تحدثنا عن حادثة رجم اليهوديين، ورجم ماعز، وما في هذه الأحاديث من إشكالات، ووقفات حديثية وفقهية، واليوم نتناول حادثة رجم الغامدية، وملخصها: أن امرأة جاءت تعترف بزناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها حبلى من
الزنا، فانتظر النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضعت ثم رجمها. وقد وردت الروايات عنها تارة تسميها الغامدية، وأخرى الجهنية، وثالثة البارقية، وسأذكر جل الروايات، ثم سنتحدث هل هي امرأة واحدة أم لحالة واحدة، أم حالات متعددة؟ وأهم الوقفات معها.
وأما روايات الحادثة فكما يلي:
1 ـ عن عمران بن الحصين: أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى فقالت: يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال له عمر تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت، فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى".(1)
2 ـ عن بريدة الأسلمي قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءته امرأة من غامد فقالت: يا نبي الله، إني قد زنيت، وأنا أريد أن تطهرني. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجعي". فلما أن كان من الغد أتته أيضا فاعترفت عنده بالزنا فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت، وأنا أريد أن تطهرني. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجعي". فلما أن كان من الغد أتته أيضا فاعترفت عنده بالزنا فقالت: يا نبي الله، طهرني فلعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك فوالله إني لحبلى. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجعي حتى تلدي". فلما ولدت جاءت بالصبي تحمله فقالت: يا نبي الله، هذا قد ولدت. قال: "فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه". فلما فطمته جاءت بالصبي في يده كسرة خبز قالت: يا نبي الله، هذا قد فطمته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فدفعه إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها حفرة فجعلت فيها إلى صدرها، ثم أمر الناس أن يرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فنضح الدم على وجنة خالد فسبها، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال: "مهلا يا خالد بن الوليد لا تسبها فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له" فأمر بها فصلى عليها ودفنت".(2)
3 ـ عن أبي بكرة أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته واقفا إذ جاءوا بامرأة حبلى، فقالت: إنها زنت، أو بغت، فارجمها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استتري بستر الله فرجعت، ثم جاءت الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم على بغلته، فقالت: ارجمها يا نبي الله، فقال: "استتري بستر الله فرجعت، ثم جاءت الثالثة، وهو واقف حتى أخذت بلجام بغلته، فقالت: أنشدك الله إلا رجمتها؟ فقال: "اذهبي حتى تلدي"، فانطلقت فولدت غلاما، ثم جاءت فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال لها: "اذهبي فتطهري من الدم"، فانطلقت ثم أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها قد تطهرت، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم نسوة فأمرهن أن يستبرئن المرأة، فجئن وشهدن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بطهرها، فأمر لها بحفيرة إلى ثندوتها، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حصاة مثل الحمصة فرماها، ثم مال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للمسلمين: "ارموها وإياكم ووجهها، فلما طفئت أمر بإخراجها"، فصلى عليها ثم قال: "لو قسم أجرها بين أهل الحجاز وسعهم".(3)
وعنه أن "النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة، فحفر لها إلى الثندوة".(4)
4 ـ عن أبي موسى الأشعري قال: جاءت امرأة إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: قد أحدثت وهي حبلى، فأمرها نبي الله صلى الله عليه وسلم أن تذهب حتى تضع ما في بطنها، فلما وضعت جاءت، فأمرها أن تذهب فترضعه حتى تفطمه، ففعلت، ثم جاءت فأمرها أن تدفع ولدها إلى أناس، ففعلت، ثم جاءت، فسألها إلى من دفعت، فأخبرت أنها دفعته إلى فلان، فأمرها أن تأخذه وتدفعه إلى آل فلان ناس من الأنصار، ثم إنها جاءت، فأمرها أن تشد عليها ثيابها، ثم إنه أمر بها فرجمت، ثم إنه كفنها وصلى عليها، ثم دفنها، فقال الناس: رجمها، ثم كفنها وصلى عليها، ثم دفنها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما يقول الناس، فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت توبتها بين سبعين رجلا من أهل المدينة لوسعتهم".(5)
من المرأة المرجومة؟
بناء على ما سبق من الروايات، فقد نصت روايات على أنها الغامدية، وأخرى أنها الجهنية، والجهنية هي الغامدية، قال النووي: غامد: بطن من جهينة.(6) وثالثة أنها البارقية، وهي شخصية واحدة، كما تدل الدلائل، بل من العلماء من استظهر أن الغامدية هي مزنية ماعز.(7)
وهنا نفس الوقفات مع حديث ماعز والأحداث الأخرى المشابهة، فهنا لا نعلم من الغامدية، ولا من زوجها، وقد قالت أيضا نفس الكلمة التي قالها ماعز: أصبت حدا فطهرني، وقد ذكرنا عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قال هذه الكلمة. ونفس الملاحظات التي ذكرناها في رجم ماعز تتكرر مع رجم الغامدية، ويبقى نقاط أخرى نناقشها.
