تختزل الناقلة "أدريان داريا" أزمة إيران الاقتصادية الحادة، المتمثلة بعجزها عن تصدير النفط، أهم مورد مالي للبلاد، وسط حصار أمريكي يزداد إطباقا يوما بعد آخر.
الناقلة الإيرانية العملاقة، وعلى متنها 2.1 مليون برميل من الخام، تحوم منذ أيام عديدة في المتوسط دون أن تعثر على ميناء يتحدى التهديدات الأمريكية باستقبالها، وذلك رغم إفراج سلطات جبل طارق عنها، منتصف آب/ أغسطس الجاري.
وتجد طهران صعوبة في العثور على زبائن لنفطها بشكل عام، في ظل توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"تصفير" صادرتها منه، إذ كشفت وكالة الطاقة الدولية مؤخرا عن تراجع إنتاج إيران، وكذلك صادراتها، من الخام، إلى أدنى مستوى منذ الثمانينيات.
وبدأت الأزمة بإخراج ترامب بلاده من الاتفاق النووي، في أيار/ مايو 2018، وإعادته فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية، وذلك بشكل تدريجي نحو تشديد غير مسبوق، مطالبا بصيغة اتفاق جديدة، تضم بنودا بشأن التدخلات الإقليمية، وتشديدا أكبر على البرامج النووية والصاروخية.
اقرأ أيضا: نتنياهو يلمح لـ"هجوم العراق": نعمل ضد إيران في مناطق عدة
اللافت في الأمر أن الرئيس الأمريكي اتخذ الخطوة رغم التحذيرات من إمكانية أن تتسبب بتمكن طهران من تصنيع قنبلة نووية على المدى المتوسط، إلا أن البيت الأبيض فضل المغامرة بتلك الحسابات لصالح تقليص حضور إيران الإقليمي على المدى القريب، بالدرجة الأولى، وهو حضور أعقد من أن يجابه ميدانيا على الأرض، وهو ما يظهر في التعثر السعودي المستمر باليمن منذ أربع سنوات.
وفي حديث لـ"عربي21"، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، حسين رديوران، إن الولايات المتحدة "أرادت إعلان حرب على إيران، ولكن الندية التي أظهرتها الأخيرة، لا سيما بإسقاطها طائرة أمريكية مسيرة واحتجاز ناقلة نفط بريطانية؛ دفعت الغرب لإعادة حساباته".
جبهات متعددة
وتابع "رديوران" أن واشنطن لجأت بعد ذلك إلى خيار الجبهات المتعددة، في إشارة إلى الخنق الاقتصادي، واستهداف حلفاء إيران بالمنطقة، والحشد الدولي ضدها في مياه الخليج.
يذكر أن العراق شهد في الآونة الأخيرة مساعي حثيثة لتحجيم الميليشيات التي يعتقد بأنها مرتبطة بالجارة الشرقية، فيما تشهد سوريا ولبنان غارات إسرائيلية ضد أهداف لإيران وحلفائها، ازدادت وتيرتها بالتزامن مع تشديد العقوبات على طهران وتفاقم أزمتها مع واشنطن.
وبشأن الغارات الإسرائيلية تحديدا، أوضح الخبير الإيراني أن تل أبيب "تحاول استغلال انشغال طهران لتغيير قواعد الاشتباك بالمنطقة"، من جهة، ومن جهة ثانية يسعى بنيامين نتنياهو إلى تحقيق اختراقات أوسع نطاقا لاستغالها في انتخابات 17 أيلول/ سبتمبر المقبل.
اقرأ أيضا: "لا حصانة لإيران" مقابل "لا أمان لإسرائيل"؟
وحول إمكانية أن توجه إيران حلفاءها للتصعيد في المنطقة، بهدف خلق ورقة للتنفيس من الخنق الاقتصادي، أشار رديوران إلى أن تلك القوى لديها معاركها بالفعل، "وليست مضطرة إلى الرجوع لطهران" للإقدام على مواجهة التهديدات.
كما قلل من شأن تضرر تلك الأطراف جراء الضغوط التي تتعرض لها بلاده، وأن يتم استنفاد قواها قبل أن تتمكن طهران من تجاوز الأزمة، مستشهدا بتصاعد هجمات جماعة الحوثي في اليمن، مؤخرا.
وأكد "رديوران" مواصلة الحرس الثوري "مراكمة الإمكانات لتشكيل حالة ردع"، والسعي لتصدير النفط "سواء بشكل رسمي أو عبر الالتفاف على العقوبات".
تجدر الإشارة إلى أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تمكنت من إجراء مقابلات في آذار/ مارس الماضي، مع مقاتلين في مجموعات مسلحة بسوريا، محسوبة على إيران، أكدوا فيها تراجع رواتبهم بواقع الثلث، مؤكدين أن "طهران لم يعد لديها مال"، في إشارة واضحة إلى موازنة أمريكية بين تجنب تفجير صراع مفتوح مع إيران وأذرعها بعموم المنطقة، و"الخنق البطيء".
كما نقلت الصحيفة اعتراف الأمين العام لحزب الله اللبناني بآثار تلك "الحرب الأمريكية"، كما وصفها، داعيا إلى حشد الإمكانات لدعم المقاومة ماديا.
وبالحديث عن لبنان، فإن واشنطن كثفت مؤخرا استهدافها للمؤسسات والأفراد الذين يساهمون بدعم الحزب، داخل البلاد وخارجها، كما كثف مسؤولون أمريكيون زياراتهم إلى بيروت في هذا الإطار.
أما في اليمن، حيث حارب الحوثيون طويلا للحفاظ على ميناء الحديدة الاستراتيجي، والذي تتهم طهران باستخدامه لتزويد حلفائها بالسلاح وأشكال الدعم المختلفة، فإن استمرار العقوبات والضغوط الأمريكية وتقييدها حركة الناقلات الإيرانية قد يتسبب بخنق الجماعة هي الأخرى، رغم ما تظهره من نفس طويل.
واشنطن تدرج الناقلة الإيرانية بقائمة العقوبات.. تتجه لسوريا
رد حزب الله "المرتقب".. هل يبقى محدودا أم يتطور لمواجهة؟
على غير العادة.. ما دوافع إسرائيل لتبني "هجوم دمشق" الآن؟