إذا كان يوم السادس من حزيران (يونيو) عام 1967 هزيمة عسكرية ساحقة لمصر والأمة العربية ككل، خسرنا فيها الأرض والعرض والكرامة، فإن نكبة الثلاثين من حزيران (يونيو) عام 2013، كانت الهزيمة الأفدح والأعظم بكل المعانى، خسرنا فيها الأرض والوطن والهوية والوحدة الوطنية ومكانة مصر والتحول الديمقراطي، خسرنا فيها الأمل أن نصبح أمة ذات شأن ونلحق بالأمم المتحضرة ونعيد مجد أجدادنا..
الثورة المصرية وقوى الشر
فى ذلك اليوم المشؤوم تآمرت قوى الشر ممثلة في دولتي السعودية والإمارات (أذرع الصهاينة في المنطقة الذين اتخذوا منها مركزاً للثورات المضادة والتي تدار فيها كل المؤامرات ضد الأمة والإنقلابات العسكرية في المنطقة وكان آخرها الإنقلاب الفاشل في إثيوبيا)، على الشعب المصري واستطاعتا وأد أول تجربة ديمقراطية في مصر في مهدها، اغتالتا حلم المصريين وحولتاه إلى كابوس مخيف، خشية أن تصيب شعوبها عدوى الديمقراطية وتأتيها رياح التغيير العاتية فتطيح بعروشهما الهاوية، فمصر دائماً هي مقدمة القاطرة التي يتبعها الآخرون!! أنفقت الدولتان مئات المليارات من الدولارات من أجل إسقاط أول رئيس منتخب ديمقراطياً في انتخابات حرة شهد العالم كله بنزاهتها، تحدث لأول مرة، ليس في تاريخ مصر الممتد لسبعة ألاف عام فحسب، بل في تاريخ المنطقة العربية بأسرها، وحدث الإنقلاب العسكري والذي من المؤكد أنه أخذ الضوء الأخضر من أمريكا..
ازداد الفقراء فقراً وكادت الطبقة الوسطى، التي هي عماد كل المجتمعات البشرية، تتلاشى تماماً في المجتمع المصري
مسؤولية النخب
ولكن لا نستطيع أن نعفي النخب، وخاصة تلك التي شاركت في ثورة 25 كانون ثاني (يناير) وكانوا من أيقوناتها، من تآمرها على الثورة ووضع أيديها في أيدي أعداء الثورة لمجرد وصول خصمهم السياسي إلى سدة الحكم، فانقلبوا على الديمقراطية التي كانوا يتشدقون بها وارتضوا أن يكونوا المطية التي يعبرعليها العسكر بدباباته من فوق ظهورهم في سهرة 30 يونيو ليرتدي الانقلاب ثوباً مدنياً أمام العالم !
تلك النخبة، وبعد أن ضاع أملها بأخذ أي منصب أو مركز في النظام الذي استدعته والتي كانت تعتبر نفسها من ركائزه الأساسية، وبعد أن طالتها أيضاً يد البطش والظلم وزج ببعضهم في السجون، بدأت تصرخ من هذا النظام الفاشي، ولكنها لا تزال في عنادها وتأخذها العزة بالإثم أن تعترف بخطيئتها وتكره وصول الإسلاميين إلى الحكم، وتريد أن تقصيهم نهائياً من الساحة السياسية وممارسة أى عمل سياسي، وفي الوقت ذاته تطالبهم بالاصطفاف في مواجهة النظام واستعادة ثورة يناير؟!
ثورة يناير البيضاء والتي لا تشوبها شائبة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلتقي مع مسرحية 30 يونيو الملوثة بالدولارات والريالات، والغارقة في دماء الأبرياء.. إنها نخب انتهازية فاسدة، كانت سبباً لنكسة الثورة ولنكبة مصر وما وصلت إليه.
تجيء الذكرى السادسة للنكبة المصرية، مواكبة لغياب رمز الشرعية الرئيس الشهيد "محمد مرسي" الذي غدر به وخانه من وضع فيه ثقته وانقلب عليه حياً وميتاً، وكأنه أراد أن يقضي عليه مادياً في نفس الشهر الذي قضى عليه معنوياً، فقد ظل شبحه يُطارد شرعيته رغم انتخابه مرتين ورغم جوالاته في العالم كله وفتح أبواب القصور الرئاسية لإستقباله.. إلا أنه يظل فى عيون العالم كله، رئيساً انقلابياً جاء بقوة السلاح وانقلب على الرئيس الشرعي للبلاد واغتصب منه الحكم، ولهذا سوف تطارده الشرعية حتى لو نالها من انتخاباته المزيفة، وسيظل يشعر بعدم الآمان والإستقرار، حتى بعد أن فصل الدستور على مقاسه وعسكره لحسابه الشخصي، وإلا لمَا ملأ السجون بألاف المعتقلين، وزج بخيرة شباب ورجال الأمة خلف الأسوار، وكبت الحريات ووكمم الأفواه وسيطر على جميع وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية وجعلها كلها في قبضته تنطق وتكتب بلسان واحد وتعزف معزوفة واحدة ولا يُسمح بنشاز أحدهم!
