بعد انتهاء صلاة التراويح يفضّل عشرات الفلسطينيين البقاء في المسجد الأقصى المبارك حتى صلاة الفجر ضمن ما يسمونه "الاعتكاف"، طلبا للأجر واتباعا لسنة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام خلال الشهر الفضيل، ففي كل عام كان الاعتكاف عادة وعبادة رمضانية، ولكن الاحتلال يسعى إلى إنهائها هذا العام.
ومنذ بداية رمضان سعى بعض المصلين إلى البقاء في المصليات
عقب صلاة التراويح؛ ليتفاجأوا باقتحام الجنود للمسجد وطردهم من داخله، وتهديدهم بعبارات
عدة ومنعهم من مواصلة اعتكافهم.
الصحفي الفلسطيني محمد عتيق من مدينة جنين كان من الشبان
القلائل الذين تمكنوا من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك قادما من الضفة التي تحتضن
القدس أصلا بين مدنها، ولكن حال الجدار الفاصل العنصري دون إكمال هذا الامتداد الجغرافي
الطبيعي، فأصبحت أقرب مدينة على مدن الضفة هي الأبعد بالنسبة لإمكانية الوصول.
ويوضح عتيق في حديث لـ"عربي21" أن "نية
الاعتكاف كانت موجودة لديه ولدى العديد من الشبان منذ ما قبل شهر رمضان، حيث إن صعوبة
الوصول إلى المسجد تزيد من رغبة التواجد فيه بشكل دائم، كما أن الاعتكاف كان متعارفا
عليه في كل رمضان".
اقرأ أيضا: اعتقال مصلين بالأقصى تزامنا مع اقتحام المستوطنين (شاهد)
ويضيف: "كنا نجلس في المصلى القبلي بعد انتهاء صلاة
التراويح استعدادا للاعتكاف فيه؛ ولكن تفاجأنا في اليوم الأول باقتحامه من قبل عشرات
الجنود ومن ثم إبلاغنا بضرورة الخروج منه، وكنا نحاول إقناعهم بأننا نعتكف كما في كل
عام، ولكن كانوا يهددوننا باستخدام القوة".
ويشير إلى أن "ذريعة الاحتلال كانت أن الاعتكاف
مسموح فقط في العشر الأواخر من رمضان، رغم أنه كان مسموحا خلال كل أيام الشهر"،
مبينا أن الجنود كرروا طردهم للمعتكفين في كل يوم عقب صلاة التراويح، وكانوا يقتحمون
المسجد بقوات كبيرة.
عدم الاستسلام
"ولكن المعتكفين لم يستسلموا لقرارات الجنود وترهيبهم
فواصلوا بقاءهم في كل ليلة، وحين كان يتم طردهم من المصلى القبلي كانوا يبيتون ليلتهم
على بلاط باب السلسلة وهو أقرب نقطة للمسجد"، بحسب عتيق.
ويؤكد أن قرار المصلين المعتكفين كان الإصرار على الاعتكاف،
مع الحرص على عدم السماح للاحتلال باستغلال الفرصة من أجل الاعتداء عليهم، ورغم ذلك
سُجلت حالات اعتقال لمجموعة من المعتكفين من الداخل الفلسطيني المحتل والاعتداء عليهم.
اقرأ أيضا: الاعتكاف في الأقصى.. معركة مؤجلة مع الاحتلال ودعوات للحشد
ويتابع عتيق قائلا: "كنا نلجأ إلى مسجد المئذنة
الحمراء حين يتم طردنا؛ وهو المتواجد في حارة السعدية داخل البلدة القديمة خارج أسوار
الأقصى، وكنا نحاول العودة إلى الأقصى ولكن الجنود كانوا يغلقونه في وجهنا فنضطر للمبيت
أمام باب السلسلة".
ويعتبر المصلون أن الاعتكاف هو سنة رمضانية قديمة في
الأقصى، ولكن الاحتلال وضمن سياساته المتلاحقة لتهويده وتقسيمه أصبح ابتداء من هذا
العام يمنعه، ويطرد المعتكفين خارجا في سيطرة واضحة على أركانه.
ويبين عتيق أن أعداد المعتكفين كانت تتزايد كل يوم حتى
وصلت إلى 350 في آخر يوم قبل بدء العشر الأواخر، رغم علمهم المسبق بأن الاحتلال يمنع
الاعتكاف ويقوم بطردهم واعتقالهم في بعض الأحيان، ما قد يؤدي إلى إبعادهم عن المسجد.
ويضيف: "أصدرنا عدة بيانات خلال مسيرة الاعتكاف
أوضحنا فيها حقنا في الاعتكاف في مسجدنا وتعمد الاحتلال تفريغ المسجد من رواده ومصليه
من أجل تطبيق مخططاته العنصرية، ولكن رغم ذلك أكدنا على ضرورة البقاء فيه وأطلقنا هذه
الرسائل كي يتعرف العالم على محاولات الاحتلال لتغيير الواقع في الأقصى عبر عدة وسائل
أبرزها منع الاعتكاف".
سياسات تضييق
ومنذ الخميس الماضي، أعلن مدير المسجد الأقصى المبارك
الشيخ عمر الكسواني عن فتح باب الاعتكاف في المسجد تزامنا مع بدء العشر الأواخر من
شهر رمضان، ولكن بقيت غصة منع الاعتكاف عالقة في قلوب المصلين الذين كانوا يتمنون البقاء
في مسجدهم طيلة أيام الشهر دون مزاحمة من أحد.
ويعلق الشيخ الكسواني على هذه القضية بالقول إن "الاحتلال
ينفذ إجراءات عدة في المسجد الأقصى يمنع من خلالها الفلسطينيين من حرية العبادة في
مسجدهم، ومن ضمن ذلك منع الاعتكاف بالقوة والاعتداء على المصلين واعتقال بعضهم، إضافة
إلى استمرار اقتحامات المستوطنين للمسجد رغم حلول الشهر الفضيل وهو ما يعتبر استفزازا
للمصلين".
اقرأ أيضا: وزير إسرائيلي يقتحم الأقصى والاحتلال يطرد المعتكفين منه
ويؤكد أن "هذه الإجراءات تعكس السياسة الإسرائيلية
الواضحة الساعية إلى تقسيم المسجد زمانيا، ولكن ثبات المصلين كان يحول في كل مرة دون
ذلك".
وخلال السنوات الماضية كان الاحتلال يمنع المستوطنين
من اقتحام الأقصى خلال شهر رمضان، ولكنه منذ عدة أعوام سمح لهم بذلك، كما كان يسمح
بالاعتكاف وبقاء المصلين في المصلى المرواني ليبدأ هذا العام بمنعهم من التواجد أصلا
في الأقصى، ليتوضح قيامه بالتضييق الممنهج على المصلين في كل عام سعيا لتنفيذ مخططات
ذات عمق أكبر.
"فتيات الأقصى".. متطوعات يكسرن حرب الاحتلال على حراسه
مدفع رمضان بالقدس.. إرث مدينة عنيد في وجه الاحتلال
حظر الحركة الإسلامية داخل 48 يغيب "إبداعاتها" الرمضانية