تتصاعد حدة الاحتجاجات الإيرانية تنديدا بقرار الحكومة رفع أسعار الوقود ثلاثة أضعاف، والذي أُقر في محاولة لسد
عجز الميزانية المتفاقم، وسط أزمة اقتصادية تمر بها البلاد نتيجة العقوبات
الأمريكية المفروضة عليها.
وكان صندوق
النقد الدولي قد توقع في الـ28 تشرين أول/أكتوبر الماضي أن تشهد إيران عجزا في
ميزانيتها بنسبة 4.5 بالمئة هذا العام، و5.1 بالمئة في العام المقبل، قائلا أنها
ستحتاج إلى "سعر للنفط عند 194.6 دولار للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها
العام المقبل".
وتوقع الصندوق
الدولي أن ينكمش اقتصاد إيران 9.5 بالمئة هذا العام، إضافة إلى هبوط صادرات السلع
والخدمات الإيرانية إلى 60.3 مليار دولار هذا العام من 103.2 مليار دولار العام
الماضي، وأن تشهد مزيدا من التراجع في عام 2020 إلى 55.5 مليار دولار.
الاقتصاد بين
ثلاث سنوات
جاءت توقعات المؤسسة
الدولية بعد حزمة عقوبات صارمة ومتتالية باشرت بها الإدارة الأمريكية عقب انسحابها
من الاتفاق النووي في الـ8 آيار/مايو 2018، بعد قرابة 3 سنوات من إبرام اتفاق
لوزان عام 2015م والذي أنهى أزمة استمرت 12 عاما حول برنامج إيران النووي.
يضاف إلى هذه
التوقعات انهيارا تشهده قيمة العملة الإيرانية (الريال) حيث يبلغ الدولار الواحد
حاليا 42105 ريالا، فيما كان المتوسط السنوي للعملة الإيرانية مقابل الدولار
الواحد 29011.49 ريالا خلال 2015.
اقرأ أيضا: شلل تام.. وإغلاق طرق في المدن الرئيسة في إيران (شاهد)
وكانت صادرات
النفط الإيرانية قد بلغت 2.5 مليون برميل يوميا قبل فرض العقوبات وفق ما ذكرته صحيفة
"أ بي ثي" الإسبانية في الـ17 تشرين الثاني/نوفمبر وترجمته
"عربي 21".
ونتيجة العقوبات هبطت صادرات إيران النفطية كثيرا، فوفق إحصائية نشرتها "ميدل إيست أونلاين"
وصلت لنحو 400 ألف برميل يوميا في أيار/مايو الماضي، بما يقل عن نصف ما كانت عليه في
شهر نيسان/أبريل العام الحالي.
ووفقا لتقرير
نشره مركز الإحصاء الإيراني في حزيران/يونيو وصل الناتج المحلي الإجمالي بالسعر
الثابت لعام 2011 في عام 2018 إلى 713 تريليون ريال إيراني، مع احتساب عائدات
النفط، مما يشير إلى نمو سلبي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.9 بالمئة.
وفي أحدث تقرير
صدر عن المركز الإيراني للإحصاء خلال الـ22 تشرين الأول/أكتوبر فإن تضخم أسعار
المواد الغذائية بالبلاد، في موسم الربيع الماضي، وصل إلى أكثر من 56 بالمئة، بينما بلغ
التضخم في السلع غير الغذائية والخدمات 30 بالمئة.
وكان معدل
التضخم منذ 2013 حتى عام 2018 أقل من 20 في المائة، فيما سجل خلال عامي 2016
و2017، أقل من 10 في المائة، بما يشير إلى ضغط العقوبات والأزمة الاقتصادية على
المواطن الإيراني.
عقوبات واشنطن وأجندات طهران
وحول التدهور الاقتصادي وما أفضى إليه من
مظاهرات، يرى الأكاديمي والمحلل الاقتصادي عماد الدين المصبح بأن "الغضب الشعبي العارم
في إيران بدأ منذ أكثر من عقد من الزمان، حيث شهدت السنوات الماضية مظاهرات توالت
خلال سنوات 2005 و2009 و2017"
وأوضح المصبح خلال حديثه
لـ"عربي21" بأن "الغضب اقتصادي كان يتم مواجهته بالقمع من قبل
النظام الإيراني ويتم تحجيمه ووضعه في سياقات مختلفة، إضافة للتهديد بلغة أيدلوجية
معينة من أجل وقف امتداد هذه المظاهرات".
