نشر موقع "ذا إنترسبت" تقريرا للكاتب باتريك هيلسمان، يتساءل فيه عن الطريقة التي تحولت فيها طائرة مسيرة صممت في إسرائيل إلى العين الحارسة للروس في الجو لحماية نظام بشار الأسد في سوريا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى إسقاط طائرة دون طيار في الصيف الماضي في الجولان المحتل، وأشارت المعلومات السيريلية على ذيلها ومكوناتها الأخرى إلى أن الطائرة من نوع "فوربوست" مصنعة في روسيا لكنها من تصميم إسرائيلي.
ويقول هيلسمان إن الحادث يشير إلى القصة المعقدة للعلاقة الروسية، حيث أدت موسكو دورا حيويا في الدفاع عن الأسد وحمايته، وهو الذي كان في عام 2015 على حافة الانهيار، وفي الوقت ذاته طورت علاقات عسكرية مع إسرائيل عبر العقود الماضية.
ويفيد الموقع بأن الأجواء السورية وعلى مدى السنين السبع الماضية كانت حافلة بأنواع الطائرات كلها، التي تنتمي للأمم المتصارعة على سوريا، التي كانت ساحة جيدة لفحص الأنواع الجديدة من الأسلحة، ففي شمال شرق سوريا تعاونت الولايات المتحدة مع الأكراد ضد تنظيم الدولة، الذي خسر آخر معقل له صغير في آذار/ مارس هذا العام، فيما تواصل تركيا والجماعات الوكيلة لها شمال سوريا في حملات لمنع تمدد الأكراد وسيطرتهم على مدينة عفرين.
ويلفت التقرير إلى أن إسرائيل تستخدم في الوقت ذاته الجولان المحتل منذ عام 1967 نقطة انطلاق، وتعد مجاله الجوي ملكا لها، وانتهزت فرصة الحرب الأهلية لضرب حزب الله والقوات الإيرانية.
ويستدرك الكاتب بأن إسقاط الطائرة المسيرة "فورستوب" كشف أسوأ الأسرار في الشرق الأوسط، وهو استعداد روسيا تجاهل الغارات الجوية الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله، وكلاهما حليفان لها.
ويذكر الموقع أن احتواء الطائرة المسيرة المصممة في إسرائيل داخل الترسانة العسكرية الروسية له جذوره في نزاع مختلف، وهو الحرب الروسية-الجورجية عام 2008، فعندما أسقط الجيش الجورجي مقاتلة عسكرية روسية، قررت موسكو الاستثمار بالطائرات المسيرة المتقدمة التي حققت دول أخرى، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، تقدما كبيرا فيها.
وينقل التقرير عن الباحثة في الطائرات المسيرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أورليك فرانك، قولها: "أظهرت روسيا اهتماما بالدرون في السنوات الأخيرة من العقد الماضي، ففي جورجيا اكتشفت روسيا أن عليها تطوير قدراتها".
ويبين هيلسمان أنه في محاولة لسد الثغرة، ومنع تعرض طياريها للقصف، فإنها وجدت شريكا غير محتمل في إسرائيل، وبحلول عام 2010 عقدت صناعة الطيران الإسرائيلية اتفاقية بـ400 مليون دولار لنقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى روسيا، مشيرا إلى أن الصحافة الإسرائيلية توقعت أن هذه الاتفاقية جزء من محادثات طويلة، مقابل وقف روسيا تزويد إيران وسوريا بمنظومة الصواريخ أس-300.
ويجد الموقع أنه رغم قلق الولايات المتحدة من انتشار هذا السلاح المتقدم عبر حليفتها، إلا أن إسرائيل مضت قدما، وبدأت في تدريب الروس على استخدام الطائرات المسيرة، وفي عام 2015 عقدت روسيا وإسرائيل صفقة أخرى مهمة، بعدما تدخلت موسكو لمنع إسرائيل من بيع طائرات مسيرة الى أوكرانيا، التي كانت تعد لمواجهة الانفصاليين الذين تدعمهم روسيا.
