نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث في الشؤون الدولية في جامعة هارفارد، سيتفن وولت، يشير فيه إلى أن الرئيس دونالد ترامب يواجه نيران المدفعية بسبب قراره المتهور الذي اتخذه لسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، قائلا إنه "يستحق ذلك، لأن لا أحد يتخيل ردا عاجزا وغير مخطط له على الوضع المعقد الذي ورثه هناك".
ويقول وولت: "علينا ألا ننسى النظر إلى الصورة الأكبر، وهي أن السياسة الخارجية الأمريكية في سوريا كانت فاشلة ومنذ سنوات عدة، وظلت الاستراتيجية -إن كان هناك استراتيجية- تعاني من التناقضات بدرجة لم تكن قادرة على إنجاز مكاسب مهما كان الوقت الذي ستقضيه أمريكا في سوريا".
ويعلق الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، قائلا: "مع أن كتابة هذه الجملة مثيرة للكآبة، إلا أن المسار الأفضل لسوريا اليوم هو استعادة رئيس النظام السوري بشار الأسد السيطرة على شمال سوريا، وهو مجرم حرب ومسؤول عن لجوء الملايين من السوريين، وفي عالم مثالي يجب أن يكون الآن أمام محكمة العدالة في لاهاي بدلا من بقائه في سدة الحكم في دمشق، لكننا لا نعيش في عالم مثالي، والسؤال الذي نواجهه اليوم هو كيف نحصل على أفضل شيء من واقع رهيب".
ويقول وولت: "علينا الاعتراف أولا بأن الالتزام الأمريكي تجاه المليشيات الكردية أو (قوات سوريا الديمقراطية) لم يكن مطلقا أو مفتوحا، بل كان تكتيكيا ومشروطا بالمعارضة لتنظيم الدولة، ولم يقاتل الأكراد تنظيم الدولة مجرد خدمة للولايات المتحدة التي ساعدتهم بسبب الإحسان، وعندما تمت السيطرة على تنظيم الدولة، وليس القضاء عليه تماما، كانت العلاقة الأمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية تعيش على الوقت الضائع، وأتفهم ألم الجنود الأمريكيين لمفارقة رفقاء السلاح الذين قاتلوا معهم، إلا أن هذا كان سيحدث عاجلا أم آجلا، ولو كان هناك رئيس جيد لحصل هذا بطريقة منظمة واتفاق دبلوماسي واسع وليس من خلال نزوة ودون أي مكاسب ملموسة، لكن هذا غير متيسر في ظل ترامب".
ويجد الكاتب أن "الوضع الحالي الذي يعاني منه الأكراد نابع من عدم وجود دولة لهم، ولم تدعم الولايات المتحدة الآمال الكردية لتحقيق هذا، وأي محاولة لترسيم دولة لهم بين العراق وتركيا وسوريا وإيران ستؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية شاملة، ودون دولة كردية في الأفق فإن الأكراد سيعيشون في ظل الدول التي يقيمون فيها".
ويشير وولت إلى أن "الأمر الثاني متعلق بتركيا التي تعدهم تهديدا خطيرا، وربما كان الرئيس رجب طيب أردوغان مبالغا في تقديره التهديد الكردي، لكن وجود كيان مستقل في شمال شرق سوريا سيظل خطا أحمر، وستظل تركيا تتحين الفرص للقضاء عليه، وبقاء القوات الأمريكية يؤجل يوم الحساب ولا يقدم حلا للمشكلة".
ويلفت الكاتب إلى أن "الأمر الثالث: بدا واضحا ومنذ فترة أن نظام الأسد انتصر في الحرب، وهذه النتيجة مرعبة من الناحية الأخلاقية، لكن الغضب الأبدي لا يقدم سياسة في النهاية، فطالما كان نظامه ضعيفا وطالما استمرت أمريكا في دعم القوات المعارضة لم يكن قادرا على توطيد حكمه واعتمد بالتالي على الروس والإيرانيين".
