دوّت الصرخات الصادمة لتنظيم القاعدة الإرهابي في سماء مدينة تعز القديمة؛ في اللحظة التي أُجبرتْ فيها عناصرهُ على مغادرة المدينة تحت الضغط الهائل للقوات الحكومية، إثر هجمات مسلحة نفذها إرهابيو هذا التنظيم، أودت بالعشرات من رجال الشرطة وقوات حفظ الأمن في المدينة، بالإضافة إلى المدنيين.
صرخات المتطرفين المنسحبين، والتي أكدوا من خلالها أن دولة أبو العباس باقية، عرَّت المواقف السياسية الملتبسة لأطراف سياسية وقيادات بارزة في الدولة اليمنية؛ سخرت نفسها طيلة الفترة الماضية لتسويق مظلومية كتائب أبو العباس، وأظهرت حملة التطهير الأمنية في المدينة القديمة في تعز؛ على أنها اعتداء على السكان العزل وتهديد للسكينة العامة، مع اتهامات للحملة الأمنية بأنها الحشد الشعبي للإصلاح.
ثمة حقيقة حاول الجميع مدارتها بكل السبل الممكنة، وهي أن الإمارات عملت طيلة السنوات الماضية على استزراع تنظيم القاعدة في مدينة تعز الواقعة في الجنوب الغربي لليمن، والتي تشرف إدارياً على مضيق باب المندب، كاشفة عن أولوياتها الحقيقة في اليمن، وهي القضاء على البذرة الديمقراطية التي غرسها شباب الربيع العربي في هذا البلد.
الإمارات عملت طيلة السنوات الماضية على استزراع تنظيم القاعدة في مدينة تعز الواقعة في الجنوب الغربي لليمن
ولتحقيق هذا الهدف الشيطاني، جرى تأليف هذا التنظيم من لفيف من عناصر إرهابية تم استجلابها من المحافظات الجنوبية التي يتواجد فيها أكبر تجمع للعناصر السلفية الجهادية، وهي أسوأ ما زرعت الاستخبارات السعودية في البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، في ما يمكن اعتباره اتحاداً للأهداف السيئة نفسها التي تريد أن يبقَي اليمنُ ساحةً للإرهاب، بما يمثله هذا الأخير من مبرر للتدخل متعدد المستويات في الشأن اليمني، والتحكم ببلد كبير من حيث المساحة والسكان؛ لمجرد أن سلطاته المتعاقبة المرتبطة بالرياض عززت فيه مناخ الفوضى وعدم الاستقرار الذي ساهم في تردي الوضع الاقتصادي، رغم الإمكانيات الواعدة لهذا البلد.
وإلى جانب هؤلاء الجهاديين، استعانت غرفة العمليات الإقليمية المضادة للربيع العربي، ومقرها أبو ظبي، بمن يمكن وصفهم بأسوأ عناصر النظام السابق الذي عملوا كقتلة مأجورين ومهربي مخدرات، وأدوات قمع أمنية نشطت بصورة ملحوظة إبان ثورة 11 شباط/ فبراير في ساحة الحرية بمدينة تعز؛ التي مثلت منطلقاً للربيع اليمني وروحه المتوقدة حتى الآن.
هؤلاء جميعاً انخرطوا منذ بداية الحرب ضمن ما يسمى كتائب أبو العباس، وليكونوا الكتيبة الخامسة المنضوية (من الناحية الإسمية فقط) تحت مظلة اللواء 35 مدرع، التابع للجيش الوطني، وهو اللواء العسكري الوحيد في تعز الذي يحظى قائده برعاية خاصة من القوات الإماراتية في عدن.
تعبر هذه الإمارات بصورة فجة عن اتحاد أكثر الأطراف عدائية تجاه الربيع اليمني، الأمر الذي سمح بتبادل المصالح بين الإمارات وقوات صالح والأجهزة الأمنية التابعة للنظام المخلوع
ظل أبناء تعز يرزحون تحت عنف الجماعات المسلحة المدعومة من الإمارات لأربع سنوات تقريباً؛ أسست خلالها في المدينة القديمة وفي الأحياء الشرقية إمارة إسلامية بامتياز، ولتعبر هذه الإمارات بصورة فجة عن اتحاد أكثر الأطراف عدائية تجاه الربيع اليمني، الأمر الذي سمح بتبادل المصالح بين الإمارات وقوات صالح والأجهزة الأمنية التابعة للنظام المخلوع.
فلم يكن غريباً أن تنبثق كتائب أبو العباس من حي الجحملية، الواقع شرق مدينة تعز، والذي كان يمثل المربع الأمني الخالص المغلق على نفوذ صالح وأجهزته، حيث تتركز المقرات الأمنية والعسكرية.
الحرب الفائضة عن الحاجة، والتي شهدتها مدينة تعز، هي أحد النتاجات السيئة للسياسة التي يتبعها ما يسمى بتحالف دعم الشرعية، ويمضي من خلالها نحو تكريس بؤر صراع وحروب منفصلة ومتعددة الأهداف، بل إن الحوثيين يحققون معها تفوقاً ميدانياً
إذ لم يحدث سوى تغيير في المظهر الخارجي للعناصر الأمنية والعسكرية على مستوى اللباس وإطلاق اللحى، تماماً كما سبق وأن فعل جيش صالح وأمنه عندما تكيفوا من حيث المظهر الخارجي، ليثبتوا أنهم مجرد مقاتلين في كتائب مليشيا الحوثي الانقلابية، وليعطوا تبريراً منطقيا للتمدد السريع للمليشيا في معظم المحافظات اليمنية، حيث كانوا يحلون ضيوفاً مرحباً بهم في معسكرات الجيش، رغم التبعية الاسمية لهذا الجيش للحكومة وللرئيس هادي.
الحرب الفائضة عن الحاجة، والتي شهدتها مدينة تعز، هي أحد النتاجات السيئة
للسياسة التي يتبعها ما يسمى بتحالف دعم الشرعية، ويمضي من خلالها نحو تكريس بؤر صراع وحروب منفصلة ومتعددة الأهداف، بل إن
الحوثيين يحققون معها تفوقاً ميدانياً؛ انقضّوا خلاله، ومن جبهات عدة، على المناطق المحررة في العمق الجنوبي للبلاد، في ظل حياد مريب يمارسه التحالف الذي يضنّ على المقاتلين بالسلاح، ويمتنع عن توفير الغطاء الجوي لعمليات عسكرية محدودة التأثير.