وبحسب التقرير، فإن إسرائيل قررت التراجع عن الصفقة، وأنهت عقدا لبيع مجموعة أخرى منها إلى روسيا، في الوقت الذي نشرت فيه روسيا الطائرات المسيرة هذه، مثل "فورستوب"، في أكثر من ميدان حرب في أوكرانيا وسوريا، حيث تعلمت على كيفية إدارتها.
وينوه الكاتب إلى أن "فورستوب" تعد من أكثر الطائرات المسيرة استخداما من الترسانة الروسية، وعلى خلاف "بريتدتر" و"ريبير" الأمريكيتين اللتين تستخدمان للأغراض الهجومية، فإن "فورستوب" ليست كذلك، ومهمتها استطلاعية، ولجمع المعلومات الأمنية والمراقبة.
ويورد الموقع نقلا عن فرانك، قولها إن المعلومات التي تجمعها الطائرات المسيرة أكثر تفصيلا مما هو متوفر من قبل، وما يثير الاهتمام في إسقاط "فورستوب" في الصيف الماضي هو أن تصنيعها تم في الصناعات الجوية الإسرائيلية، وتم استخراج رخصتها من روسيا، "وفي النهاية أسقطت إسرائيل واحدة من طائراتها".
ويستدرك التقرير بأنه رغم منشأ الطائرة في إسرائيل، إلا أن روسيا حاولت وضع بصمتها عليها، وصور التلفزيون الروسي لقطات لها في قاعدة حميميم، وكان الروس واضحين حول الدور الذي تؤديه الطائرة في العمليات الرقابية، مشيرا إلى أن هناك شائعات عن تطوير الصناعات الروسية نموذجا جديدا اسمه "أوريون إي".
ويذكر هيلسمان أن وزارة الدفاع زعمت أن عدد الطلعات للطائرات المسيرة بداية النزاع كان 400 كل شهر، إلا أن العدد الحقيقي في نهاية 2017 هو ألف في الشهر، بحسب الخبير في تكنولوجيا الطائرات دون طيار الروسية سام بنديت.
ويرى الموقع أن وجود طائرة مسيرة تحمل رخصة روسية ومصممة في إسرائيل يعكس التعقيد الذي يمتد للعلاقات الدبلوماسية بينهما، ورغم التواطؤ الإسرائيلي في استخدام روسيا التكنولوجيا لدعم الأسد، وبالتالي إيران وحزب الله، إلا أنها لم تعارض التدخل الروسي في سوريا، مؤكدا أن التعاون التكتيكي بين روسيا وإسرائيل معروف ونشر عنه الإعلام، فعندما تدخلت روسيا عام 2015 نفى وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون أنه يحد من النشاطات الإسرائيلية في سوريا، وقال: "لا نتدخل بهم وهم لا يتدخلون بنا".
ويشير التقرير إلى ان الروس والإسرائيليين أنشأوا خطا ساخنا لتخفيف التوتر، وسمحت طبيعة العلاقات بينهما بالعمل بطريقة من الحرية لا تؤدي إلى خرق الخطوط الحمر، وبهذه الطريقة ركز كل طرف على تحقيق أولوياته، وهي للروس حماية نظام الأسد، وتجنب سقوط ضحايا من قواتهم، وبالنسبة لإسرائيل منع حزب الله من الاقتراب من حدودها، ووصول السلاح المتقدم له من إيران عبر سوريا.
ويقول الكاتب إن "إسرائيل كانت مع أهداف روسيا للحفاظ على نظام الأسد، بل أيضا استعادته المناطق القريبة منها، فعدو تعرفه أفضل من مسلحين لا تعرفهم، ورغم الدعم المحدود الذي قدمته إسرائيل لجماعات المعارضة، إلا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضغط على حلفائه لعدم تقديم صواريخ مضادة للطائرات لها، وأكد أنه يعارض وجود إيران وحزب الله، وكان مع بقاء الأسد في السلطة، وقال العام الماضي في مؤتمر صحافي في موسكو: (لم تطلق ولا رصاصة من الجولان خلال الـ 40 عاما الماضية)".
ويجد الموقع أن العلاقة لم تخل من مواقف متناقضة، حيث شجبت روسيا هذا العام اعتراف دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، لكن العلاقة بين فلاديمير وبوتين ونتنياهو ودية لدرجة قدمت فيها موسكو دعما للحملة الانتخابية له عندما أسهمت في إعادة جثة الجندي الإسرائيلي الذي اختفى في لبنان عام 1982، وكانت إعادة رفات زخاري بوميل دفعة انتخابية لنتنياهو.
