نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأستاذ الإعلام الرقمي في جامعة ستيرلنغ، محمد إدريس أحمد، يقول فيه إن رئيس النظام السوري بشار الأسد على وشك النصر بعد ذبح شعبه بمساعدة روسية، لكن خوف الاتحاد الأوروبي من تدفق آخر للاجئين قد يحفز التحرك لوقف المذبحة.
ويشير أحمد في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه منذ نيسان/ أبريل الماضي والحكومة السورية تشن حملة شعواء، جاعلة الحياة صعبة جدا وخطيرة في إدلب، ومع ذلك فلا أحد يريد العيش بالقرب من مستشفى، فقد استهدف نظام بشار الأسد وحلفاؤه الروس المرافق الصحية 521 مرة منذ بداية الصراع، واتهمت لجنة تحقيق الأمم المتحدة في سوريا النظام وحلفاءه (باستهداف المرافق الصحية بشكل ممنهج)، وفي الواقع فإن المدنيين الذين يسكنون بالقرب من مستشفى هم في خطر أكثر ممن يسكن على الخطوط الأمامية، والأطفال في خطر أكبر في مدارسهم، فمنذ نيسان/ أبريل تمت مهاجمة 87 مرفقا تعليميا".
ويقول الكاتب إن "هذا اعتداء متعمد ومستمر على السكان المدنيين، لكن توقع تلك الهجمات أفقدها قيمتها الإخبارية، ومع غياب سوريا عن العناوين الرئيسية، حيث تهيمن على العناوين قضايا البريكسيت وكشمير والأعاصير وهونغ كونغ، قتل حوالي 900 شخص منذ أن جدد النظام هجومه في نيسان/ أبريل، ثلثهم من الأطفال".
ويلفت أحمد إلى أنه "تم نزوح 576 ألف شخص، معظمهم نازحون أصلا، واستهدف القصف البيوت والمخيمات والمخابز والأسواق، واستهدفت المرافق المائية، ما أدى إلى انتشار الأمراض، فأصيب أكثر من 40 ألف شخص في إدلب بأمراض استوائية خلال شهرين فقط؛ بسبب عدم توفر المياه النظيفة والصرف الصحي".
ويجد الكاتب أنه "مع ذلك فإنه لم يرد ذكر إدلب في قمة السبع الكبار الشهر الماضي عندما تمت مناقشة الأمن العالمي، فعودة إلى قاعدة سابقة تم تعريف الأمن في سياق الإرهاب، وبتحويل التركيز على الفاعلين غير الحكوميين قام زعماء العالم بتجنب التعقيدات السياسية المتعلقة بالاعتراف بوجود جرائم ترتكبها الدولة".
ويفيد أحمد بأنه "من خلال رشوة تركيا لتبقي اللاجئين بعيدا عن الأنظار، فإن الاتحاد الأوروبي استطاع أن يبقي المعاناة السورية منسية، ويبدو أن الغرب مسكون بالخوف من شبح اللاجئين أكثر من خوفه من معاناة الأطفال، ولكسر هذه اللامبالاة، فإن على السوريين أن يستخدموا وسيلة الضغط الوحيدة المتوفرة لهم: التهديد بمزيد من اللاجئين نحو أوروبا مرة أخرى".
وينوه الكانب إلى أنه "منذ 2012 شاع أمل بين القوى الغربية، بأنه إن ترك النظام السوري ليفعل ما يشاء فإنه سيتمكن من احتواء المشكلة داخل حدود سوريا، لكن أمل الاحتواء يحبط دائما، ففي 20 آب/ أغسطس وفي وجع القصف ونيران المدافع استسلم الثوار في بلدة خان شيخون، وجاء ذلك بالضبط بعد سبع سنوات من ‘علان الرئيس باراك أوباما أن استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية (خط أحمر)".
