هناك ثلاثة أنواع من البراكين: نشطة لأنها تتفجر وتقذف بالحمم وتسبب الزلازل بفواصل زمنية غير متباعدة، وخاملة لا يكون لها نشاط إلا بفواصل زمنية طويلة، وخامدة أو ميتة أصبحت في ذمة التاريخ بعد أن فقدت عنفوانها وهمدت، وينتج عن الانفجارات البركانية زلازل بركانية متفاوتة القوة استنادا إلى قوة البركان.
الشعوب مثل البراكين
والشعوب كالبراكين فيها النشط، الذي يتفاعل مع القضايا العامة ويثور على اعوجاج الحال وفيها الخامل، الذي لا ينفعل فوريا على نحو محسوس وملموس حتى لو ساءت أموره وأوضاعه، ويكون الخمول الشعبي المتمثل في السكوت على ظلم الحكام، وسوء الأوضاع العامة في غالب الأحوال نتيجة القمع الشديد والتجهيل والتضليل المنهجي، ولكن وبعكس ما هو حادث في عالم البراكين لا يوجد شعب خامد وميت.
وربما يحسب البعض شعب كوريا الشمالية خامدا وميتا، لأنه عاش وما زال يعيش تحت نير حكام باطشين طائشين أفقروا البلاد وأذلُّوا العباد، دون أن يتفجر الغضب الشعبي لتقول الجماهير "تِلت التلاتة كم" (هذه العبارة ثلاثية المفردات في منتهى البلاغة لتصوير مدى القمع الذي يجعل الإنسان عاجزا عن الإجابة على سؤال حسابي في منتهى البساطة، فهي تساؤل يصدر عادة ممَّن يملك القوة الغاشمة الذي يشل وجوده العقل فيعجز عن تقسيم ثلاثة على ثلاثة).
الشعوب كالبراكين فيها النشط، الذي يتفاعل مع القضايا العامة ويثور على اعوجاج الحال وفيها الخامل، الذي لا ينفعل فوريا على نحو محسوس وملموس
هزات بركانية عربية
كانت تلك الفئة التي درج الناس على تسمية من ينتمون إليها بالمراقبين والمحللين السياسيين، تقول إن ما يسمى مجازا بالوطن العربي منطقة براكين شعبية خامدة، ثم انطلقت الحمم البركانية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا في عام 2011، فاهتزت عروش وانهارت عروش، وكما يحدث في عالم الطبيعة، نشأت تضاريس جديدة هنا وهناك، ولكن لم يتشكل عن الحمم البركانية سهل خصب إلا في تونس.
الشعوب قد تنام طويلا ولكنها لا تموت، وها هي العديد من الدول العربية تشهد هزات بركانية ارتدادية، سيؤدي تراكمها وتواليها حتما إلى تشكيل تضاريس جديدة، ولو كانت الشعوب تموت لظل آل حميد الدين في اليمن وآل القذافي في ليبيا يجلسون على كراسٍ ثابتة الأقدام إلى يوم الناس هذا.
شهدت مصر ولبنان والجزائر والعراق في الأشهر الأخيرة هزات خلخلت قشرة الأرض التي يجلس عليها حكامها دون أن تؤدي إلى سقوطهم
والشاهد: قد تبدو الهزات الارتدادية هنا وهناك في العالم العربي ضعيفة وغير كافية لتغيير التضاريس، ولكنها كالنار التي من مستصغر الشرر، تنمو وتكبر وتصهر وتذيب لتشكل الواقع الجديد، فهزة فوق هزة فوق هزة، هي التي ستؤدي إلى التسونامي العربي الذي يكسح ويمسح ويمهد الأرض لغد مختلف أكثر نضارا من حاضر متخلِّف.