تسبب الإعلان عن محاولة انقلابية في السودان
بقيادة رئيس هيئة أركان الجيش، بحالة ارتباك وسط الإسلاميين خصوصا الموالين لنظام
الرئيس المعزول عمر البشير، وبدا أن المحاولة ما كانت تحظى بتأييد واسع، وأن
مجموعة ضباط تصرفت دون تفويض مؤسسات تنظيمية، وبمشاركة شخصية من قيادات إسلامية
كانت تحاول استعادة السيطرة على السلطة في البلاد.
وظهر مقتطف فيديو مساء أمس "الخميس"
لما بدا أنه تحقيق لرئيس هيئة الأركان الفريق أول هاشم عبد المطلب، يؤكد فيه أن ولاءه
ظل منذ انخراطه في الجيش للحركة الإسلامية، وأنه لم يجد استجابة من قيادات الإسلاميين
لمخطط استلام السلطة بانقلاب عسكري، وأن العملية كانت من تدبيره وحده.
وأثار الفيديو ضجة واسعة في وسائل التواصل
الاجتماعي، ما اعتبر عدم تقدير واحترام للضباط الكبار في القوات المسلحة، وازداد
الاستهجان بعد أن راج أن من يقوم بالتحقيق هو نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي
وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي".
وانتقد رواد وسائل التواصل عدم احترام
التراتبية التنظيمية العريقة للمؤسسة العسكرية التي تضع عبد المطلب الذي يعُد أقدم
ضابط في الجيش السوداني، أمام تحقيق قائد الدعم السريع الذي نسب للجيش رسميا عبر
قانون عام 2017م.
ودعا المفكر اليساري المعروف البروفيسور عبد
الله علي إبراهيم على صفحته بفيسبوك، المجلس العسكري الانتقالي إلى حماية المتهمين
من الاستفزاز وإشانة السمعة وأن يوفر لهم كضباط عظام كل وسائل الدفاع الكريم في
محاكمة عادلة.
إقرأ أيضا: "التغيير" بالسودان تقرر نشر الوثيقة الدستورية قبل التفاوض
ويذهب محللون إلى أن المحاولة الانقلابية كانت
تريد الاستفادة من أجواء السخط الشعبي على قوات الدعم السريع بعد فض اعتصام للثوار
بالقوة في يونيو/ حزيران الماضي أمام القيادة العام للجيش في الخرطوم، بيد أن
حميدتي هو من يحصل على فوائد سياسية من ظاهرة الكراهية التي أحاطت بالإسلاميين
الذين دعموا نظام البشير، وهو الآن يخطط لتصفيتهم من المؤسسات المهمة في الدولة،
ما يربك حسابات الإسلاميين وفق مراقبين.
وقبل إعلان إحباط محاولة انقلابية بقيادة رئيس
هيئة الأركان، التزم غالبية الإسلاميين الذي دعموا نظام البشير، الصمت حيال مجريات
الأوضاع السياسية، وأظهر بعضهم مناصرته لتوجهات المجلس العسكري الانتقالي في عملية
التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، بيد أن التطورات الأخيرة كانت مفاجئة بالنسبة
لهؤلاء وأصابتهم بحالة صدمة.
واتهم المجلس العسكري الانتقالي في بيان قيادات
من الحركة الإسلامية بالمشاركة في العملية الانقلابية، وعلمت "عربي21"
أن السلطات وضعت علي كرتي القيادي في الحركة الإسلامية ووزير الخارجية السابق، في
خانة أكثر المطلوبين بشبهة ارتباطه بالتحرك الأخير، ولم يتم القبض عليه حتى
اللحظة.
وتشير معلومات حصلت عليها "عربي 21"
إلى أن كرتي كان يمسك خلال الفترة السابقة بملف إعادة ترتيب الحركة الإسلامية وحزب
المؤتمر الوطني بعد سقوط نظام البشير، وأنه عقد عدة اجتماعات في هذا الخصوص مع
مجموعات كبيرة من الأعضاء.
واعتقلت السلطات المختصة أمس
"الجمعة" المفكر الإسلامي المعروف سيد الخطيب، مدير مركز الدراسات
الاستراتيجية، والقيادي في المؤتمر الوطني، ضمن حملة اعتقالات طالت عدداً من رموز
النظام السابق وضباط من الجيش وجهاز الأمن والمخابرات.