ويقول أحمد إنه "بعد ذلك بسنة فحص الأسد مدى جدية أوباما بهجوم كيماوي مدمر على الغوطة الشرقية، قتل فيه أكثر من 1400 شخص، وتراجع أوباما وقبل اتفاقا روسيا يبقي له ماء وجهه بنزع أسلحة النظام الكيماوية، فيما وصفه لاحقا بأنه (لحظة يفتخر بها)، حيث تجنب أوباما التورط، لكن بقي السوريون يعانون من الهجمات الكيماوية، فاستمر الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإهمال الصفقة، ما كشف ثمن الدبلوماسية دون وسيلة ضغط".
ويشير الكاتب إلى أنه "بعد أن أمن النظام من تداعيات أفعاله فإنه كثف من عمليات القصف الجوي، وفرض الحصار والتجويع والتعذيب على نطاق واسع، بالإضافة إلى إعدام المعارضين بالجملة، فتم قتل ضعف العدد من الناس خلال 29 شهرا بعد تجاوز خط أوباما الأحمر، مقارنة مع من قتلوا في 29 شهرا قبل تجاوز الخط".
ويفيد أحمد بأنه "بعد تدهور الأوضاع ودخول تنظيم الدولة على الخط، فإن إدارة أوباما أعادت تصنيف القضية إلى قضية إرهاب، وقبلت رواية النظام بإن إبقاءه ضروري لوقف الجهاديين عند حدهم، لكن في الوقت الذي تجنبت فيه واشنطن تعقيدات مواجهة الأسد وإزعاج حلفائه في طهران، فإنها تركت الشعب عرضة للخطر، وهو ما أدى إلى هجرة جماعية".
ويلفت الكاتب إلى أن "تدفق اللاجئين هذا أدى إلى تشويه السياسة في الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وشجع التصاعد الدرامي للشعبوية القومية، واستغل كل من فيكتور أوربان في هنغاريا، وماتيو سالفيني في إيطاليا، ونايجل فراج في بريطانيا، ودونالد ترامب في أمريكا، هذا الخوف لتحقيق مكاسب سياسية".
ويقول أحمد: "لم يكن أي من أوجه معاناة السوريين الطويلة حتميا، فكان بإمكان فرض منطقة حظر طيران عام 2012 أن يحيد تفوق النظام الرئيسي -سلاح الجو- وربما أنقذ آلاف الأرواح، وكان بإمكان ضربات محدودة للمنشآت العسكرية في آب/ أغسطس 2013، أن تبقي الردع وتفرض الحوار، لكن تقديم الدعم الكلامي فقط، والامتناع عن تقديم المساعدات العملية، كان فيهما خيانة الشعب وتشجيع للنظام".
ويرى الكاتب أنه "إن كان رد فعل الغرب لإدلب يهدف منه لفت الأنظار وإحياء (الحرب على الإرهاب)، فإن ما حصل عام 2013 سيكون لا شيء مقارنة بالشرور التي ستنتج، فهناك حوالي 3 ملايين مدني عالقون في إدلب، معظمهم من النساء والأطفال، وهذا هو أكثر مكان ضعفا في سوريا للنازحين، حيث ليست هناك إمكانية ولا يتوفر المكان الذي يمكن الفرار إليه، وتركيا يوجد فيها حوالي 3.6 مليون لاجئ، وسياستها الشعبوية دخلت دوامة تتسابق فيها الحكومة والمعارضة في إيذاء اللاجئين، وإن كانت أوروبا غير مرحبة بهم في 2014، فهي اليوم معادية لهم".
ويجد أحمد أن "خيار إدلب المتبقي هو الاستسلام للنظام، وهو الخيار الذي تفضله أوروبا ضمنيا، فكثير من دول أوروبا تريد نهاية للصراع في سوريا، فيمكن أن يصنف الوضع في سوريا على أنه (بعد الصراع)، فيمكن إعادة السوريين إلى بلادهم، وتم ترويج مقترحات قصيرة النظر منذ عام 2014 باستخدام تمويل إعادة البناء باعتباره محفزا للأسد للتعاون، لكن في أي وقت يكره فيه اللاجئون على العودة لدولة لا تردع، مثل سوريا، فإنهم يرسلون إلى مستقبل مجهول، حيث تصادر ممتلكاتهم، ويواجهون التعذيب أو الموت المحتمل، ولم يتحمل الأسد أي تداعيات لجرائمه الموثقة بشكل جيد، ولا شيء يوقفه عن ارتكاب المزيد".
