السوداني "عوض بن عوف" بحسبانه عسكريا، فتظن أنه "عطوة كنانة" يقلد "عبد الفتاح السيسي"، مستعيناً بالأعمال الكاملة للجنرال المصري، ويساعد على هذا التصور، وجه الشبه الكبير بين "كنانة" و"عوف"، فتتوقف عن الضحك عندما تكتشف أنه "عوض بن عوف" بشحمه ولحمه، وأنه يقول ما يقول جاداً، فقد فتح المقرر الدراسي ليبدأ من حيث بدأ السيسي!
عسكر السودان، أكثر ثقافة ووعياً من السيسي، فعلى الأقل هم بحكم الانتماء، قد طالعوا بعض الكتب،
لقد قال السيسي في بداية انقلابه: إن الجيش ليس لديه رغبة في سلطة أو في حكم، فقط تحرك بناء على استدعاء الشعب، وقال عوف في "أول طلعة جوية" له: "لم نطمع في السلطة وجئنا بناء على طلب الشعب"، لنكتشف أننا أمام "موشح" لابد وأن يقال كاملاً، فهم جاؤوا بعد استدعاء الجيش لهم، وفي الحالة
المصرية يبدو الأمر له ظل من حقيقة، على العكس من الحالة السودانية، ففريق من المصريين مثلوا غطاء مدنيا للانقلاب العسكري، وقد دعوا لتدخل الجنرال لعزل الإخوان، لكن لم يكن الاستدعاء للحكم، وقد خاض السيسي الانتخابات لدورتين ويقوم الآن بتعديل الدستور ليحكم مدى الحياة، فيجري الآن استدعاء عبارة أنه ليس طامعاً في الحكم من باب السخرية، وعندما نجد ذات الجملة بتصرف منسوبة لـ "عوض بن عوف"، فليس هناك عتباً على النظر، إن اختلط الأمر علينا فاعتقدنا أنه "عطوة كنانة" في مقام السخرية والفكاهة، وليس "ع. ع" يتحدث جاداً، حتى وإن كان الشعب السوداني لم يدعُه لهدف ملتبس، وحتى بطلبه من الجيش التدخل تذكيراً بيوم 6 أبريل، فقد كان لعزل البشير، ثم يتسلم الشعب الحكم، فلم يكن الطلب مشفوعاً بتفويض بإدارة العسكر للمرحلة الانتقالية، كما فعل سوار الذهب، فهناك فرق بين النسختين، فسوار الذهب لم يكن جزءاً من انقلاب نميري، في حين أن "عوض" وجماعته هم والبشير أخوة على "الحلوة" و"المرة"، في التنظيم، وفي الانقلاب، وفي الحكم!
أبناء سوار الذهب:
في اليوم التالي لبيان الانقلاب الذي ألقاه "عوض بن عوف" أو "ع ع" جاء من يتحدث باسم اللجنة السياسية المكلفة من قبل المجلس العسكري فإذا به ـ يا إلهي ـ جنرال أيضاً، فالعسكر في مصر كما في السودان لا يثقون في أحد من خارجهم لذا فإن المتحدث عن اللجنة السياسية يحمل رتبة الفريق. الفريق عمر زين العابدين، فيقول ذات الكلام عن أنه لا طمع لهم في السلطة، فهم أبناء سوار الذهب!
فالسيسي محظوظ لأنه لم يكن شخصية معروفة بالشكل الكافي في المرحلة السابقة لاستدعائه يوم 30 حزيران (يونيو) 2013، وكانت الدعاية بأن الجيش هو من حمى الثورة لا تزال رائجة، لكن "عوض" وجماعته، جزء من حكم البشير، ومن انقلابه، ومن فشله وفساده، ومع ذلك جاء البيان العسكري ليخدع الشعب ويتحدث باسم اللجنة الأمنية، فإذا باللجنة تعلن استئصال النظام، وإذا بالنظام (كل النظام) هو شخص "البشير"، رأس بلا جسد كما قال "فوزي بشرى" في تقرير بالغ البلاغة. ثم إن هذه اللجنة الأمنية بعد أن تحدثت عن فساد النظام (الذي تم عزله) استنكرت ميله دائماً للحلول الأمنية، وكأنهم ليسوا ممثلين لهذه الأجهزة الأمنية التي تعد يده التي يبطش بها، وعصاه التي يهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى، لنستعير العبارة الخالدة للعقيد القذافي "من أنتم"؟!
سوار الذهب لم يكن جزءاً من انقلاب نميري، في حين أن "عوض" وجماعته هم والبشير أخوة على "الحلوة" و"المرة"، في التنظيم، وفي الانقلاب، وفي الحكم!
إنها "عقيدة العسكر"، فلا تميز بين المصري، والزول السوداني، والعسكري
الجزائري، فمن كان يشغل منصب وزير الدفاع في مصر جاء يتحدث في انقلابه عن أن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه، وأن نظام الحكم الإخواني كان يعمل من أجل تغيير الهوية المصرية، ونسي أنه جزء من هذا النظام بصفته، ولم نعرف دوره في الحنو على الشعب، وفي الحفاظ على هوية مصر داخل الرئاسة وفي وزارته وفي اجتماعات مجلس الوزراء، فهل منعوا عليه حقه حتى في النصيحة فلا يجد من سبيل سوى الإطاحة بالحكم؟!
حكم العصابة:
ووزير الدفاع في الجزائر، الذي صنعه بوتفليقة على عينه، واختاره لهذا المنصب الرفيع جاء يتحدث عن حكم "العصابة" وكأنه لم يكن أحد مكونات السلطة، ودون أن يقول لنا ماذا فعل لردع هذه العصابة قبل حضور الشعب، ولماذا هدد هو الحراك الشعبي في البداية، إن كان يدرك تماماً أنه خرج على حكم العصابة؟!
ولأنه منهج دراسي واحد مقرر على العسكر، فكما انفصل السيسي عن النظام في مصر، فقد انفصل أحمد قايد صالح عن النظام في الجزائر، تماما كما انفصل "عوض عوف" عن النظام السوداني، بعد أن جرى اختزال النظام في شخص واحد هو "عمر البشير"!
لقد قال "عوف": "جئنا لحماية الشعب"؟ حسناً، لكن هذه الحماية ممن؟، إن الذين اعتدوا على المتظاهرين ينتمون للأجهزة الأمنية، ربما تكون الشرطة، وربما قوات "الدعم السريع"، وهى ذاتها القوات التي تشكل منها ما يسمى بهيئة الأجهزة الأمنية بقيادة "عوض" التي عزلت البشير واستولت على الحكم!
حسنا كذلك، فالشعب السوداني لم يطلب "عوض" ومن معه للحكم، أو لأن يكونوا أوصياء على هذا الشعب!
من سوء حظ عسكر السودان، أن انقلابهم بعد النسخة الرديئة في مصر من الانقلابات، وبالتالي لم يعد بمقدورهم أن يدخلوا الغش والتدليس على المواطنين!
تغيرت الشعوب بفضل استيعابها للتجارب، لكن العسكر لا يزالون ينهلون من معين واحد راكد لم يتغير!
غيروا المقرر الدراسي أيها العسكر، فلم نعد نميز بين "عطوة كنانة" و"عوض بن عوف".. لقد حفظناكم!