لم تشهد منطقة الخليج العربي مثل هذا التصعيد العسكري والخطابي والسياسي منذ غزو العراق عام 2003، بما يغري المحللين والمتابعين بتوقع حرب شاملة طاحنة في المنطقة، تشنها الولايات المتحدة ضد إيران، خصوصا في ظل قيادة أمريكية متشددة غير قابلة للتوقع، وبالتزامن مع أزمات عديدة في الخليج تمثل إيران عاملا مشتركا فيها.
فهل سنشهد حربا قريبة؟
العوامل التي قد تدفع باتجاه الحرب
ثمة عوامل عديدة تدفع باتجاه احتمال وقوع حرب من هذا النوع، تتعلق بالواقع الإقليمي والدولي، وأهمها:
• وجود قيادة أمريكية متشددة برئاسة دونالد ترامب، وهي قيادة تشكل أشبه ما يكون بحكومة حرب، خصوصا مع تسليم وزير الخارجية بومبيو الكامل برؤية ترامب للسياسة الخارجية، ورحيل الوزراء والقيادات الأمنية والعسكرية التي كانت على خلافات مع الرئيس، ووجود دور فاعل للمحافظ المتشدد جون بولتون مستشارا للأمن القومي.
• سعي ترامب الحثيث وبكل الطرق لإرضاء اليمين الإنجليكاني واليمين الصهيوني، وهي تيارات تميل للتشدد مع إيران بسبب اعتقادها أن هذا التشدد وربما الحرب قد تصب في مصلحة دولة الاحتلال.
• إلغاء ترامب للاتفاق النووي مع إيران من طرف واحد، وهو الاتفاق الذي كان يمثل عامل تهدئة، وكان من الممكن أن يساهم في "تأهيل" إيران ودفعها لسياسات أقل تصادما مع الغرب ومع جيرانها في المنطقة، خصوصا مع أزمتها الاقتصادية المتفاقمة.
• الأزمة الاقتصادية الإيرانية بسبب مغامراتها وسياساتها التوسعية القائمة على التدخل في سوريا واليمن تحديدا، وبسبب الحصار الاقتصادي، وهي أزمة قد تدفع طهران للمغامرة بسياسات تصعيدية ردا على التصعيد الأمريكي بما يضع المنطقة على تخوم الحرب.
• صعود قيادات خليجية أكثر تشددا مع إيران، وخصوصا في السعودية والإمارات، وهي قيادات تمتلك تأثيرا على الرئيس ترامب وفي حالة تحالف شبه كامل مع سياساته، ما قد يدفعه للتوجه للحرب أكثر من أي وقت مضى.
عوامل قد تمنع الحرب
بمقابل العوامل التي قد تدفع باتجاه حرب أمريكية ضد إيران، ثمة عوامل أخرى تدفع للاعتقاد بعدم إمكانية قيام مثل هذه الحرب، وأهمها:
• "عقيدة" ترامب في السياسة الخارجية والتي تقوم على عدم الانغماس بشكل مباشر في صراعات الشرق الأوسط، وعلى عدم شن حروب "لصالح الآخرين"، والاكتفاء بدلا من ذلك بالاعتماد على وكلاء إقليميين ودوليين لتحقيق مصالح الأمن الأمريكي وإدارة الصراعات.
• تصاعد قوة التيارات الأمريكية التي تدعو للابتعاد عن صراعات الشرق الأوسط، والتركيز على آسيا، وخصوصا الصراع مع الصين الصاعدة بقوة. وحضور تجربة الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق والتي لم تؤد لتحقيق أهداف واشنطن منها، بل تسببت بكوارث اقتصادية لأمريكا، وفتحت الباب لمزيد من العنف والإرهاب والطائفية وانعدام الأمن.
• الخلافات الأمريكية الداخلية، وسيطرة الديمقراطيين على الكونغرس، ورفض الأغلبية الديمقراطية لشن حروب جديدة. صحيح أن ترامب يمتلك حق الفيتو ضد قرارات الكونغرس وقد استخدمها بالفعل ضد قرار وقف الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، إلا أن حربا شاملة تشارك أمريكا فيها بشكل مباشر بجنودها تحتاج إلى إجماع داخلي أمريكي عابر للحزبين الرئيسين.
