تتباين الآراء بشأن تقييم مشاركة أحزاب الإسلام السياسي في السلطة، ومدى تأثيرها على شعبيتها، في مختلف الدول العربية.
ففي حين يرى البعض أن المشاركة تشكل سببا رئيسا في تراجع شعبية تلك الحركات، يرى آخرون أنها ما زالت الأكثر حضورا والأوسع شعبية.
ووفقا لمراقبين، فإن فوز حركة النهضة التونسية بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية، التي جرت الأسبوع الماضي، يقدم دليلا على احتفاظ الإسلام السياسي بموقعه المتصدر في المشهد الانتخابي.
وجاءت النتائج على خلاف توقعات كثير من المحللين من احتمالية تراجع فرص فوز النهضة تحت وقع خسارة نائب رئيسها، عبد الفتاح مورو، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت منتصف الشهر الماضي.
ورغم فوز النهضة بالمركز الأول (52 مقعدا) في الانتخابات البرلمانية، إلا أنها تراجعت بالمقارنة مع نتائج 2014 والتي فازت فيها بـ68 مقعدا، وهو ما عدّه مراقبون تراجعا في شعبيتها.
وعلى العموم، فإن تجارب مشاركة الحركات الإسلامية السياسية في السلطة تثير جدلا داخل صفوفها، وفي أوساط المراقبين والدوائر المعنية، إذ يُشار إلى أن مشاركتها غالبا ما تفضي إلى انكشاف قدرتها على الإنجاز بعد انتقالها من مواقع المعارضة إلى كراسي الحكم، وبالتالي تآكل شعبيتها نتيجة عجزها عن الوفاء بما وعدت جماهيرها به، واضطرارها إلى التنازل عن بعض مبادئها تحت ضغوط الواقع وإكراهاته حسب لمراقبين.
وفي هذا السياق يرى الكاتب والباحث السوري، أحمد الرمح أن "فشل الحركات الإسلامية السياسية المشاركة في السلطة أظهر ضعفها أمام جماهيرها، وهو ما أفضى بالتالي إلى تراجع شعبيتها كثيرا".
وأرجع الرمح فشل الحركات الإسلامية في السلطة إلى عدة أسباب، من أبرزها "تمكن كثير من السلطات الاستبدادية من توظيف تلك الحركات كأداة ووسيلة لامتصاص الغضب الشعبي من السياسات الداخلية لتلك الأنظمة"، مضيفا "فكانت تلك الحركات تقدم نفسها باعتبارها أنموذجا إسلاميا يعد الشارع دائما بأحلام وردية، لكنها سرعان ما تتبخر من غير أن يتحقق منها شيء يُذكر".
اقرأ أيضا: هكذا دعمت أبوظبي جماعات متطرفة لمكافحة الإسلام السياسي
وتابع سرد أسباب فشل تلك الحركات في حديثه لـ"عربي21" مشيرا إلى أن "ضعف خبرتها في إدارة السلطة التنفيذية، أوقعها في حرج شديد"، مستشهدا بحالة "حزب العدالة والتنمية في المغرب" الذي تولى السلطة التنفيذية لأكثر من دورتين لكنه فشل في تحقيق كثير من الوعود، ما أدّى إلى انحسار شعبيته.
ولفت الرمح إلى أن "حركات الإسلام السياسي تسرف كثيرا في تقديم الوعود لجماهيرها، دون وعي منها بطبيعة الواقع الذي تتحرك فيه، وإمكانيات تحقيق ذلك، فتصدم بعد ذلك بحجم المعوقات والموانع من جهة، إضافة لضعفها وقلة خبرتها في إدارة السلطة التنفيذية".
وأضاف: "لهذه الأسباب وغيرها فشلت تلك الحركات، وهي الأهم والأكثر تأثيرا من الأسباب الموضوعية التي عادة ما تعلق عليها تلك الحركات أسباب فشلها" مشيرا إلى أن خلاصة تجارب تلك الحركات تقول أنها "ناجحة بامتيار وهي تعمل في صفوف المعارضة، لكنها فاشلة بامتيار كذلك حينما تنتقل إلى كراسي الحكم".
من جهته اعتبر الكاتب والأكاديمي المصري هاني نسيرة أن "تجربة الحركات الإسلامية في الحكم أحد الأسباب الرئيسة المسؤولة عن تراجع شعبيتها في أوساط جماهيرها وقواعدها" مستشهدا بخسارة مرشح النهضة عبد الفتاح مورو في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تونس.
ولفت نسيرة إلى أن "تجربة تلك الحركات في السلطة كانت مرة، وأثبتت أن حديث الوعود الذي تمارسه إذا ارتبط بالحالة الدينية لا يعدو أن يكون أحلاما سرعان ما تتبدد على صخرة الواقع".