من حضر الواقعة وتاريخها؟
أما عن تاريخ الواقعة فلا يوجد دليل جازم على تاريخها، بل اختلفوا في ذلك، فمن يؤصل للرجم حدًّا، يرى أن حادثة الغامدية كانت بعد نزول سورة النور، ومن هؤلاء الشيخ محمد تقي العثماني وقد ذكر أدلة على ذلك، أهمها حضور خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد أسلم بعد صلح الحديبية، وذكر نقولا تؤيد رأيه، ثم قال في ختام رأيه: ومن هنا صرح غير واحد من المحدثين: أن قصة الغامدية وقعت في السنة التاسعة، راجع السيرة الحلبية، وأوجز المسالك(8) ، باب ما جاء في الرجم).(9)
أما الرواية التي تذكر أن خالد بن الوليد شهد الرجم، وكان ممن ضربها بحجر، فقد أخرجها الإمام مسلم (10)، وفي سندها بشير بن المهاجر (ضعيف)، وسنذكر أقوال العلماء فيه في الهامش.
وأما أبو بكرة والذي صرح في روايته بالشهود، وفي أولها: أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهي رواية ضعيفة، وكذلك روايته في الحفر لها حتى الثندوة، كلتاهما ضعيفتان.
فإذن لا يُعرف تاريخ الحادثة، ولا ما يدل على أنها بعد آية سورة النور، بل ربما تشير دلائل أخرى سنذكرها إن شاء الله أن هذه الأحداث كانت قبل آية سورة النور.
الهوامش:
1 ـ رواه مسلم في الحدود.
2 ـ رواه أحمد (22949) وقال محققوه: حديث صحيح وقصة سب خالد بن الوليد للغامدية، وقصة انتظار الفطام للرجم، تفرد بهما بشير -وهو ابن المهاجر الغنوي- في حديث بريدة، وهو مختلف فيه؛ فقوى أمره قوم، وضعفه آخرون، ونقل الأثرم عن الإمام أحمد أنه قال: منكر الحديث، وقد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب. انظر: مسند أحمد (38/38).
3 ـ رواه أحمد (20436) وقال محققوه: إسناده ضعيف لإبهام الراوي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير زكريا بن سليم، فهو صدوق. (34/83).
4 ـ رواه أحمد (20378) وقال محققوه: إسناده ضعيف. (34/14).
5 ـ رواه ابن حبان (4442) وقال الألباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: حسن صحيح. (2/63) وفي إرواء الغليل (7/366). وقال شعيب الأرناؤوط في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: حديث صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم غير محمد بن وهب بن أبي كريمة فقد روى له النسائي وهو صدوق صالح. عبد الملك بن عمير وصفه المؤلف في "الثقات" (5/117) بالتدليس، وقد عنعن، وأبو عبد الرحيم: هو خالد بن أبي يزيد الحراني. (10/291). وذكره الهيثمي في موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (1512) وقال محققاه (حسين سليم أسد وعبده علي الكوشك): إسناده ضعيف، أبو المليح الرقي لم يسمع أبا موسى الأشعري، وما علمنا في حدود اطلاعنا سماعاً لعبد الملك بن عمير من أي المليح أيضاً والله أعلم. (5/68).
6 ـ انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (11/200).
7 ـ انظر: الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد وشرحه بلوغ الأماني للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا (16/95).
8 ـ انظر: السيرة الحلبية (3/502) وأوجز المسالك (6/13).
9 ـ انظر: تكملة فتح الملهم لمحمد تقي العثماني (2/255،254).
10 ـ رواه مسلم (1695).
Essamt74@hotmail.com