"المغازلة" الإماراتية أو ما يعتبره البعض "الانعطافة" تجاه إيران خلال الفترة الأخيرة، كانت غريبة ومفاجئة في توقيتها ومضامينها، حيث إنها جاءت في وقت، احتدمت فيه التوترات المركّبة في المنطقة لتصل إلى مستويات خطيرة، واقتربت أطرافها من الهاوية بعد ممارسة اللعبة على حافتها لأشهر متواصلة.
سياسة ضد التيار
كما أنها تزامت مع احتدام الجهود الأمريكية والبريطانية لتشكيل تحالفات بحرية عسكرية في مواجهة إيران، وهي تحالفات دعت إليها الإمارات أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، حينما وقعت تفجيرات الفجيرة في أيار/ مايو الماضي، ضد ناقلات نفط إماراتية وسعودية، طالب وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، المجتمع الدولي بتأمين الملاحة الدولية في المنطقة، إذ قال حرفيا "على المجتمع الدولي أن يتعاون من أجل تأمين الملاحة الدولية وتأمين وصول الطاقة".
لكن من المفارقة أنه بينما كانت تحشد أمريكا لتشكيل تحالفها البحري، فجأة ظهر وفد عسكري رفيع المستوى لحليفها الإماراتي "البارز" في عاصمة "العدو الإيراني" ليوقع على مذكرة تفاهم مشتركة بعد بحث قضايا أمن الحدود المشتركة بين البلدين، علما بأن هذه الحدود، هي مائية وليست برية، ومياهها أصبحت ساخنة إلى أعلى الدرجات بفعل التوترات المتصاعدة.
الإمارات وهي تلعب دورا جديدا وفقا لمتطلبات الاستراتيجية الأمريكية في هذه المرحلة، تسعى أيضا إلى إبعاد نفسها عن تبعات أي مواجهة عسكرية "شاملة"،
أسرار التقارب الإماراتي-الإيراني
عموما، قُدمت خلال الأسابيع الأخيرة، إجابات كثيرة على مجمل التساؤلات حول سرّ محاولات أبوظبي الاقتراب من طهران، وجاءت في مقدمة تلك الإجابات، أن الإمارات باتت تدرك أن سياساتها الإقليمية فاشلة، وأن يأسا أصابها من أمريكا لعدم رغبتها في الدخول في أي مواجهة عسكرية ضد إيران، وأن استراتيجية "الضغط الأقصى" الأمريكية لم تؤت أكلها وهي فشلت، مما شكل ذلك دوافع منطقية لتحويل وجهة البوصلة باتجاه الأخيرة.
نعم بعض تلك المعطيات صحيح، لكن تلك الإجابات، شاء أصحابها أو أبوا، تنطلق بشكل عام من أن الإمارات هي دولة مستقلة، تقرر وفق ما تملي عليها "مصالحها" وهي تغير وجهة سياستها الخارجية وقتما تشاء، ولو كان في توقيت حساس للغاية، وعلى حساب حليفتها الأمريكية "التاريخية".
إلا أن تلك الأسباب التي صاغها البعض حول دوافع السياسة الإماراتية الجديدة تجاه إيران، وإن كان لها دور فرعي، لكنها لم تكن رئيسية وأصلية، بحكم عوامل موضوعية، أبرزها عمق العلاقة التاريخية بين أبوظبي وواشنطن والتي اتخذت منحى تصاعديا بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، والذي وجدت فيه كل من السعودية والإمارات و"إسرائيل" ضالتهم لمواجهة إيران، حيث منذ اليوم الأول من تربع ترامب في المكتب البيضاوي، بدأت محاولات الأطراف الثلاثة الرامية إلى دفع الإدارة الأمريكية باتجاه تبني سياسة جديدة مختلفة تماما عن سلفه الرئيس باراك أوباما، وهو ما صار بالفعل، وكان أولى تجلياتها، هي الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، الأمر الذي شكل نقطة فاصلة في تاريخ الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، ليدخل هذا الصراع في أخطر مراحله إلى الآن.
"المغازلة" الإماراتية أو ما يعتبره البعض "الانعطافة" تجاه إيران خلال الفترة الأخيرة، كانت غريبة ومفاجئة في توقيتها ومضامينها
جزء من خطة أمريكية
وبناء على ذلك، فهذه الإدارة، وبينما تزيد من ضغوطها على إيران بشكل مباشر، لكنها في الوقت نفسه، لا تريد أن تواجه مزيدا من الممارسات الإيرانية "الجرئية"، والتي باتت تشكل إحراجا كبيرا لها، وانطلاقا من ذلك، على ما يبدو أن واشنطن تسعى إلى تنفيس الأزمة مع طهران قليلا، وخاصة على الصعيد الاقتصادي، بطريقة غير مباشرة وعبر الإمارات، وذلك لصعوبة تقديم أي تنازل مباشر لها، لكونه يحمل في طياته علامات الضغف والتراجع، على ضوء الرفض الإيراني القاطع لأي تفاوض معها.
بالتالي فالاستدارة الإماراتية "الجزئية" نحو إيران ليست إلا خطة أمريكية لإدارة هذه المرحلة من الصراع وتجاوزها بأقل الخسائر حتى إجراء الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2020، وكذلك احتواء السلوك الإيراني.
والعامل الثاني، هي دوافع إماراتية "خاصة"، التي قد لعبت دورا فرعيا في الموضوع، منها وجود مخاوف كبيرة لدى كل من أبوظبي والرياض، من أن تكونا هدفا مباشرا للضربات "الصاروخية" الإيرانية، في حال اندلاع أي مواجهة عسكرية في المنطقة بين واشنطن وطهران، وخاصة أن الأخيرة، قد هددت مرارا أن أي حرب ضدها، لن تتوقف عند حدودها، وإنما ستطاول حلفاء أميركا في المنطقة.
أيا كانت دوافع الإمارات في مغازلة إيران، إلا أنها لا تمثل انعطافة وأن ما يحدث هو أمر تكتيكي وليس استراتيجيا
العراق.. إسقاط طائرة أمريكية ومصرع جندي (مارينز) في يومين
"الكرامة" في مواجهة الظلم والاستبداد
دلالات انفتاح الأردن على أنقرة والدوحة