وردا على سؤال "عربي21" حول أسباب فشل تلك الحركات في إنجاز ما وعدت به بعد تسلمها السلطة أرجع نسيرة أسباب ذلك إلى "كون تلك الحركات تمتلك فقه الجماعات ولا تمتلك فقه الدولة، ولم تتمكن من الانتقال من منطق الجماعات إلى منطق الدولة" على حد قوله.
ووافق نسيرة على "التوصيف الذي يرى أن بعض الحركات الإسلامية التي دخلت دهاليز الحكم بتحالفات اضطرت معها إلى التنازل عن بعض مبادئها الأمر الذي أضرَّ بشعبيتها كثيرا"، واصفا إياه "بالتوصيف الدقيق".
بدوره قال القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، زكي بني ارشيد "إنّ سؤال تآكل شعبية الحركات الإسلامية السياسية بسبب مشاركتها في الحكم، ينطلق من عدة فرضيات، واعتبارها مسلمات، والذهاب إلى دراسة نتائج تلك المسلمات المفترضة وتداعياتها على مستقبل الحركات الإسلامية" منتقدا ذلك بأنه "ليس منهجا علميا".
اقرأ أيضا: وزير سعودي سابق يهاجم "الإسلام السياسي" ويدعو لقمعه
وقال بني ارشيد في حديث لـ"عربي21": "حتى ندخل البيوت من أبوابها لبحث الموضوع بعلمية وحيادية من الضروري استعراض الحركات الإسلامية التي حكمت أو شاركت في الحكم، أو تلك التي شاركت في الحياة السياسية والمدنية، ومقارنتها بالأحزاب السياسية الإسلامية التي رفضت مبدأ المشاركة في (الحكم، و/أو الحكومات، و/أو الحياة السياسية، مثل الانتخابات البرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني".
وأضاف: "وحين يتم تقييم تجارب مشاركة الحركات الإسلامية في العمل السياسي، لا بد من طرح السؤال التالي: هل جميع التجارب في جميع الأقطار متشابهة، أم أنها تختلف في نتائجها من تجربة إلى أخرى؟ هل تجربة تونس مثلا مثل تجربة المغرب؟ أو تجربة السودان مثل تجربة تركيا (سيجادل البعض في كون التجربة التركية إسلامية أم لا)؟".
وتابع: "ولا بد أثناء عملية الدراسة والتحليل والمقارنة من استحضار البيئة الخاصة بكل تجربة في كل قطر أيضا، علما بأن دولا عربية كثيرة تخلو من المشاركة الشعبية، حيث تنفرد العائلة أو الفرد بالحكم".
ولفت بني ارشيد، الذي شغل نائب المراقب العام الأسبق في إخوان الأردن إلى أن "الأمثلة الواقعية لنتائج مشاركة الحركات الإسلامية ليست متشابهة، وفي الحالات التي تراجعت فيها شعبية الحركات الإسلامية لا بد من عملية مراجعات جادة حول أسباب هذه النتيجة".
ولم يتردد بني ارشيد بالقول إنه "لا يخفى على أحد، ولا يمكن إنكار أن خبرة الحركات الإسلامية في تسيير أمور الدولة متواضعة، وأن التأهيل النظري ليس كافيا، وأن خوض التجربة العملية واكتساب الخبرة أمر ضروري، لكن المبالغة في تقدير ايجابيات المشاركة لدى بعض الحركات أدّى إلى الحرص على المشاركة بأي ثمن، ما أفضى إلى التماهي مع الواقع السياسي القاسي، ومن ثم أدّى إلى تراجع في شعبية تلك الحركات".
وبخصوص تراجع عدد المقاعد التي فازت بها حركة النهضة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة نبه بني ارشيد على أنه "بالرغم من هذا التراجع إلا أن النهضة بقيت الحاضر الوحيد في كل الانتخابات التونسية بعد الثورة، فيما تراجعت أو تلاشت بقية الأحزاب السياسية".
وختم حديثه بالتعليق على ما يقال عن تنازل الحركات الإسلامية المشاركة في الحكم عن بعض مبادئها، بأن "هذا العنوان يُشكل أحد التحديات أمام الحركات الإسلامية، وهي مدعوة إلى تحديد المبادئ والثوابت، والمصالح المعتبرة".
"النهضة" ليست في عزلة.. هذه حظوظها بتشكيل حكومة تونس
الحكومة التونسية القادمة.. امتحان جديد للديمقراطية
ما أسباب السقوط المدوي لـ"نداء تونس" بانتخابات البرلمان؟