كتب مراسلا صحيفة "نيويورك تايمز" ديكلان وولش وجوزيف غولدستيتن، تقريرا تحت عنوان "وسط النشوة في السودان رقصة دقيقة حول من سيحكم السودان: الجنود أم المدنيون؟"، يتحدثان فيه عن نتائج التغيير والمسار الذي يسير إليه السودان بعد الإطاحة بنظام عمر حسن البشير الأسبوع الماضي.
ويصف التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، الاعتصام أمام مقرات القيادة العامة للجيش السوداني بأنه مهرجان صيفي للثقافة المضادة، بدلا من أن يكون ثورة، مشيرا إلى أن موسيقيا معروفا اتخذ من ظهر سيارة مسرحا له وعزف على كمانه، فيما مشى صوفي بثيابه الملونة يمتزج مع مسيحيين يترنمون بالترانيم المسيحية.
ويفيد الكاتبان بأن بعضهم أحضر أبناءه لحضور اللحظة وتذوق نشوة الإنجاز الباهر، فقد حقق المتظاهرون في الأسبوع الماضي ما عجزت عن تحقيقه الثورات المسلحة، وأطاحوا بالزعيم المستبد عمر البشير بعد 30 عاما في الحكم.
وتقول الصحيفة إنه بعيدا عن رقصات المتظاهرين، وداخل بوابات مقرات الجيش، فإن حماة البشير الأشداء لا يزالون يسيطرون على البلاد، حيث يدير الرجال الذين مروا بتجارب صعبة، وأصبحوا مرادفين للحرب والفساد، حوارا حساسا مع قادة غير معروفين لهذه الثورة الشبابية غير المكتملة.
ويجد التقرير أن لا أحد من الطرفين يعرف من هو العدو أو الحليف، ولهذا فإن عدم الثقة واضح، خاصة بين المتظاهرين الذين يخشون من خداع الجنرالات لهم، وانتزاع النصر، وعرقلة العودة للحكم المدني.
وينقل الكاتبان عن المدرسة التي انضمت للتظاهرات سلمى علي، قولها: "قطعوا الرأس.. لكن الجسد باق".
وتشير الصحيفة إلى أن الجنود أكدوا يوم الاثنين أهمية خروج المتظاهرين من المنطقة من أجل تنظيفها، إلا أن المعتصمين خارج المقرات اعتقدوا أنها خدعة، وأخذوا يهتفون "ثورة"، ما أدى إلى تراجع الجنود، لافتة إلى أن المواجهة بين الجنود والمدنيين الذين يتصارعون معا لتحديد هوية ومستقبل السودان انتهت إلى طريق مسدود.
ويلفت التقرير إلى أن شبح الثورات الماضية يخيم في هذا كله على الانتفاضة الحالية، فهناك من يخشى أن يترك البلد الذي يعد من أكبر الدول فقرا في العالم، لمصير يشبه ذلك الذي تعيشه ليبيا، التي انزلقت بعد سقوط معمر القذافي عام 2011 إلى حرب أهلية لم تتعاف منها أبدا.
وينوه الكاتبان إلى أن هناك من يرى نموذجا شبيها مشجعا في التجربة في جنوب أفريقيا، حيث انتهى نظام التمييز العنصري في التسعينيات من القرن الماضي عبر التفاوض السلمي بين نظام البيض والمعارضة التي قادها نيلسون مانديلا.
وترى الصحيفة أن الأحداث في السودان، التي تبعت رحيل البشير، تبدو أنها تسير في اتجاه المتظاهرين، وهذا كله بسبب تردد النخبة الحاكمة وتراجعها عن قرارات اتخذتها، مشيرة إلى أنها عزلت أول رئيس للمجلس العسكري الانتقالي؛ في محاولة لاسترضاء المتظاهرين المعتصمين خارج مقرات الجيش.
ويذكر التقرير أن المجلس أعلن في نهاية الأسبوع عن إلغاء حظر التجول، والإفراج عن المعتقلين السياسيين كلهم، وتمت إقالة مدير المخابرات "المخيف" صلاح غوش، الذي اعتبر المتظاهرون بقاءه في السلطة غير مقبول، وبدا الانقلاب في لحظات وكأنه "تيندر"، حيث عبر المتظاهرون في موقع الاحتجاج عن رضاهم أو كراهيتهم لمن يقترحه الجيش ليكون في القيادة.
ويقول الكاتبان إنه بدلا من أن تكون ساحة النقاش هي الإنترنت، فإنه في السودان كانت الساحة هي مقر الاعتصام، الذي يتحول في الليل إلى ساحة غناء ورقص، ويأتي إليه عازفو السكسوفون ويرقصون مع الجنود الذين يلفون أنفسهم بالعلم السوداني، مشيرين إلى أنه في نهاية الأسبوع الماضي نصبت شاشة كبيرة ليتمكن المعتصمون من متابعة مباريات كرة القدم الأوروبية، وألقت الشابات خطابات حماسية وسط زغاريد النساء الكبيرات، اللواتي ذرفن الدموع غزيرة أمام الجنود الذين وقفوا مع المحتجين.