ويؤكد بأن "الشارع الإيراني بدأ يعاني
من استمرار العقوبات الأمريكية والتي انتقلت من الدرجة المتوسطة إلى الشديدة فأصبحت
خانقة للاقتصاد الإيراني".
ومن وجهة نظره أن "تراجع الأداء
الاقتصادي لإيران وانخفاض موارد ميزانيتها يرجع إلى أنهم دعموا الحركات القامعة
للشعوب العربية ولا سيما في سوريا واليمن، وهذا أثر بشكل كبير جدا على المؤشرات
الاقتصادية الكلية وأثر على نوعية وكمية الخدمات المقدمة إلى المواطن الإيراني".
ويضيف "هذا التصرف من قبل السلطات
الإيرانية لم يترتب عليه نتائج إيجابية، بل فاقم المشكلات في المنطقة، فقمعهم
للثورة السورية لم يؤدي لنتائج جيدة ومساعدتهم للحوثيين في اليمن لم تؤدي إلى
نتائج كما يرغب النظام الإيراني".
كما يشير المصبح إلى "فشل النظام في
تحقيق الوعود التي قدمها للناس بأنه يقوم بتصدير الثورة، والخطاب الأيدلوجي المغلف
لهذه الإجراءات لم يعد مقنعا للشارع الإيراني".
اقرأ أيضا: إندبندنت: مظاهرات إيران قد تتحول لخطر وجودي للنظام
وهناك جانب آخر أثر في اندلاع احتجاجات
إيران بحسب ما يراه الأكاديمي الاقتصادي وهو "ارتداد موجات الربيع العربي والتي
وصلت بقوة إلى إيران عدة مرات ولكنها الآن على أشدها، حيث تأثر الإيرانيون بما جرى
في العراق المجاور لهم".
ويعتبر بأن "ثورة العراقيين تحديدا المتعلقة
بالوضع الاقتصادي المترهل والثورة على الفساد واتهام الفاسدين بأنهم على علاقة مع
النظام الإيراني".
وأردف: "هناك من يقول داخل إيران أنتم
تديرون شبكة من الفساد سواء في لبنان أو العراق أو دول النفوذ الإيراني الأخرى،
وبالتالي أنتم لستم فاسدين فقط عندنا ولكنكم فاسدون على مستوى دولي وبالتالي يجب
أن تتوقفوا عن هذا الفساد وأن تتجهوا اقتصاديا إلى الداخل الإيراني"
ويتابع بأن "شدة العقوبات الأمريكية
تسببت في إغلاق الأبواب الخلفية التي اعتمدتها إيران لتصدير نفطها كتركيا والعراق
وحتى الصين" مؤكدا أن هذه الدول باتت الآن ملتزمة بالعقوبات الأمريكية على
إيران.
ومن جانبه، يرى الأكاديمي الاقتصادي شهاب
الدليمي بأن "الولايات المتحدة نجحت في الابتعاد عن مواجهة إيران عسكريا،
وبدأت بتكبيل نفوذها في المنطقة عبر الاحتجاجات التي خرجت ضد أذرعها في لبنان
والعراق ووصلت إلى إيران مؤخرا".
ويؤكد الدليمي خلال حديثه لـ"عربي21"
بأن "النقمة على النظام الإيراني كانت بسبب تسلطه الواضح في العراق، وأن شعوب
المنطقة باتت تكن له العداء نظرا لما لعبه من دور قمعي ضدها".
وأيد الدليمي وجهة النظر القائلة بأن
"العقوبات الأمريكية تسببت في إفقار الشعب الإيراني، ما أدى لتأجيج الوضع
الداخلي وإشعال الاحتجاجات في وجه النظام".
4 سيناريوهات.. تقرير بريطاني يستشرف مشهد العراق في 2020
إيران والقوى الموالية لها محظورة في ساحة التحرير ببغداد (شاهد)
الاحتجاجات تعصف ببغداد وبيروت.. وأقدام إيران تترسخ