ويبين الكاتب أنه "كون تركيا، هي البلد الذي سيتأثر بشكل أكبر، فإنها لا تريد أن ترى إدلب تسقط، لكن لأنها أضعف من أن تواجه روسيا فإنها تهدد بالعمل ضد الأكراد شرق الفرات، ما سيتسبب بنزوح شعب ضعيف أيضا، فسقوط إدلب سيضع تركيا على خلاف مع الحكومة الأمريكية، وانتصار إيران في سوريا قد يبدأ حربا أوسع، تشمل إسرائيل والسعودية".
ويؤكد أحمد أن "الخطر الاخلاقي في التعامل مع الأزمة الدولية بتأجيل الخطر على الضحايا هو خطر كبير، لكن بقبول انهيار التقاليد الإنسانية كلها، فإن الغرب يستسلم أيضا لنظام وحشي جديد. إن اتفاقيات جنيف ليست مثالية، وقليل من المتحاربين هم من لم يخرقوها، لكنها تحتوي على قيم تستحق الحفاظ عليها".
ويقول الكاتب: "إن جعلت دولة انتهاك القانون الدولي سياسة حكومية رسمية، دون تحمل تداعيات، حينها يفقد الجميع القيم، وإن لم يحاسب الأسد على جرائمه الواسعة فإن هذه السابقة ستشجع المستبدين كلهم، فإن كان العراق علم العالم مخاطر الفعل دون استفزاز، فإن سوريا تبرز مخاطر اللا فعل المستفز".
وينوه أحمد إلى أن "الغرب لم يحاول، ناهيك عن أن يكون قد استنفذ، استخدام الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية لحماية السوريين، فحيث لم تكن هناك مصلحة مهمة للقوى الغربية مهددة لم يكن لدى تلك القوى محفز قوي للفعل، لكن الآن وبسبب الضغط المزدوج من تصعيد النظام والحملة التركية بدأت اليونان تشهد أكبر موجة لاجئين منذ عام 2015، وإن كان هناك أحد يخشاه الغرب أكثر من الإرهابيين، فهم اللاجئون".
ويقول الكاتب: "لقد حان للسوريين أن يبدأوا في استخدام هذا الخوف وسيلة ضغط، ففي الأيام الأخيرة قامت مظاهرات كبيرة على معبر باب الهوى على الحدود التركية، يطالب فيها السوريون العالم الذي حرمهم من الحماية بأن يمنحهم العبور، وقال أحد المتظاهرين: (نفضل الرق في البحر على الموت تحت الأنقاض)".
ويشير أحمد إلى أن "الخوف من موجة جديدة من اللاجئين بدأ بجعل أوروبا قلقة، واتصلت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الخميس الماضي ببوتين لمناقشة موضوع سوريا، وفي اليوم التالي أعلن بوتين وقفا لإطلاق النار، وهذا الحس بالأهمية جديد وعلى السوريين استغلاله".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "إن كانت القوى الغربية غير مستعدة لحماية السوريين من الأسد فإنه يجب على ضحايا الأسد أن يهددوا بالسعي للحصول على الأمن في الغرب، وتركيا لا تستطيع استيعاب المزيد من اللاجئين، لكنها قد تستطيع تسهيل عبورهم للغرب، وربما تفرض بذلك استعدادا لحماية إدلب، فقد فشل التعاطف مع الضحايا في إنهاء خمول الحكومات الغربية، فربما يدفعها فزعها من اللاجئين إلى التحرك".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
ايكونوميست تضع "الأسد فوق ركام سوريا" على غلاف مجلتها (شاهد)
إيكونوميست: انتصار الأسد فارغ وسقوط إدلب لن ينهي الحرب
FP: هل يمكن لتركيا استضافة اللاجئين السوريين إلى الأبد؟