• عدم وجود أطراف داخلية في إيران مستعدة للتحالف مع أمريكا لخلافة النظام الحاكم، وهو ما سيعمق من معضلة الإجابة على سؤال "اليوم التالي" للحرب.
• معارضة أوروبا للحرب، ومعارضتها أصلا للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وهو ما يجعل واشنطن وحيدة "دوليا" في مثل هذه الحرب، على خلاف غزو العراق الذي حظي بمشاركة بريطانية مهمة رغم رفض الدول الأوروبية الأخرى.
• إجادة إيران للعبة "حافة الهاوية" مع أمريكا، وهي سياسة نجحت باستمرار بالوصول بالتوتر في العلاقات إلى حافة الحرب، مع قدرة إيرانية على الانسحاب في الوقت المناسب منعا لحرب تدرك طهران أنها خاسرة في ظل الضعف الاقتصادي والعداء الإقليمي وميزان القوى الذي يميل بشدة نحو واشنطن.
• العامل الإسرائيلي الذي يلعب لصالح الاحتمالين، فمن جهة تريد تل أبيب القضاء على إيران، ولكنها من جهة أخرى قد ترى في الحرب تهديدا لأمنها مع احتمالية إطلاق صواريخ إيرانية باتجاهها، أو بفتح حزب الله لجبهة واسعة في جنوب لبنان، بينما يمكن للعقوبات الأمريكية أن تضعف إيران لأبعد مدى دون خسائر سياسية أو عسكرية لدولة الاحتلال.
• امتلاك إيران لعوامل قوة قد تستطيع استخدامها للتفاوض بدلا من الحرب، وخصوصا من خلال إمكانية تقديم تنازلات في الملف النووي واستمراراها بالتمسك به لكسب الجانب الأوروبي، أو من خلال حلفائها في حزب الله والحوثيين وسوريا.
ما السيناريوهات الأكثر احتمالا؟
بالنظر للعوامل الدافعة للحرب وتلك التي تكبح جماحها، فإن السيناريو الأكثر ترجيحا برأينا هو الوقوف على تخوم الحرب وليس قيام حرب فعلية. ستعزز الولايات المتحدة من وجودها العسكري في منطقة الخليج، وستتابع ضغوطها الدبلوماسية والاقتصادية وعقوباتها ضد إيران، وستحاول إيران التلويح بخيارات القوة، ولكنها ستضطر غالبا لتقديم تنازلات لتجنب الحرب لأنها تدرك أنها ليست في صالحها.
من المتوقع أن تقود الضغوط الأمريكية لفتح مفاوضات عبر أطراف أوروبية تدفع إيران للالتزام بالاتفاق النووي، وقد تدفعها لتقديم تنازلات في ملفي اليمن وسوريا أيضا، بمقابل الحصول على حوافز أوروبية من خلال تراجع أمريكا عن وقف الاستثناءات في الحصار المفروض على طهران.
قد يكون هذا هو السيناريو المرجح، نظرا لأنه يساعد طهران في حلحلة أزمتها الاقتصادية الطاحنة، ولأنه يحقق في نفس الوقت أهداف واشنطن وتل أبيب في إضعاف إيران وإيقاف طموحاتها النووية وترشيد سياساتها في المنطقة العربية والخليجية خصوصا، ولكن هذا السيناريو يبقى "مغامرة تحليلية" لأنه يبنى على المنطق السياسي، بينما تعيش المنطقة والعالم بقيادة ترامب في حالة من انعدام المنطق، وخارج إمكانيات التوقع لأي تحليل سياسي!
ومع ذلك، يبقى أيضا سيناريو ضربة أمريكية جوية محدودة ضد إيران احتمالا قائما، يضعف من طهران ويزيد من قوة الردع الأمريكية ويرضي الحلفاء في الخليج ودولة الاحتلال، ولكنه سيناريو قد يفتح بوابات رد إيرانية غير متوقعة.
ويبقى القول إن العرب سيخسرون أيضا في حال قيام حرب وليس فقط إيران، فقد خسروا من غزو العراق ومن كل حرب، لأن حسابات السياسة الأمريكية لا تضعهم في أولويات حساباتها السياسية، بل إن ما يحكمها هو مصالحها ومصالح الاحتلال حصرا.
عما يجري بين أمريكا وإيران.. قصة فشل مدوية
كيف ستتعامل تركيا مع العقوبات الأمريكية على إيران؟