ويستدرك التقرير بأنه رغم نفي سوريا أداء دور في اكتشاف رفات هذا الجندي، مع أن بوتين أكد هذا الأمر، إلا أن نتنياهو أطلق سراح سجينين وسلمهما إلى سوريا، وهما أحمد خميس وزيدان طويل.
ويلفت هيلسمان إلى أن العلاقة المعقدة بين إسرائيل وروسيا تعرضت لهزات، خاصة عندما صعدت إسرائيل من غاراتها على العمق السوري، واعتراف القادة الإسرائيليين بشن مئات الغارات منذ بداية الحرب.
ويبين الموقع أن "هذا الاعتراف يعني أن الأجواء السورية مفتوحة لها ودون اعتراض من الروس، أو تفعيل للأنظمة الدفاعية الجوية التي نشرتها روسيا في البلاد، وبعبارة أخرى فإن روسيا أظهرت أنها مستعدة لغض النظر عندما تقوم إسرائيل بغاراتها ضد حلفاء النظام داخل سوريا".
وينقل التقرير عن الخبير في العلاقات الروسية الإسرائيلية في جامعة جون هوبكنز، يفغيني فينكل، قوله: "يحاول كل طرف تجنب مواجهة مباشرة؛ لأنهما لا يريدانها"، وربما تم تجنب حادث إسقاط الطائرة المسيرة.
ويفيد الكاتب بأن الوضع القائم ظل حتى أيلول/ سبتمبر 2018، عندما فعلت سوريا نظام الصواريخ، وأسقطت طائرة روسية على متنها 15 جنديا، وحملت موسكو إسرائيل المسؤولية حيث كانت المقاتلات الإسرائيلية تختفي وراء الطائرة الروسية، وقالت وزارة الدفاع إنها لم تتلق تحذيرا إلا قبل دقيقة، وهي فترة لم تكن كافية لتأمين الطائرة، وردا على الحادث قررت روسيا تزويد النظام السوري بنظام أس-300 الصاروخي.
وينوه الموقع إلى أنه بعد فترة من الهدوء عادت إسرائيل لشن غاراتها على أهداف سورية، واستمرت حتى هذا الصيف، وكان آخرها في بداية الشهر الحالي، التي جاءت أعقاب لقاء مهم بين قادة الأمن القومي الروس والأمريكيين والإسرائيليين، مشيرا إلى أنه بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قتل في الهجوم الذي استهدف مخزنا لحزب الله ومركز أبحاث في الريف عشرة من الموالين للنظام، وستة مدنيين، نصفهم أطفال.
ويجد التقرير أنه رغم تفعيل الدفاعات الصاروخية، إلا أنه لا توجد أدلة على دور لنظام "أس-300" في مواجهة الهجوم، وقد تم استخدام نظام "أس-200"، حيث سقط صاروخ في قبرص، مشيرا إلى أنه على ما يبدو فإن السوريين لم يتوصلوا لطريقة جيدة بعد لمواجهة الغارات الإسرائيلية.
ويختم "ذا إنترسبت" تقريره بالقول إن "الحرب السورية عمقت العلاقات الروسية الإسرائيلية رغم وقوف كل منهما على طرفي نقيض في النزاع، فكلاهما منخرط في صفقات أسلحة كبيرة، وخفض للتوتر، والتأثير على بعضهما خدمة لمصالحهما، وفي الوقت الذي يدور فيه الحديث عن قرب نهاية الحرب السورية وانتصار الأسد، فإن الجيشين القويين، الروسي والإسرائيلي، يواصلان معاركهما الخاصة، ومهما كانت النتيجة فإن روسيا وإسرائيل ستواصلان طلعاتهما المتناقضة في الأجواء السورية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
موقع فرنسي: هل يُعد الروس لاستبدال بشار الأسد؟
ناشونال إنترست: كيف أصبحت سوريا عبد السلام العجيلي؟
لهذا سمح الكرملين لإسرائيل بقصف سوريا مجددا دون تدخل