نشرت صحيفة "صندي تايمز" تقريرا حصريا، أعدته مراسلتها لويز كالاهان، التي كانت أول صحافية بريطانية تقوم بالدخول إلى محافظة إدلب، التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة معارضة لنظام بشار الأسد.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الدكتور سعيد الخليف كان في زي العمليات في مستشفى إدلب المركزي، ووقف وسط مجموعة من المرضى؛ امرأة تمسك طرف طفل شاحب الوجه، إلى جانب مقاتلين بضمادات ولا يزالون يرتدون ملابسهم العسكرية غير النظيفة، وطفلة ذات شعر أسود مجعد فقدت يدها.
وتقول كالاهان إن "الدم يصبغ بلاط غرفة العمليات حيث سجي رجل تحت التخدير شوهته ضربة ووجهه إلى سقف الغرفة، وتملأ جو الغرفة رائحة الدم والمطهرات، وفي غرفة الطوارئ ينتظر مرضى طبيب بهدوء بتوقعات عالية، وكل شخص ينظر للأضواء الثلاثة، وهي تحذير أولي للغارات الجوية التي تدك المحافظة لأشهر عدة، وتقوم بشكل مقصود بضرب المستشفيات والبنى التحتية المدنية".
وتلفت الصحيفة إلى أن الضوء الأزرق يظهر عندما تضرب غارة موقعا قريبا من المستشفى، أما اللون الأصفر فيظهر عند وجود تهديد محتمل، فيما يكون الأحمر عندما يكون الخطر محتوما على المستشفى، مشيرة إلى أنه في آخر محور للحرب في سوريا يعرف الجميع متى تأتي القنابل، التي تخلف وراءها شظايا من الحديد والزجاج وتحطم جدران المستشفى.
وينوه التقرير إلى أن "هذا حدث من قبل وهناك احتمال لحدوثه مرة أخرى، ففي أربعة أشهر ضربت غارة قسم الأطفال مخلفة أضرارا فادحة فيه، وممرات القسم فارغة، ولم يبق إلا الصور الحية بالأحمر والأصفر التي رسمت على الجدران، أما غرف الفحص فهي مليئة بنقالات نقل المرضى المكسورة والأدوات الطبية، ويعتقد الأطباء أن استهداف المستشفى كان مقصودا".
وتورد الكاتبة نقلا عن الخليف، قوله: "يظل الضوء الأصفر طوال الوقت ولا نتحرك إلا عند ظهور اللون الأحمر.. عندها نساعد المرضى على الانتقال إلى مكان آخر من المستشفى، لو كان هناك وقت، إلا أن الأطباء مستمرون بالعمل، ونعلم أننا سنموت، ولهذا فلا معنى للتوقف".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "المرضى المضطرين للعلاج يحضرون إلى المستشفى، فالكل في إدلب يعلمون أن المستشفيات هي أخطر الأماكن، فالمحافظة التي تعد آخر معاقل المعارضة للأسد تتعرض لهجوم قاس من قوات النظام والطيران الروسي".
ويورد التقرير نقلا عن المنظمات التي تراقب الوضع، قولها إن طيران النظام يقوم وبشكل منظم باستهداف المستشفيات والأسواق والبنى المدنية الأخرى كجزء من جعلها عير صالحة للعيش، مشيرا إلى أن النظام كثف هجماته في الأشهر الأربعة الماضية، حيث استطاع تحقيق بعض المكاسب في جنوبي المحافظة.
وتفيد كالاهان بأنه تم قصف أكثر من 100 مدرسة و48 عيادة طبية، فيما قتل 862 مدنيا، بينهم 226 طفلا، وذلك بحسب منظمات العناية الصحية والإغاثة التي تضم تحالفا من منظمات غير حكومية، لافتة إلى أت مئات الآلاف فروا بحثا عن الأمان قرب الحدود التركية.
وبحسب الصحيفة، فإن المستشفيات التي لا تزال عاملة تستقبل المرضى والجرحى ومن هم في اللحظات الأخيرة، فيما استمر القصف على جنوني إدلب حتى بعدما أعلن الروس عن وقف إطلاق النار، مشيرة إلى قول الأطباء في إدلب إنهم لا يعولون على اتفاقيات وقف النار، كما لم يصدقوا الاتفاقيات السابقة، التي انهارت كلها، ويقول خليف: "لا مواثيق لدى الروس والنظام".