ويرى وولت أن "السماح للأسد ليعيد السيطرة على كامل سوريا سيحل الكثير من المشكلات المزعجة، ويعالج قلق تركيا من الكيان الكردي، فأردوغان لا يحب الأسد لكنه يكره الأكراد أكثر، وعندما يتولى السيطرة تصبح مشكلة تنظيم الدولة مشكلته، وليست مشكلة الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يتعامل معها بشراسة؛ لأن التنظيم يتعامل معه ونظامه على أنهم كفار".
ويجد الكاتب أنه "ضمن هذا المنطق التحليلي فإنه كلما أصبح وضع الأسد مستقرا خفف ذلك من تبعيته لروسيا وإيران، فقد كلفهما دعمه الكثير، وسيتراجع تأثيرهما عليه في حال استطاع السيطرة بثقة على سوريا ما قبل الحرب الأهلية، وستنظر بعض الدول، مثل إسرائيل، بعين الرضا لتراجع الدور الإيراني في سوريا، ولو واصل هذان البلدان دعمهما للأسد لاقتضى ذلك منهما ضخ المصادر الهائلة في بلد أهميته الاستراتيجية قليلة بالنسبة لهما".
ويرى وولت أن "الوضع الحالي يؤكد السياسة الأمريكية الخاطئة، فعندما يتم التأكد من انتصار الأسد يجب على الولايات المتحدة الدفع باتجاه تسوية سياسية وقواتها على الأرض ولديها نفوذ في اللعبة، إلا أن الجهود الدبلوماسية الأمريكية كانت متعثرة منذ البداية وغير جدية، ففي ظل إدارة باراك أوباما رفضت السماح لإيران بالمشاركة في عملية جنيف ما عنى فشلها، وواشنطن ليست مشاركة فيما يطلق عليها بعملية أستانة، التي تقودها روسيا وإيران وتركيا، وبالتأكيد كانت أمريكا تأمل بحصول تغيير للنظام في دمشق، بشكل تلعب فيه القوات الأمريكية في سوريا ورقة مساومة ليس فقط ضد تنظيم الدولة، ولكن أيضا للتغير السياسي هناك".
ويقول الكاتب إن "الولايات المتحدة تحتاج للعمل دبلوماسيا مع أطراف اللعبة، لكنها لا تريد، فهي لن تتعاون مع روسيا بسبب أوكرانيا، ولن تتفاوض مع الأسد بسبب جرائم الحرب، ولن تتعامل مع إيران لأنها تنتظر تغير نظام الملالي فيها من خلال سياسة الضغط الأقصى، أو أن تقول طهران (يا عم سام)، وتوافق على الملف النووي وتخفيف بصماتها الإقليمية".
ويرى وولت أن "الحل في سوريا هو الاعتراف بانتصار الأسد، والعمل مع بقية الأطراف لتحقيق الاستقرار، ولسوء الحظ فهذا النهج هو شعار لفقاعة في السياسة الخارجية التي يتحدث عنها الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء، ولهذا كان على الرئيس ترامب ألا يتعجل بالخروج من سوريا".
وينوه الكاتب إلى أنه "قيل إن خيانة الأكراد هي إشارة إلى عدم ثقة الحلفاء بأمريكا، مع أن الدول كلها تخلت عن حلفائها في مرحلة من التاريخ، بمن فيها أمريكا، وكانت قادرة على التحالف مع جماعات عندما تقتضي الظروف، والسبب هو أن ما يجمع الحلفاء معا ويجعل التزامهم موثوقا هي المصالح المشتركة، وتصبح المصداقية مشكلة عندما يعترف الطرف الآخر بأن لديك سببا جيدا لعدم مساعدته، وعندما يحدث هذا فستحاول إزاحة السماء والأرض لإقناعه أنك ستقوم بعمل شيء لا معنى له، أنا لا أدافع عن ترامب وعدم مبالاته بالحلفاء، لكن القدرة على بناء تحالفات ليست مشكلة بوجود رئيس في البيت الأبيض أقل زئبقية من ترامب".
