يواصل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، فرض الهيمنة على مفاصل السلطة القضائية، وذلك في ضوء إصداره مرسوما رئاسيا يوم الأحد، بإحالة عدد من القضاة للتقاعد المبكر.
يأتي هذا القرار في ضوء النزاع القائم بين مجلس القضاء الأعلى والسلطة التنفيذية منذ أيلول/ سبتمبر 2018، حينما قدم 14 قاضيا من أعضاء المحكمة العليا استقالتهم؛ احتجاجا على تعديل الرئيس لقانون السلطة القضائية، وهو ما اعتبر تدخلا في شؤون السلطة القضائية.
استقالة القضاة في حينه كانت بسبب إصدار الرئيس مرسوما بتشكيل لجنة من خارج مجلس القضاء الأعلى لتعديل قانون السلطة القضائية، التي كانت تهدف إلى منح الرئيس صلاحية الاختيار المباشر لرئيس مجلس القضاء، وتخفيض سن التقاعد للقضاة من 70 إلى 60 عاما.
لم يشر مرسوم الرئيس لأي تفاصيل تتعلق بعدد من أحيلوا للتقاعد المبكر، لكن قاضي المحكمة العليا سابقا، عزت الراميني، الذي شمله القرار، أشار لـ"عربي21" إلى أن 19 قاضيا وصلهم كتاب الاستقالة، كما أُبلغ عدد من القضاة بتغيير موقعهم الوظيفي لما دون موقعهم الحالي في مجلس القضاء الأعلى.
وأكد الراميني أن "ما يجري هو انتهاك لأحكام القانون الأساسي، الذي يمنح القضاة حصانة من أي مساس في عملهم، ويضمن لهم حقوق الأمان الوظيفي من المس، إلا في حالات خاصة تستوجب النظر من أقدم قاضيين في المحكمة العليا".
خلل في بنية النظام السياسي
ونوه الراميني إلى أن "تعدي رئيس السلطة التنفيذية على مبدأ الفصل بين السلطات من شأنه خلق نظام سياسي مشوه، سيترتب عليه أحكام واستحقاقات من شأنها التأثير على بنية النظام السياسي والدستوري الناظم للعلاقة بين السلطات".
في ضوء هذه التطورات، يزداد قلق الأوساط القانونية من اتساع نفوذ السلطة التنفيذية وتحكّمها في مفاصل الحكم، خصوصا بعد تغييب المجلس التشريعي عن دوره المنوط بمراقبة عمل السلطة التنفيذية، التي تمثل فيه حركة حماس أغلبية بنسبة 57 بالمئة، وفق آخر انتخابات تشريعية جرت في العام 2006.
ويشير الأمين العام السابق للمجلس التشريعي، المستشار نافذ المدهون، إلى أن "قيام رئيس السلطة بتعديل قانون السلطة يعدّ خرقا للقانون الأساسي، حيث إن الأصل في قانون السلطة القضائية أنه قانون سيادي، أي أنه يستلزم موافقة المجلس التشريعي للموافقة على إجراء أي تعديلات من شأنها تنظيم عمل السلطة القضائية".
وأكد المدهون لـ"عربي21": "إذا ما اقتضت الضرورة لإجراء تعديل في قانون السلطة القضائية في ظل تعطل المجلس التشريعي عن أداء عمله، فيجب أن يتم ذلك في إطار عملية إصلاح نزيهة ومحايدة تشارك فيها جميع المؤسسات الحقوقية ذات الصلة".
تجاهل الأوساط الحقوقية
واستبعد المدهون أن يكون التعديل إيجابيا بما يخدم وينظم عمل السلطة القضائية؛ "لأنه لو كان إيجابيا لكانت السلطة التنفيذية اتبعت آلية التشاور والحوار وسماع الرأي الآخر، أو على الأقل قامت بتقديم مسودة التعديل الجديد لأخذ رأي الفئات الاجتماعية والقانونية للبتّ فيه".
تشير المعلومات الواردة من أوساط قضائية تحدثت لـ"عربي21" إلى أن اللجنة التي شكلها الرئيس مكونة من سبعة قضاة يرأسها المستشار عيسى أبو شرار، رئيس المحكمة العليا، وهي تتولى حاليا رئاسة المجلس القضائي الانتقالي لمدة عام، وقد عكفت في الأسابيع الأخيرة على إعادة تشكيل المحاكم من كافة الدرجات والمسميات، كما أنهت ترتيب مشاريع القوانين اللازمة لإصلاح القضاء، من بينها تقصير المدة الزمنية للبت في الأحكام النهائية، إضافة للوصول لصياغة توافقية على تقصير سن التقاعد للقاضي حتى الـ65.
وفي تعليقه على ذلك، يشير الناشط الحقوقي، صلاح عبد العاطي، إلى أن "رئيس السلطة أخلّ بفقرات هامة في القانون الأساسي، عبر منح محكمة العدل العليا صلاحيات التدخل في شؤون مجلس القضاء الأعلى، وهو تجاوز خطير للقانون؛ لأنه أجاز لرئيس السلطة صلاحيات عزل من يشاء من القضاة".
وأكد عبد العاطي لـ"عربي21" أن "مثل هذه القرارات من شأنها إحداث الكثير من التغييرات، أهمها التعدي على النظام الأساسي، وتغييب القانون، وهو ما يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام الأساسي، وهذا يتطلب تدخلا سريعا من قبل رئيس السلطة لتدارك هذه المخاطر".
السلطة الفلسطينية تلجأ للتحكيم الدولي لاستعادة أموال المقاصة
لماذا يرفض الخليجيون دعوات إيران المتكررة لـ"السلام"؟
خبير إسرائيلي: أمامنا وقت طويل لمعرفة منفذي عملية دوليب