ربما تعمد مؤلف مسرحية "MIGRAAAANTS" – "مهاجروووون" الروماني- الفرنسي ماتاي فيسينيه، مدّ كلمة مهاجرون Migrants، للإشارة إلى أن ذكرها أصبح على بعض الألسنة في الغرب مقروناً بالاحتجاج أو السخرية، في العمل الذي شهدته قرية لومبسك (قريبة من مرسيليا).
لكنه في الوقت ذاته يطرح العديد من القضايا والأسئلة المتعلقة بموجة اللجوء الكثيف نحو أوروبا في السنوات الأخيرة، والمُستقبل المجهول. لعل ذلك سببه هواجس عديدة تبدأ من "غضب" البحر والموت غرقاً وتنتهي بالممارسات العنصريّة تجاه اللاجئين مروراً بالإجراءات المُتشددة لبعض دول أوروبا تجاه الهجرة وإقفال الحدود.
العنوان العريض لهذا العمل من إخراج ميشيل سوباستيا، هو "كلنا مهاجرون" في هذا العالم المعولم. بيد أن السؤال الأساس الذي تطرحه المسرحية على المواطن الغربي وعلى المؤلف نفسه – المهاجر من رومانيا إلى فرنسا- هو: "هل لدينا الحكمة لفهم هويتنا الجديدة؟ هل لدينا الذكاء لتخيل نموذج جديد للمجتمع بحيث تصبح الحياة ملائمة للجميع؟ وفوق كل شيء، هل سنجد طرقاً لفرض سلام عالمي وحالة قانونية عالمية حتى لا تؤدي الهجرة إلى مزيد من العنف والممارسات اللاإنسانية؟
مافيات وإرهاب
هي قطعة مسرحية تلامس مشاكل الإنسان مهاجراً أو مُضيفاً، هي عبارة عن لوحات فنية جميلة ومأساوية في آن، بحيث يمكن تسميتها بالكوميديا السوداء؛ من مشاهد البحر الهادر وصرير الموت القادم مع الرياح، إلى مشاهد الإغراء التي تمثل الرفاهية الرأسمالية على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، مروراً بالشاب البسيط الذي يقع فريسة مافيات تجارة الأعضاء أو ربما شبكات إرهابية، بسبب بساطته وحاجته للمال، وصولاً إلى خوف وحيرة العائلات التي تسكن عند الحدود وتشهد يومياً قوافل اللاجئين الزاحفين نحو دول الشمال هرباً من جحيم بلادهم.
جلابيّة عربية
آلان فاي هو أحد أبطال المسرحية فقد لعب دور المهاجر في البحر والزعيم السياسي، وكان حضوره لافتاً بالجلابية العربية، يؤكد لـ "عربي21"، أنه مع مجموعة من الممثلين في لومبسك، قد لعبوا هذه القطعة ضمن ورشة عمل مسرحي محلية، كما كتبها مؤلفها، مع إزالة بعض المشاهد اختصاراً لمدة العرض.
عن تفاعل الجمهور الفرنسي مع المسرحية يؤكد فاي تأثر جميع الأشخاص الذين حضروا أول عرضين (في 8 و9 حزيران/ يونيو، "بسبب الطبيعة الحالية للمشاهد المعروضة وعلاقتهم المباشرة بالأخبار".
اقرا أيضا : كيف يقضي طالبو اللجوء أيام رمضان في جنوب فرنسا؟
وقد أعرب الكثير منهم بوضوح عن رغبتهم في الاستثمار في دعم الجمعيات التي تساعد المهاجرين، وقالت إحداهن إن هذه القطعة قد فتحت عينيها وشعرت أنها مختلفة... اندهشوا كثيراً بقوة النص والأداء.
هذا الجمهور يُدرك بالفعل ويهتم بمشكلة المهاجرين. تؤكد ذلك ردود الفعل الحماسية التي تلقيناها. باختصار، إنها نص متين، وهذا هو السبب في أننا اخترناها ولعبناها بشغف كبير".
أغنيّة تونسية
من جهتها ماري نويل هي إحدى الناشطات في مساعدة المهاجرين وطالبي اللجوء، عبّرت عن إعجابها الشديد بهذا العمل، قائلة لـ "عربي21" إن "اللوحة التي لامستني بقوة هي مشهد الزوجين اللذين يجلسان في منزلهما في مقدونيا، بالقرب من الحدود الصربية.
في الجزء الأخير يرسم الرجل خطوطاً لباب على الجدار الرابع ويقوم بهدمه وينتهي المشهد بصورة جماعيّة مع عدد كبير من المهاجرين في بيته.
هذا يعني "تمكّن المهاجرين بعد جهد جهيد من عبور الحدود".
وتشير إلى أن "جميع اللوحات في هذه القطعة هي ألوان مُكملة تم لعبها بشكل جيد للغاية، ومزجت الدراما بالفكاهة والإنسانية..
ثمة خيط يشدّك ويجعلك تتابع بشغف. يا لها من فكرة رائعة هذه الأغنية العربية التونسية في الختام".
أما طالبة اللجوء كارين التي تعيش لدى عائلة فرنسية، فقد أشارت بعد العرض إلى أن انطباعها جيد جداً، مشيرة الى أن هؤلاء يكافحون من أجل أن يتفادوا ذكر كلمة "مهاجرين" لجعلهم متساوين مع الآخرين، مضيفة لـ "عربي21": "أعتقد أن المهاجرين لديهم حاجات لا يعرفها الناس. لقد كانت المسرحية جميلة وتتحدث عن أشياء حقيقية".
لقد لعبت الفرقة أدوارها بشكل جيد لدرجة أن المشاهد كان يتابع بشغف عمليات التنقل بين لوحة وأخرى من لوحات متنوعة تغلّبت على الرتابة بالحس الفكاهي والحركة السريعة. والأهم من ذلك هو أن هذا الموضوع بات يشكل اليوم قضية أساسية من قضايا العصر الحديث.
ضمّت الفرقة كلاً من: آلان فاي، أوليفية جومو، فرانك روساي، كارولين ريشار، مارلين جومو، كريستين بوربون، ميرييه لوميه، أوليفيه بورشيه، ميلين مايستراسي، آندريه فورغنو، باربرا ماريه، لورانس جيغو.
وستم عرضها قريباً في مدينة صالون على أن تعود إلى مهرجان لامبسك في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
لكن يبدو أن أكثر ما يلامس المشاهد، والعربي خصوصاً، هو ما ختمت به ميريام ليبرون المسرحية بغنائها، باللغة العربية وبأداء مؤثّر، مقطعاً من النشيد التونسي "بلادنا! بلادنا! ربوعك جميلة..".