نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا لأستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان، ريتشارد فولك، يقول فيه إنه منذ بدء الأمور بالتدهور في سوريا بعد الانتفاضة التي أشعلها الربيع العربي عام 2011، تحول ضباب الحرب التقليدية إلى صندوق أسود منيع.
ويقول فولك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الجهات السياسية الفاعلة -من تركيا إلى إيران وروسيا وإسرائيل والإمارات وقطر والسعودية- لم تحسب حساباتها بشكل صحيح، كما أخطأ اللاعبون غير الدوليين، من منظمات متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة ومزيج من حركات التمرد ضد دمشق، حساباتهم أيضا".
ويشير الكاتب إلى أنه "لم يكن هناك أي صراع دولي بهذا الغموض، وتعدد الوجوه، والوضع المحاط باللعب على التناقضات، وحتى التناقضات الذاتية وتناقضات القوى السياسية القومية والإقليمية والعالمية".
ويلفت فولك إلى أن "هناك مجموعة من الأجندات المستغلة- يتم داخلها إخضاع النوايا والمحفزات لأهداف سياسية أوسع نطاقا وقليلا ما يعترف بها- تعتم على حقيقة العملية العسكرية التركية".
ويجد الكاتب أن "العديد من أخطاء الحسابات من اللاعبين غير السوريين ساعدت في تدمير سوريا، والمعاناة الهائلة لشعبها، وموت وإصابة مئات الآلاف، وهجرة ونزوح الملايين، وهذا ولد مجموعة ظروف جعلت احتمال أن ينتج عنها نهاية مرضية ضئيلا".
ويرى فولك أن "أخطر سوء حسابات، تشترك فيه أنقرة وواشنطن بالذات، وهو أن التدخل العسكري قد يساعد على ترجيح الكفة مؤديا إلى تغيير النظام في دمشق، الذي كان مطلبا أمريكيا وإسرائيليا لعقود".
ويعتقد الكاتب أن "ما تم تجاوزه في هذه الحسابات هو إمكانيات إيران وروسيا في موازنة التدخلات المعارضة للأسد، وفشل في تقدير التأييد المحلي الذي تمتعت به الحكومة في دمشق، وفعالية القوات المسلحة السورية في ساحة المعركة".
وينوه فولك إلى أنه "خلال سنوات الفوضى تشابك النزاع للسيطرة على الدولة السورية مع انشغالات سياسية أخرى، خاصة الصراع الذي قادته أمريكا ضد تنظيم الدولة، والجهود الكردية سعيا خلف أهدافهم في تقرير المصير".
ويشير الكاتب إلى أن "الأكراد السوريين رحبوا بالتعامل مع الجيش الأمريكي لمحاربة تنظيم الدولة، أملا في كسب الاستقلال السياسي تحت قيادة وحدات حماية الشعب الكردية، وأهملت واشنطن حقيقة كون هذه الوحدات على علاقة وثيقة بحزب العمال الكردستاني، وهذا يتغاضى عن كون الأكراد خاضوا صراعا مسلحا مع تركيا، على مدى ثلاثة عقود أودى بحياة 40 ألف ضحية".
ويستدرك فولك بأنه "بالرغم من تعقيد هذه الخلفية وأهميتها، إلا أن ما يحصل في المقدمة أكثر غموضا، وأرسلت دبلوماسية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي هي كالعادة غير مسؤولة، رسائل مختلطة للأطراف المعنية كلها، وما زاد الطين بلة هو الإهانات التي وجهت للهوية والطموحات الكردية، وبالنسبة لأنقرة، فإن الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية بدا مقصودا وتم تفسيره على أنه ضوء أخضر للهجوم التركي".
ويفيد الكاتب بأن "هذه الإشارة تبعتها تهديدات غير منطقية لتركيا بالتداعيات الرهيبة إن هي فشلت في اتباع أوامر البيت الأبيض، ويبدو أن هذا التحول المفاجئ كان نتيجة السياسة الداخلية الأمريكية، بالذات الانتقاد الحاد لترامب من الجمهوريين في الكونغرس".