وكان لافتا أن حملة الاعتقالات شملت فقط رموز
من الاسلاميين، من بينهم الأمين العام للحركة الإسلامية، وأسامة عبد الله وزير الكهرباء السابق الذي يُعتقد بأنه كان
مسؤولا سابقا في مكاتب التنسيق بين التنظيم السياسي والمؤسسات الأمنية، ولديه أيضا
صلة قوية برئيس هيئة الأركان المُعتقل بتهم تدبير محاولة انقلابية.
وقالت مصادر مُطلعة على مناقشات المكاتب
القيادية العليا للحركة الإسلامية لـ"عربي21" إن حالة من الانقسام سرت
بين قيادات أوحت بأنها سوف تؤيد أي تحرك عسكري للانقضاض على السلطة، بهدف حماية
الإسلاميين من نظام مرتقب مسنود إقليميا ودوليا يهدف إلى اجتثاث الإسلام السياسي،
وبين غالبية من القيادات ترفض الخطوة بشدة، وترى أن على الحركة حصر مكاتبها الخاصة
في جمع المعلومات وتحليلها، على أن يتفرغ سياسيوها ومثقفوها في إعادة ترتيب البيت
الداخلي وتصويب الأخطاء القاتلة التي أدت بمشروعها السياسي إلى هذه النهاية
المأساوية.
وقال محمد الواثق العضو الإسلامي السابق في حزب
المؤتمر الوطني لـ"عربي21" إنه لا يعتقد بعد كل الأثقال المحمولة على
كاهل الإسلاميين من التجربة السابقة من العسكرة أن يتحملوا وزر فعل عسكري جديد.
ورأى الواثق أنه إن كان ما حدث بالفعل انقلابا من
المؤسسة العسكرية فهو كارثة تشير إلى طريقة تفكير قيادات أهم مؤسسة في البلاد،
وقال: "أما إذا كانت وراءه جهة سياسية فهو الانتحار السياسي بعينه".
إقرأ أيضا: تعرف على مساهمة الدول الخليجية في إفشال الانقلاب في السودان
ووفقا للمحلل السياسي المقرب من تنظيمات
الإسلاميين علي عثمان، فإن ما يجري في القوات المسلحة يمكن أن يوضع في عدد من
العناوين الكبيرة، مثل إعادة هيكلة للجيش السوداني على نسق المثل العربي بيدي لا
بيد عمرو، تصفية للجيش السوداني بناء على نصائح غير ناضجة وتقوم على مخاوف وأوهام
ليس لها سند في الواقع، وذلك في ظل عدم ثقة من أطراف مؤثرة في المشهد السياسي في
قدرة الحكام الجدد من القوى السياسية على اتخاذ قرارات حاسمة في حسم ملف المؤسسات
الأمنية.
ويرى عثمان في حديث لـ"عربي21" أن
الوصف الصحيح لما يجري هو إعادة رسم المسرح السياسي كله، ويبدأ ذلك من الجيش، ولعل
الهدف الكلي وغايته أنه يمهد لقادم جديد، وأن الطريقة التي يتم بها رسم الخطوط
الجديدة في الجيش السوداني تشبه أساليب عهد البشير القديمة، وأنها تؤكد بأن القادم
الجديد ليس من قوى الحرية والتغيير ولو بعد حين، موضخا بأن ما يحدث في السودان
يطابق المثل الانجليزي "أن الخيانة هي حليب الأم لرجال السياسة".
وفي السياق، استطلعت "عربي21" آراء عدد من
قيادات الإسلاميين الذين كانوا ضمن الحركة التي ساندت حكم الرئيس المعزول عمر
البشير، وقال هؤلاء الذين فضلوا الاحتفاظ بهوياتهم في هذه الظروف، إن الموقف
السائد حاليا هو ضد الانقلابات العسكرية، واعادة تجربة عهد البشير، وإن الانقلاب
خارج قاموس تفكير غالبية الإسلاميين "ولو أرادو لفعلوا".
وتحدث هؤلاء عن أن الرؤية السائدة تتركز في تحمل
الأذى الذي وصموا به بعد تجربتهم الفاشلة في الحكم، وأن يعملوا من أجل ضمان وحدة أراضي السودان وعدم تعريض البلاد لصراع دموي، وأنهم يدعمون السلطة القائمة ما لم
تتضح خيانتها للبلاد، أو العمل على تصفية الإسلاميين دون وجه حق.
زعماء عرب غادروا مواقعهم في 2019 (إنفوغراف)
معلومات خاصة لـ"عربي21" عن "المحاولة الانقلابية" بالسودان
7 قتلى و181 مصابا بالسودان بقمع "مليونية 30 يونيو" (شاهد)