وبحسب الصحيفة، فإن عروسا حضرت في المساء بذهبها وحليها، وسط وهتافات الرجال الذي صرخوا "ستسقط وسنتزوج"، في إشارة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي جعل الكثيرين منهم غير قادرين على الزواج.
ويشير التقرير إلى أن المجلس العسكري أعلن في نهاية الأسبوع عن تعيين الجنرال محمد حمدان "حميدتي" نائبا لرئيس المجلس، الذي ارتبط بأحداث دارفور، لافتا إلى أن السعودية، الحليف القوي لحمدان، أصدرت بيانا ثمنت تعيينه، وبعد يوم شوهد الجنرال وهو يصافح القائم بأعمال السفير الأمريكي في الخرطوم ستيفن كوتسيس.
ويلفت الكاتبان إلى أن قائد الحكومة الانتقالية الجنرال عبد الفتاح البرهان له علاقات مع السعودية، التي تقدم للسودان البترول المدعم، مشيرين إلى أن البرهان كان حتى وقت قريب يقود كتيبة سودانية تقاتل في اليمن تحت قيادة التحالف السعودي.
وتعلق الصحيفة قائلة: "إذا كان قادة الزمرة العسكرية معروفين في السودان، فإن قادة المتظاهرين المعتصمين خارج أسوار مقرات القيادة العامة غير معروفين، ففي خلال حكمه الطويل قام البشير بمنع وتهميش أو ضم الكثير من أعضاء النقابات والمجتمع المدني، وتم سجن النقاد، ومن لم يسجن منهم فإنه هرب إلى الخارج، ومات البعض تحت التعذيب".
ويستدرك التقرير بأن حركة الاحتجاج التي أجبرت البشير على الخروج من السلطة هي بقيادة تجمع المهنيين السودانيين، الذي ولد من رحم الطبقة المتوسطة المحبطة، ويقوده الأطباء ونقابات المهنيين الأخرى، وهو الذي حفز موجة الغضب التي اندلعت بسبب ارتفاع أسعار الخبز في كانون الأول/ ديسمبر، وشكلها لتكون حركة جماهيرية.
وينوه الكاتبان إلى أن تجمع المهنيين السودانيين شكل تحالفا واسعا، ضم الناشطين من منطقة دارفور، التي مزقتها الحرب، ولجنة الصيادلة و"منبر المغردين السودانيين"، مستدركين بأن قادته ظلوا غير معروفين خوفا من الاعتقال.
وتنقل الصحيفة عن مصور الدعايات التجارية مصعب عبد الناصر (19 عاما)، قوله: "قادونا إلى الحرية ولا نعرف شيئا عنهم".
وبحسب التقرير، فإنه كشف عن غطاء السرية في الأيام القليلة الماضية، مع بدء المفاوضات بين ممثلي المعتصمين وقادة الجيش، واختلف الطرفان حول مدة الفترة الانتقالية، ووافق الجنود على تولي المدنيين الوزارات كلها، باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية.
ويبين الكاتبان أن المدنيين يريدون فترة انتقالية طويلة، بحيث تمنح البلاد الخارجة من الديكتاتورية فترة للنضوج، مشيرين إلى أن أمام المتظاهرين درسي مصر وليبيا، حيث عقدت الانتخابات فيهما بطريقة متعجلة، وانتهت بتقويض الديمقراطية لا تقويتها.
وتقول الصحيفة إن السؤال المطروح حاليا هو عمن سيكون في مركز السلطة، وعما إذا كان مجلسا عسكريا يتمتع بسلطة فيتو على رئيس الوزراء المدني.
ويذهب التقرير إلى أن "المحادثات ستمتحن وحدة المتظاهرين، فقد استبعد الجيش الأحزاب الإسلامية، التي كانت عربة البشير إلى السلطة، وحزب المؤتمر الشعبي، ولم يتم تمثيل الجماعات في دارفور".
ويورد الكاتبان نقلا عن الخبير السوداني مجدي الجزولي، من معهد ريفت فالي للأبحاث، قوله إن المحتجين يحتاجون إلى التوصل إلى موقف موحد قبل أن يتفوق عليهم الجيش.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول الجزولي: "هناك ثورة في النشاطات السياسية في الخرطوم الآن.. ربما لن تفتح النافذة لوقت طويل، وعلى المحتجين معرفة ما يريدون تحقيقه قبل أن تغلق أمامهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
صحيفة فرنسية: بوتفليقة والبشير ليسا إلا قمة جبل الجليد
NYT: هذه أهم محطات حكم البشير الذي خلف وراءه بلدا منهارا
التايمز: ما هو السيناريو المحتمل في السودان بعد البشير؟