ويرد وولت على من يقولون إن خسارة سوريا هي هدية للأعداء، بالقول إن "البلد ليست هدية استراتيجية ولن تصبح إيران أو روسيا ثرية بسبب تأثيرهما عليه".
ويشك الكاتب في رغبة الأسد في بقاء هذين البلدين، و"قد يتراجع تأثيرهما عندما يؤكد سيطرته على البلاد، وربما ظل واحدا منهما متورطا في البلد لوقت ما، لكنه سيظل يضخم المصادر في بلد لا أهمية استراتيجية له، وكون روسيا وإيران رابحتين في هذا المشهد فإن هذا يعود لأن استراتيجية كل منهما كانت ذكية منذ البداية".
ويقول وولت: "كان الهدف محدودا وقابلا للتحقيق، وهو الحفاظ على الأسد في السلطة، أما الولايات المتحدة فقد كانت أهدافها غير عملية، من تغيير النظام إلى هزيمة تنظيم الدولة، ومنع الجماعات الجهادية إلى تعزيز الديمقراطية الليبرالية في البلاد، وهي أهداف متناقضة ومعقدة فلم تكن أمريكا قادرة على التخلص من الأسد دون فتح الباب أمام تنظيم الدولة وبقية الجماعات الجهادية الأخرى، ولا يوجد في سوريا حليف ليبرالي يمكنها الاعتماد عليه، وليس غريبا أن تنتهي الولايات المتحدة إلى الحال الذي وصلت إليه الآن، وهو ما توصل إليه جيك سوليفان الداعي لليبرالية الدولية الذي كتب في (ذا أتلانتك) قائلا: (كان علينا عمل المزيد لإنجاز الأقل)".
ويرى الكاتب أن "النكسة الأمريكية في سوريا ليست لحظة تدعو للفخر، لكن في بعض الأحيان النكسات تفتح الباب أيضا للتقدم في المستقبل، فقد كان انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام في عام 1975 هزيمة مخيفة، وأثار الإنذارات ذاتها حول سقوط أحجار الدومينو، وفقدان المصداقية، وتراجع الولايات المتحدة".
ويعتقد وولت أن "المستفيد الوحيد من مغامرات أمريكا الفاشلة في الشرق الأوسط، ليس الأسد أو روسيا ولا إيران، بل الصين التي كانت منشغلة ببناء علاقات دبلوماسية والتقرب من دول المنطقة، مثل إيران، وبناء اقتصاد عالمي من الدرجة الأولى، في وقت ضيعت فيه أمريكا المليارات على حروب غير ضرورية".
ويقول الكاتب: "أنا متأكد من السعادة الغامرة للرئيس الصيني شي جين بينغ وهو يشاهد خروج الأمريكيين من شمال سوريا، وقد يبتسم وهو يتابع وزير الخارجية مايك بومبيو، وتركيزه على إيران، وإرسال أمريكا قوات إلى السعودية، وأراهن بأنه ضحك من رسالة ترامب البسيطة لأردوغان، وأنا متأكد من أن قادة الصين يرون في ترامب شخصا مزعجا، لكن عجزه أمر مثير للراحة".
ويختم وولت مقاله بالتأكيد بأنه لا يشعر بالراحة وهو يكتب هذه المقالة التي يعترف فيها بانتصار الأسد وقبول سلطته على سوريا بكون ذلك أسوأ الخيارات، مشيرا إلى أن لا أحد لديه حس من الإنسانية يستمتع بالحديث عن هذا الأمر، ويقول إنه لا يصادق على طريقة إدارة ترامب الفوضوية للملف السوري.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
ديلي بيست: هكذا تمهد روسيا للأسد والنهاية الوحشية في سوريا
فورين بوليسي: هذا ما على واشنطن فعله لردع إيران
"إندبندنت": إيران لديها خطط بديلة بغطاء روسي صيني