ولكن على الجانب الآخر لا توجد قوى حقيقية على الأرض تواجه هذا الطاغوت المستبد بعد غياب الأحرار في غياهب السجون، وتشرذم القوى الوطنية وتفرقها إلى شيع وأحزاب سواء ما تبقى منهم في الداخل أو من هاجروا بعد الانقلاب إلى الخارج، أما الشعب فقد دخل حظيرة الخوف من جديد، بعد أن حررته ثورة يناير المجيدة، بسبب حملات البطش والقمع والتنكيل به التي شنها هذا النظام الإنقلابي الفاشي، ليمرر بها رفع الدعم وزيادة الأسعار بشكل جنوني، وهو مطمئن أنه لن يكون هنالك رد فعل حقيقى على الأرض.. لكن هذا النظام لا يدرك أن المصري يكتم غضبه وسخطه بين ضلوعه ويصبر على بلائه ولكن إلى حين، عندما تضيق الصدور بحملها الثقيل، تنفجر في وجه جلاديها وتنقلب الأمور وتتغير الأدوار.. هكذا علمنا التاريخ الذي لا يقرأونه ولا يتعظون من دروسه ولا يعتبرون من مصير الطغاة فيه.
لا توجد قوى حقيقية على الأرض تواجه هذا الطاغوت المستبد بعد غياب الأحرار في غياهب السجون، وتشرذم القوى الوطنية وتفرقها إلى شيع وأحزاب
إن الذين خرجوا إلى الميادين منذ ستة أعوام يغنون "تسلم الأيادي" ويرقصون على أنغامها، هم الآن أكثر الفئات تضرراً وتذمراً من الإنقلاب العسكري، هم الذين يلطمون على الخدود من ضيق العيش والمعاناة الحياتية، فلم يجدوا ما وعدهم به من حياة رغدة.. وبعد أن وصقهم في بداية بأنهم "نور عينيه، وان الشعب لم يجد من يحنو عليه"، فإذا بهذه اليد تصفعهم بلا رحمة وتقيدهم بسلاسل من حديد، وازداد الفقراء فقراً وكادت الطبقة الوسطى، التي هي عماد كل المجتمعات البشرية، تتلاشى تماماً في المجتمع المصري بعد أن اقتربت من الطبقة الفقيرة وأصبح الجميع في الهم سواء!
حال مصر
هؤلاء هم الذين فرحوا بهزيمة منتخبهم الوطني وخروجه من مسابقة كأس الأمم الإفريقية التي تُقام على أرض مصر، وامتلأت صفحات التواصل الإجتماعي بالسخرية منهم والشماتة فيهم، وهذا مؤشر خطير يشير بأن المصريين لم يعدوا يشعرون أن مؤسسات الدولة ملك لهم بل هي ملك الزعيم الأوحد الذي يُنسب إليه كل شئ، وخاصة أنها جاءت بعد ارتفاع أسعار الوقود والمحروقات للمرة الخامسة.. وقد اختار النظام هذا التوقيت ظناً منه أن الناس ستنشغل بالمبايات وبفوز المنتخب وسينسون زيادة الأسعار وتنزل إلى الشوارع رافعة الأعلام المصرية مبتهجة فرحة وتتغنى بالجنرال راعي الرياضة في مصر، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن..
هذه هي مصر الجديدة التي وعدهم بها الجنرال وقال "بكرة تشوفوا مصر هتبقى قد الدنيا مش أم الدنيا وبس"، مصر المزيفة التي باعت الأرض وفرطت في مياهها وغازها، والتي أصبحت طبقتين، طبقة "الفقراء الغلابى" الكادحين الذين يمثلون الفئة العظمى من الشعب المصري وطبقة "الأثرياء الجشعين" الطفيليين الذين ينهبون ثروات البلاد ويُسخرون باقي الشعب لخدمتهم، أي يعملون لديهم بنظام السخرة وهم المنتفعون من النظام الإنقلابي والذي يدعمهم بشدة، فهم حُماته وأحد ركائزه في الحكم، ولحمايتهم أخذهم معه إلى المنطقة الخضراء وبنى لهم المدينة الإدارية الجديدة بأسوارها العالية، لتكون مقراً وسكناً لهم بعيداً عن أعين الفقراء من الشعب، الحاسدين لهم والحاقدين عليهم، إنه نظام السادة والعبيد!
هذا هو حال مصر بعد مرور ستة أعوام على الانقلاب، ولا أحد يدري ما تخبئه الأيام القادمة بين طياتها.. فلعل الله يحدث أمراً، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون..
فَلْنوقِفْ شَلالات الدّم.. ولْنكن كما يليق بأمتِنا أن تكون
حل الجماعة.. هل يفيد الجماعة؟!