جدد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، التأكيد على
الموقف الإيراني "الثابت" من التفاوض مع الأمريكيين، بشأن الاتفاق
النووي بين إيران والدول العظمى، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وقال روحاني إن بلاده لن تجري حوارا ثنائيا مع
الولايات المتحدة الأمريكية بسبب العقوبات التي تفرضها على إيران، وانسحابها من
الاتفاق الدولي الذي وقعت عليه إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما في 2015.
لكن تصريحات روحاني التي تزامنت مع وجود وزير
خارجيته، محمد جواد ظريف، في فرنسا، أثناء أعمال قمة السبع الأخيرة، تناقض ما قاله
حديثا، وكانت أكثر مرونة حيال موضوع التفاوض.
وقال روحاني وقتها إنه مستعد للجلوس إلى أي شخص
إذا ساعد ذلك على حل مشاكل إيران، ما حدا بماكرون أن يظن أن هنالك تغيرا في الموقف
الإيراني من الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الأمريكيين، قبل أن ينفي روحاني ذلك.
ويشي تغير خطاب روحاني إلى أن هنالك ضغوطات من
مؤسسة المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، الذي كرر دوما رفضه للجلوس
إلى الأمريكيين.
وكان خامنئي وصف العرض الأمريكي بالتفاوض
بـ"الخدعة"، وأشار إلى أن الهدف الأساسي من العرض الأمريكي هو خلع سلاح
الشعب الإيراني، وإزالة أسباب قوته.
وتابع بأن موافقته على التفاوض مع الأمريكيين
يعني أن يتم التنكيل بالشعب، وأن رفضه للتفاوض يعني استمرار إثارة الضجيج السياسي
والإعلامي والضغوط على إيران.
اقرأ أيضا: روحاني: باب التفاوض سيبقى مفتوحا بجانب المقاومة.. وظريف يعلق
ويفتح الخطاب المتناقض أحيانا بين المؤسسات
المختلفة الإيرانية حول طبيعة الخلاف بين هذه المؤسسات، ومن يمكن الكلمة الفصل
فيما يتعلق بالتفاوض مع الغرب بما فيهم الأمريكيين.
الخبير بالشأن الإيراني، يوسف عزيزي، قال لـ"عربي21" إن
الكلمة الفصل في التفاوض مع الأمريكيين من عدمه بيد المرشد الأعلى للجمهورية
الإيرانية، وهو من يحسم في ذلك.
وأشار إلى أن رئيس الجمهورية، أو وزير خارجيته،
أو أي من الإصلاحيين المحسوبين عليه ربما يصرحون بما يخالف رؤية المرشد، وذلك يدفع
المرشد إلى الرد صراحة على ذلك، أو بشكل غير مباشرة أحيانا.
وذكر عزيزي بتصريحات روحاني إبان قمة السبع
بأنه مستعد للجلوس إلى "أي شخص" وكيف غير كلامه لاحقا، مؤكدا عن السبب
هو أن كلامه تم نقده من مؤسسة المرشد، أو شيء من هذا القبيل.
وعن الفرق بين التفاوض مع أوروبا وأمريكا من
وجهة نظر خامنئي، قال الخبير في الشأن الإيراني إن المرشد لطالما صرح أنه لا يمكن
الثقة بالولايات المتحدة، ولا حتى بالأوروبيين، وذكر دولا باسمها مثل بريطانيا
وفرنسا.
وفي الوقت نفسه، قال عزيزي إن الجهاز
الدبلوماسي الإيراني يمشي وفقا لاستراتيجية خاصة ينسقها مع روحاني وهي أنه يجب
التفريق بين الولايات المتحدة وبين أوروبا، وإن إيران تحتاج الأوروبيين كي لا
يحلقوا بركب الأمريكيين وتعود إيران إلى المربع الأول قبل 2015.
وأشار إلى أن هنالك تقسيم أدوار في السياسة
الإيراني بما يخص التفاوض مع الأطراف المختلفة، وإن خامنئي لا يعارض هذا الأمر.
وأكد على أن إيران في وضع حرج اقتصاديا وتبحث
عن أي منفذ على أمل أن لا يصل الأمر إلى مرحلة الإفلاس الاقتصادي.
