تتجه الاحتجاجات الشعبية الرافضة لتنظيم الانتخابات في الجزائر، إلى التصعيد مع إعلان تكتل نقابي واسع البدء في إضراب عام نهاية الشهر الجاري واعتزام نشطاء الحراك تنظيم أكبر مسيرة تزامنا مع ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية في الفاتح من تشرين الثاني/ نوفمبر.
وبدأت الجزائر تعرف تحركا نقابيا قويا داعما للحراك الشعبي، إذ أعلنت كونفدرالية النقابات المستقلة اعتزامها تنظيم إضراب عام يوم 29 تشرين الأول/ أكتوبر، احتجاجا منها على المسار السياسي الحالي وخنق الحريات النقابية والاعتقالات التي تطال نشطاء الحراك الشعبي ورفضها للإجراءات الاقتصادية التي ستُقرّها الحكومة.
وأبرزت الكونفدرالية التي تجمع 28 تنظيما نقابيا، أنها تدعو لمسيرات يوم الثلاثاء المقبل عبر كافة الولايات، تأكيدا منها على ضرورة "رحيل حكومة بدوي وتشكيلتها غير الشرعية مع رفض استغلال الظروف الحالية لتمرير مشاريع وإصدار قرارات وقوانين مصيرية ترهن مستقبل الأجيال وتمس بالسيادة الوطنية، على غرار قانون المحروقات وقانوني العمل والتقاعد".
دعم سياسي للإضراب
ولم يتأخر الدعم السياسي لفكرة الإضراب العام، فقد أعلنت قوى البديل الديمقراطي سريعا ترحيبها بالفكرة، وأوضحت أنها ستشارك من جهتها في هذا الإضراب، احتجاجا كما قالت على "سلطة الأمر الواقع التي تتعنت عبر القمع والتعتيم الإعلامي لفرض إعادة قيام النظام من خلال محاولة تمرير مهزلة انتخابية ثالثة رغم الرفض الواسع لهذه الرزنامة من طرف الشعب".
وقال رمضان تعزيبت القيادي في حزب العمال وعضو "البديل الديمقراطي"، إن مواصلة النظام لممارساته القمعية وسياساته المدمرة للمكاسب الاقتصادية والاجتماعية رغم الإرادة الشعبية الجامحة في التغيير الجذري، سيؤدي لا محالة إلى إبداع أساليب جديدة في النضال السلمي من أجل تحقيق كافة المطالب الشعبية.
وأبرز تعزيبت في تصريحات لـ "عربي21"، أن قوة الثورة الشعبية التي دخلت شهرها التاسع هي نتيجة لحرمان الأغلبية الساحقة من حقوقهم الأساسية، لذلك يرفض الجزائريون، حسبه، الخضوع لمنطق الذهاب لانتخابات يعرفون مسبقا أنها تهدف لإنقاذ النظام.
وتعليقا منه على من يتخوف من فكرة الإضراب العام، قال النائب المستقيل من البرلمان، إن "من حق العمال والشباب استعمال كل أشكال النضالات السلمية والاضراب وسيلة سياسية بامتياز".
مخاوف من العصيان المدني
ودار في الجزائر نقاش مستفيض حول فكرة العصيان المدني عندما تم طرحها في الأسابيع الأولى للحراك الشعبي، بين من يرفضها بشدة ويعتبرها إدخالا للجزائريين في متاهات هم في غنى عنها وبين من يؤيدها في ظل عجز أسلوب التظاهر عن تحقيق المطالب.
وتنطلق المخاوف من فكرة العصيان المدني من خلفيات تاريخية صاحبت اعتصام حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في أيار/ مايو 1991 احتجاجا على قانون الانتخابات في ذلك الوقت، والذي أدى وقتها إلى صدام دموي مع السلطة.
اقرا أيضا : "لا للانتخابات".. مظاهرات ضد النظام بالجزائر للأسبوع الـ35
لكن ثمة من يرى أن القياس على تجربة التسعينات خاطئ، ذلك أن العصيان المدني له عدة أشكال يمكن لبعضها أن تحقق نتائج لصالح الحراك الشعبي، مثل التزام البيوت لأيام وغلق المحلات مع ترك الخدمة في حد أدنى في القطاعات الحساسة، مما قد يدفع السلطة لمراجعة أمورها وتحقيق مطالب المتظاهرين.
واستبعدت مصادر نقابية تحدثت لـ"عربي 21"، أن يتحول الإضراب العام إلى عصيان مدني، إذ تم تحديد مدة الإضراب مسبقا بيوم واحد في القطاعات العمومية، لكن تبقى كل الخيارات مفتوحة ذات المصادر، في حال استمرّ تعنت السلطة في الاستجابة لمطالب الحراك وفرض إجراءاتها الاقتصادية المرفوضة شعبيا.
رمزية الفاتح نوفمبر
ولم يأت اختيار توقيت الإضراب عبثا، فهو يسبق مظاهرات جمعة الأول من تشرين الثاني / نوفمبر التي يراهن نشطاء في الحراك الشعبي، على جعلها الأكبر بالنظر إلى رمزيتها المتزامنة مع اندلاع الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي سنة 1954.
وتنادى نشطاء إلى جعل جمعة أول نوفمبر، الموجة الثانية من الحراك الشعبي، حتى يستعيد كامل زخمه الذي عرفه في الأسابيع الأولى، ومنهم من دعا إلى المبيت ليلا في الشارع في هذا اليوم تأكيدا منهم على الإصرار على رفض انتخابات السلطة.
لكن هل سينجح فعلا التصعيد في دفع السلطة إلى مراجعة خياراتها؟ هذا السؤال يبدو محوريا لقراءة أي حركة احتجاجية في ظل تمسك رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، بتنظيم الانتخابات التي اعتبرها في أكثر من مناسبة "خيارا لا رجعة فيه"، واصفا من يرفضون الانتخابات بـ"الشرذمة" التي لا تريد الخير للبلاد، على حد وصفه.
تأثير محدود
وفي تقدير نوري دريس أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة سطيف، فإن الإضراب سيكون له تأثير على السلطة، لكن ليس لدرجة أن يحول دون تنظيم الانتخابات.
وأبرز دريس في تصريح لـ"عربي21" أن الأمر مستبعد لسببين، الأول هو أن الاقتصاد الجزائري غير مرتبط بالجهد الانتاجي للعمال، أي أن العمال لا يساهمون في إنتاج الثروة ولهذا قدرتهم التفاوضية وقدرتهم على التأثير على السلطة ضعيفة، فموارد الدولة تتأتى من تصدير المحروقات وهي الموارد التي يساهم في انتاجها نسبة صغيرة جدا من اليد العاملة التي يستبعد ان تنخرط في إضراب بسبب أجورها العالية ونظام العمل الصارم فيها، في حين أن 70 بالمئة من اليد العاملة تشتغل في الادارة ودخولها في اضراب لا يؤثر عل الدولة.
أما السبب الثاني فهو يعود حسب الباحث، إلى ضعف التأطير النقابي، فالنقابة الإدارية يسهل التحكم فيها بل يسهل إلغاء إضرابها من طرف القضاء وتخويف المنخرطين فيها. لذلك يخلص إلى الإضراب العام في المحصلة "قد يخلق نوعا من الإحراج للسلطة ولكن لن يؤثر عليها".
منظمة العفو تندد بـ"مناخ القمع" في الجزائر
تقارب "تركي-جزائري" بخصوص ملف ليبيا.. هل يغير المعادلة؟
محللون: لهذا يمتنع "مولود حمروش" عن إنقاذ النظام