وتقول الكاتبة إنها أول مراسلة لصحيفة بريطانية تزور المحافظة المحاصرة منذ عامين، وهي أول صحافية تدخل مدينة إدلب منذ وقت طويل، "ووجدنا المدنيين يعيشون برعب وهم مقتنعون بأن النظام سيبدأ بالتقدم نحو آخر محافظة في يد المعارضة ماحيا المدن والقرى في طريقه".
وتؤكد الصحيفة أن القصف على قسم الأطفال قبل أربعة أشهر لم يخلف وراءه ضحايا مدنيين، فالكتل الترابية التي وضعت حول المستشفى حفظتها، كما يعتقد الأطباء.
وتقول كالاهان إنه "مع مرور كل يوم تبدو الحرب قريبة، ففي الأسبوع الماضي ضربت غارة مكانا قريبا من المستشفى، رغم أن الجبهة تبعد 30 ميلا عنها للجنوب".
وينقل التقرير عن خليف، قوله: "نعمل ما بوسعنا.. إلا آن الحال للأسوأ، ونواجه ضغوطا لأنهم استهدفوا المستشفيات في الجنوب كلها، ولهذا جاء المرضى كلهم إلى هنا، وهناك فجوة كبيرة في المعدات: فنحن بحاجة إلى أدوات ومضادات حيوية وكل شيء".
وتشير الصحيفة إلى أن "جراح العظام خليف كان يتحدث في وقت جاءت فيه امرأة منقبة حاملة طفلها الذي كان ساكنا، فلا أحد يريد البقاء في هذه الأجواء الرهيبة وأحيانا لا يوجد خيار، ويتم عادة نقل الحالات المخطرة إلى تركيا، فيتم نقل المرضى من خلال سيارات الإسعاف إلى الحدود المغلقة".
وتلفت الكاتبة إلى رؤيتها عددا من المقاتلين ذوي الملامح الشرق الأوسطية ومن وسط آسيا،
وتقول كالاهان: "في داخل المدينة تسير الحياة كما هي رغم القصف، فمحل بدلات بدا وحيدا، فيما يبيع محل مماثل ملابس نسائية، أما محل الخضروات فقد امتد إلى الشارع، بل هناك يافطات تعلن عن وجود نواد للفروسية، إلا أن الحياة قد تتغير في أي وقت، فهناك عمارات بكاملها مفتوحة، وتم تدميرها، وحولها القصف إلى أنقاض، ومن فقدوا بيوتهم يعيشون وسط الأنقاض، وهناك سكان يعيشون في بيوت من الصفيح، والمحظوظ هو من يجد شقة للإيجار".
وينوه التقرير إلى أن إدلب تحولت إلى مدينة مزدحمة يتدفق إليها الناس من الجنوب، بحيث لم يبق شيء للقادمين، ولهذا يتحركون نحو الحدود إلى تركيا، التي تبعد 20 ميلا عن إدلب، ويقيمون في خيام وسط بساتين الزيتون؛ هربا من حرارة قد تصل إلى 35 درجة مئوية، مشيرا إلى أنه لا توجد مساعدات لهم، ويتم بيع الطعام ومياه الشرب بأسعار خيالية، أما الأمراض فهي مستشرية.
وتورد الصحيفة نقلا عن امرأة عمرها 18 عاما، قولها: "الحياة مثل الموت"، وتضيف في الوقت الذي وضعت فيه ابنها حمودة في حضنها: "ليس لدينا ماء أو طعام ولا مال، وحتى الرجال لا يجدون عملا".
وتذكر الكاتبة أن العائلة هربت من بيتها في معرة النعمان، التي تعرضت للقصف الأسبوع الماضي، وتعيش الآن مع 15 فردا من عائلتها تحت خيمة من البطانيات، مشيرة إلى أن امرأة قامت بتحضير الطعام للجميع في وعاء واحد فيه بندورة وبصل اشترته العائلة بسعر رخيص لأنه تعفن، وقالت أم حمودة: "هل نبدو إرهابيين؟".
وتختم "صندي تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه ليس بعيدا هناك خيمة أخرى تعيش فيها ثلاث عائلات، وبينها شمسة وسماهر، وكلاهما كانتا تحضنان ابنيهما الصغيرين، واشتكتا من عدم القدرة على إدرار الحليب أو شراء الحليب المجفف، ولهذا فإنهما تطعمان ولديهما الخضراوات الممزوجة بالماء.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
التايمز: لهذا يحتجز بشار الأسد ابن خاله رامي مخلوف
كوميرسانت: على ماذا اتفق أردوغان وبوتين حول إدلب؟
هل يؤدي الهجوم السوري على رتل تركيا بإدلب لصراع عسكري؟