كشفت المقابلة التي منحها وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة لمحطة إسرائيلية عن البنية الذهنية لشريحة من أنظمة عربية باتت ترى إسرائيل جزءا أصيلا من منظومة الشرق الأوسط، بل أكثر من ذلك، فوزير الخارجية يتحدث عن إرث المنطقة الذي يعتبر إسرائيل مكونا رئيسيا فيه. واللافت أن معالي الوزير لم ينتهز فرصة أنه يتحدث لجمهور إسرائيلي، أن يذكرهم بأن هناك احتلالا بغيضا ما زال جاثما على صدور الفلسطينيين، بل اختار كلماته المنمقة التي امتدح بها إسرائيل.
هذا الخطاب الذي جاء على لسان وزير الخارجية البحريني يمثل قمة جبل الجليد، فهناك ثقافة بدأت تطل برأسها تجامل إسرائيل على حساب حتى الفلسطينيين، فهذا الإعلامي السعودي فهيد الشمري ينشط على قناة اليوتيوب مهاجما الفلسطينيين والأردنيين على السواء، يصفهم بأنهم "ليسوا عربا" و"بقايا الرومان" و"متسولون". وحتى لو اعتبرنا أن فهيد الشمري يمثل نفسه فقط، إلا أن هناك سياقا عاما في عدد من الدول الخليجية "السعودية والبحرين على وجه التحديد"، يسمح لمثل هذه الأفكار المغلوطة عن الفلسطينيين وقضيتهم بالظهور بهذه الفجاجة.
وعودة إلى مقابلة الشيخ خالد بن أحمد، فالوزير البحريني ربما لا يفهم جيدا كيف يفكر المجتمع الإسرائيلي وقادته، وربما دفعه جهله بدهاء الإسرائيليين إلى الوقوع في فخ المقابلات التي من شأنها أن تمنح شرعية لاحتلال إسرائيلي، كان ينبغي أن يكون موقف العرب منه أكثر حدة. والوزير أكثر من استخدام كلمة إضاعة الفرص، وفي ذلك غمز واضح من الفلسطينيين الذين رفضوا التفريط بحقوقهم حتى في قمة كامب ديفيد. لا أعرف على أي أساس يعتبر الوزير أن الجانب الفلسطيني على سبيل المثال كان قد أضاع فرصة؟! فهل قدم له حل يستند إلى مبادرة السلام العربية على سبيل المثال؟! هل وافقت إسرائيل على الانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران ورفض ذلك الفلسطينيون؟!
وحتى نفهم السياق العام الذي قاد إلى مقابلة يستهتر بها وزير خارجية دولة عربية بحق الفلسطينيين (الثابت وغير القابل للتصرف، الذي لا يسقط بالتقادم) علينا أن نتوقف عند الهلع الذي تعيشه بعض الأنظمة الخليجية من إيران، فهذه الأنظمة باتت ترى إيران خطرا وجوديا يتهددها، وعليه بدأت بطريقة ميكافيلية تبرر التطبيع والتقارب مع إسرائيل. وهناك بالفعل محاولات بائسة لضم إسرائيل إلى جبهة للتصدي لإيران المحاصرة! ولعل البحرين تمثل حالة خاصة، فهناك مشاكل داخلية سحبت من شرعية النظام وفقا لتقارير مؤسسة كارنيجي الأمريكية. ويرى النظام الحاكم في المنامة أن إيران تقف وراء ما يجري من حراك سياسي ومطلبي بات يقلق مضاجع النخب الحاكمة في المنامة.
للأسف تبدو إسرائيل للوزير البحريني وكأنها البلسم الشافي الذي تحتاجه البحرين ومن يقف خلفها من عواصم التأثير. وما حديثه عن إسرائيل بوصفها "مكونا أصيلا" من تراث المنطقة، إلا تعبير عن نوع من الاعتذار لها. كتبت غير مرة بأن التعامل مع إسرائيل وفقا للضرورات يمكن أن يقبل به بعض العرب، لكن الغالبية الساحقة من العرب أبدا لا تقبل الرواية التاريخية للحركة الصهيونية كما قبلها الوزير البحريني، أو بعض رموز الاعلام الخليجي، فالقدس عربية وليس كما قال الكاتب السعودي فهيد الشمري بأن المعبد يهودي وأن المسجد الأقصى -الذي ذكر في سورة الإسراء- ما كان ينبغي أن يكون ملاصقا لمعبد يهودي وكنيسة.
هذه فرصة لنقول بأن النظام التعليمي العربي بحاجة ماسة لتأكيد حقيقة ما جرى على أرض فلسطين، فربما هناك أجيال تم تشويهها تعليميا بحيث يسهل تمرير قبول الاحتلال الإسرائيلي. أما بالنسبة للوزير البحريني وغيره، ففلسطين باقية بشعبها وبمناصرة أحرار العرب، وهم وقناعاتهم زائلون.
عن صحيفة الشرق القطرية