ويقول فولك إنه "ليس من الممكن فهم هذا الحوار دون النظر في الحملة الدولية المكثفة التي شنت ضد الحكومة التركية قبل هذه الأحداث، فأعداء تركيا الخارجيون وصفوا الاجتياح بأنه (تطهير عرقي)، وبعضهم ادعى أن هناك (مذابح) و(إبادة)، حتى إن البعض ادعى أن تركيا جلبت العار لحلف الناتو، ويجب طردها من الحلف".
ويشير الكاتب إلى أنه "تمت مهاجمة الدبلوماسية الأمريكية بحدة لتخليها عن الطموحات القومية للأكراد، وهذه الآراء المعادية لتركيا ليست كلها خاطئة، لكن بالتأكيد تم التلاعب بها وتكبيرها لأهداف أوسع لا علاقة لها بالهجوم التركي عبر الحدود".
ويلفت فولك إلى أن "وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بين بعبارات واضحة وقابلة للتصديق، النطاق الضيق للعملية العسكرية التركية وأهدافها، وقال إن تركيا تسعى لإقامة (منطقة آمنة) على حدودها، من خلال إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، وليس شن هجوم على الأكراد".
ويورد الكاتب نقلا عن تشاووش أوغلو، قوله إن الهدف التركي كان محدودا لإخلاء شريط عرضه 30 كيلومترا على الحدود، حيث يوجد تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب الكردية، والسماح للاجئين السوريين الراغبين بالعودة إلى سوريا بأن يستقروا في تلك المناطق.
وينوه فولك إلى أن الهدف الثاني هو إعادة السيادة السورية على أراضيها، وهو ما يعني رفض مشروع منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمال شرق سوريا، مشيرا إلى أنه داخل تركيا، حتى بين أولئك المعارضين جدا للرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، أن هناك إجماعا على دعم هذه العملية العسكرية، ما دامت محدودة بأهداف تحقيق أمن الحدود ومكافحة الإرهاب.
ويرى الكاتب أن "هناك أسبابا وجيهة ليقلق الأكراد مما يحدث، حتى لو لم يكونوا متعاطفين مع وحدات حماية الشعب الكردية، خاصة بعد أن سحب ترامب البساط من تحتهم، ونكأ جروحهم بالقول إن حمايتهم لا تستحق أن تعامل على أنها مصلحة قومية، وكان رد الفعل الكردي هو التغيير لتحالفاتهم، فتحالفوا مع دمشق، وهو ما لم يكن مفاجئا ولا غبيا".
ويجد فولك أن "من الصعب تقييم (وقف إطلاق النار) الذي أعلنه نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس في أنقرة، أو حتى إن كان مصطلح وقف إطلاق النار مناسبا، وكان تشاووش أوغلو حريصا على أن يسمي ما تم الاتفاق عليه (تعليق) العملية العسكرية عبر الحدود لمدة خمسة أيام".
ويعلق الكاتب قائلا، إن "اللغة هنا مهمة، فإن استؤنف القتال، ستتهم تركيا بأنها خرقت وقف إطلاق النار، وهو ما سترد عليه تركيا بالقول إنها وافقت فقط على تعليق العملية، وسيعتمد الأمر كثيرا على مغادرة وحدات حماية الشعب أو بقائها واشتباكها مع الجيش التركي".
ويقول فولك: "حاليا، يبدو أن تركيا تحقق النتائج التي سعت لتحقيقها، من خلال اتفاقية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موضع (المنطقة الآمنة) التي تريدها، لكن الطريقة التي تم فيها الانسحاب الأمريكي ودبلوماسيتها المترددة الفاشلة، يعنيان أن روسيا وإيران يمكنهما أن تستريحا في الوقت الذي تقلق فيه السعودية وإسرائيل".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "رجائي، وسط هذا الارتباك، هو الإمساك عن الحكم والتظاهر بالوضوح، والأهم من ذلك كله تجنب المزيد من التدخل أو تصعيد نطاق الصراع أو حدته، والسعي لمفاوضات بين الأطراف الإقليمية فقط، وإبقاء الاعتبارات الإنسانية في عين الاعتبار".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
المونيتور: من الذي خذل أكراد سوريا؟
ديلي بيست: هكذا تمهد روسيا للأسد والنهاية الوحشية في سوريا
التايمز: كيف خدم خروج أمريكا غير المنظم من سوريا أعداءها؟