وينظر خامنئي إلى الاتفاق النووي الذي أنجزته
حكومة روحاني مع الدول العظمى على أنه نموذج بارز على حقيقة التفاوض مع أمريكا،
حيث لم يراع الأمريكيون الخطوط الحمر.
اقرأ أيضا: NYT: هذه استراتيجية إيران الجديدة في التعامل مع ترامب
واشترط خامنئي قبل التفاوض مع الأمريكيين أن
تصل إيران إلى مكانة اقتصادية وثقافية لا يمكن أن تؤثر فيها ضغوط أمريكا، مؤكدا
على أن قائد الثورة الإيرانية ومؤسس الجمهورية، الإمام الخميني، منع التفاوض مع
الأمريكيين، وقال: "وأنا كذلك أمنع ذلك".
الخبير في الشأن الأمريكي، أسامة أبو ارشيد،
قال إن أصل المشكلة هو انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، وهو بمثابة معاهدة
دولية عمليا، وليس اتفاقا ثنائيا.
ولفت لـ"عربي21" إلى أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما
كانت حريصة على أن يحوز الاتفاق على موافقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لحمايته،
لكن إدارة ترامب أخلت بالتعهدات.
وعن الطلبات الأمريكية للإيرانيين بالجلوس إلى
طاولة التفاوض، قال أبو ارشيد إنها محاولة أمريكية لتعزيز الضغوط على الإيرانيين،
ودفعهم للتفاوض تحت وطأة العقوبات.
وعن الموقف الإيراني من التفاوض مع أمريكا، قال
إن تماسك الموقف الإيراني من التفاوض أوصل ترامب إلى نتيجة مفادها أنه غير قادر
فعلا على فرض إرادته على الإيرانيين.
وأكد أن ترامب يبحث الآن بالدرجة الأولى عن
اتفاق لإنقاذ ماء الوجه، أكثر من بحثه عن اتفاق حقيقي متميز جدا عن اتفاق سلفه
أوباما.
وعلى الجانب الآخر، قال أبو ارشيد أن إيران في
معضلة، وتحت وطأة عقوبات قاسية تؤثر على الاقتصاد، وإنها أيضا تبحث عن حفظ ماء
ووجهها دون تنازلات جوهرية، مقابل تعديلات شكلة تحفظ لترامب ماء وجهه أيضا.
وشبه الأمر بـ"لعبة عض الأصابع" بين
الإيرانيين والأمريكيين.
وعن الخلاف الداخلي الإيراني فيما يتعلق
بالتفاوض، قال أبو ارشيد أن التيار المتشدد في إيران استطاع بخروج أمريكا من
الاتفاق النووي إثبات نقطة حقيقية بأنه لا يمكن الوثوق بالأمريكيين.
ولفت إلى أن جميع الأطراف في إيران في موقف
حرج، فمؤسسة الرئاسة والإصلاحيين في موقف محرج، ومؤسسة الإرشاد والحرس الثوري في
موقف محرج بسبب الوضع الاقتصادي للبلاد.
ولفت إلى أن التيار المتشكك من الحوار مع
الأمريكيين، يحاول ربما تحسين شروط التفاوض لا أكثر، ويريد اتفاقا محميا في
المستقبل، ولا يمس ثوابت إيران في السياسة الخارجية والداخلية، خصوصا برنامج
الصواريخ الباليستية.
وتابع: "سيتراجع ترامب عن موقفه من
البرنامج الصاروخي الإيراني لأنه يعلم أنه من غير المنطقي أن تتخلى إيران على
برنامج يتعلق بأمنها القومي، وقدراتها العسكرية في المنطقة، في ظل أن دول جوارها
وأبرزها السعودية تملك أضعاف ما تملكه إيران من الصواريخ الباليستية كما
ونوعا".
تصعيد أمريكي جديد.. هل تتجاوز الحرب التجارية "الرسوم"؟
هل "تختطف" العقوبات الأمريكية إيران من الشرق الأوسط؟
رغم إعلانها الانتصار.. لماذا تحذر واشنطن من عودة "الدولة"؟