بدأ حكم البشير في حزيران/ يونيو من عام 1989 بأكذوبة، تمثلت في أن عراب الحركة الإسلامية التي رتبت للانقلاب، حسن الترابي، قرر أن يذهب إلى السجن حبيسا، على أن يذهب العميد عمر البشير إلى القصر رئيسا، ويوم الخميس الماضي، والثورة الشعبية المطالبة برحيل البشير وكامل نظامه، بقيادة "قوى الحرية والتغيير"، وتجمُّع المهنيين تكمل شهرها الرابع، خرج على الناس الفريق عوض بن عوف بالبيان رقم (1) معلنا تشكيل مجلس عسكري يحكم البلاد لعامين.
اقتلاع النظام وحل مؤسساته
وجاء في البيان رقم واحد لهذا الانقلاب، والذي تلاه ابن عوف بوصفه وزيرا للدفاع: "اقتلاع" النظام، وحل مؤسسة رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، والبرلمان المركزي والبرلمانات الإقليمية، فنشأ عن ذلك وضع كاتش 22.
للكاتب الأمريكي الساخر جوزيف هيلر عمل روائي بديع يحمل اسم "كاتش 22"، وهي عبارة عبثية تجيء على لسان الضابط الطبيب في الجيش الأمريكي دوك دانيكا، للدلالة على الموقف الشائك الذي لا يعرف الناس منه مخرجا، بسبب خلل في القرارات والآراء والتوجيهات.
مجلس عسكري
وببيانه بتشكيل مجلس عسكري يحكم السودان لعامين، خلق ابن عوف وضعا معياريا لكاتش 22، فما قام به هو وكبار الجنرالات الذين اصطفاهم البشير ليمسكوا بزمام المؤسسة العسكرية، ليس انقلابا على البشير، بل على الثورة الشعبية المطالبة باستئصال نظام البشير من "لغاليغو"، وهو ليس انقلابا قامت به القوات المسلحة كمؤسسة، فقد جاء على لسان ابن عوف أن قرار الاستيلاء على السلطة جاء من اللجنة الأمنية العليا، التي يتولى رئاستها بوصفه النائب الأول لرئيس الجمهورية.
هذه اللجنة الأمنية تضم قوات الشرطة، وتضم جهاز الأمن والمخابرات الذي ظل يمارس التقتيل والتنكيل بالمتظاهرين طوال الأشهر الأربعة الماضية، وممارسة أبشع صنوف القمع والتعذيب بحق كل من يعارض الحكومة على مدى ثلاثة عقود، وتضم أيضا قوات "الدعم السريع" وهي مليشيا تتألف من أبناء منطقة معينة من إقليم دارفور الملتهب، شكلها البشير لحمايته هو شخصيا، وتتبع لرئاسة الجمهورية، وتحول قائدها من مواطن عادي إالى "فريق" في غضون أسابيع، وهو إنجاز لم يسبقه إليه سوى بشار الأسد، الذي ترقى من طبيب عيون مدني إلى مشير خلال ساعات.
بيان أول ركيك
في بيانه الأول الركيك، والذي قام خلال تلاوته بإلحاق أضرار جسيمة بمعمار اللغة العربية، قال ابن عوف إنه يقرر ما يقرر بوصفه وزيرا للدفاع، وبالمصري: دي تيجي إزاي؟ فقد أعلن حل مؤسسة الرئاسة، وهو الرجل الثاني فيها، ثم حل مجلس الوزراء وبالتالي "حلّ" منصبه كوزير دفاع، فكيف ينتحل منصبا قام هو بإلغائه؟
ابن عوف أراد إعادة إنتاج حكم البشير بالإبقاء على مؤسسات البشير، بل وتعزيزها،
استلهام تجربة سوار الذهب
من المؤكد أن ابن عوف أراد استلهام تجربة المشير عبد الرحمن سوار الذهب، قائد الجيش السوداني في عهد جعفر نميري، والذي تجاوب مع انتفاضة شعبية نشدت رحيل نميري، وشكل مجلسا عسكريا أدار شؤون البلاد لسنة واحدة، ثم سلم مقاليد الأمور لحكومة منتخبة.
ابن عوف أعلن تعطيل الدستور ثم بعدها بسويعات وقف يؤدي القسم "الدستوري
مقاربة شمولية لمواجهة الهجوم على طرابلس
فضيحة "فضائح السيسي بيه" أحداث كاشفة (1)
من ليبيا للجزائر للسودان.. الثورة المضادة تتراجع