نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للكاتب سكوت أتران، يقول فيه إنه عندما كان تنظيم الدولة في ذروة قوته عام 2014، اعترف مدير المخابرات الأمريكية، جيمس كلابر، بأن أمريكا استخفت باستعداده للقتال.
وينقل أتران في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، عن كلابر، قوله لـ"واشنطن بوست": "قللنا من تقدير الفيتكونغ والفيتناميين الشماليين وبالغنا في تقديرنا لإرادة الفيتناميين الجنوبيين.. وفي هذه الحالة استخففنا بتنظيم الدولة وبالغنا في الإمكانيات القتالية للجيش العراقي.. فالأمر يعود لإمكانية التنبؤ بالإرادة القتالية، وهو ما يصعب تقديره".
ويقول الكاتب إن "العلماء وصناع القرار سعوا لفترة طويلة لتحديد ما يدفع الناس نحو القتال عندما يقع أمر مهم، وأن يبذلوا حياتهم لأجل قضية ما إن تطلب الأمر ذلك، وفشلت التفسيرات التقليدية التي تركز على نظرية الاختيار المنطقي، أو على التشوهات العقلية، لإيضاح المحفزات التي تحرك المتطرفين في حركات التمرد".
ويستدرك أتران بأن "كلابر كان مخطئا في قوله إن الإرادة القتالية صعبة القياس، ففي الحقيقة من الممكن توقع من لديه استعداد للقتال والموت بناء على مجموعة من العوامل الثقافية والسيكولوجية، وأظهرت الأبحاث أن الناس يقاتلون عندما يتم تهديد القيم المقدسة لديهم، تلك هي القيم التي تعرف هويتهم ولذلك لا يمكن التنازل عنها".
ويشير الباحث إلى أنه "في سلسلة من الدراسات السلوكية لمقاتلين في العراق، وصور للدماغ لأشخاص يعرفون أنفسهم بأنهم متطرفون في إسبانيا، توصلت فرق البحث، التي كنت جزء منها في مركز دراسات آرتيز في جامعة أكسفورد، وغيرها من الجامعات المشاركة، إلى أن الأشخاص الأكثر استعدادا للتضحية الكبيرة، بما في ذلك القتال والموت، تحفزهم قيم مقدسة ويتخلون عن التفكير التداولي، والأهم بالنسبة لصناع القرار الذين يسعون لمنع التطرف وجدنا أن الاستثناء والتهميش يزيدان من أهمية القيم المقدسة، وجعل حتى القيم غير المقدسة تشبه القيم المقدسة، ما يزيد من استعداد الناس للقتال والموت لأجل تلك القيم".
ويجد أتران أنه "بالرغم من المصطلح، فإن القيم المقدسة ليست بالضرورة قيما مذكورة في كتب مقدسة، وقد يكون مصدرها بلدا أو دينا أو عائلة، أي قيمة شخصية أو جمعية تعرف الهوية، وكانت دراسات سابقة ركزت على الشعوب الأصلية في امريكا الشمالية وشعوب المايا والفلسطينيين والإسرائيليين قد استنتجت أن من الصعب التفاوض على القيم المقدسة، حيث التكلفة والتداعيات والمخاطر والمكافآت -المحفزات كلها التي تعتمد عليها النظرية الاقتصادية والسياسية- لا تبدو مهمة عندما يتعلق الأمر بالقيم المقدسة".
ويلفت الكاتب إلى أن "لدى معظم الناس قيما مقدسة، لكنهم لا يدركونها إلا عندما تصبح تلك القيم مهددة، ويرى الناس أن قيمهم المقدسة غير قابلة للتغيير، ويجدون أنهم مستعدون للتعاون دون شروط مع الناس الذين يشاركونهم تلك القيم والوقوع في صراع بالسهولة ذاتها مع اولئك الذين يختلفون معهم".
ويبين أتران أنه "من أجل اختبار العلاقة بين القيم المقدسة والعنف، فإن الباحثين قاموا بمقابلة واستطلاع آراء مقاتلي تنظيم الدولة المعتقلين، بالإضافة إلى مقاتلين من حزب العمال الكردستاني والجيش العراقي والمليشيات السنية العربية، وغيرهم بين عامي 2015 و2016، وطلبوا من أولئك المقاتلين تحديد قيمهم المهمة، وقاموا بتحديد الأهمية النسبية لكل قيمة بسؤال المقاتلين إن كان لديهم استعداد لمقايضتها بفوائد مادية، وصنفت القيم التي يرفض قبول أي ثمن مادي مقابلها بأنها قيم مقدسة".
وينوه الباحث إلى أن "الباحثين وجدوا أن مقاتلي تنظيم الدولة والمقاتلين الأكراد من حزب العمال الكردستاني، الذي تعده أمريكا منظمة إرهابية، كانوا أكثر احتمالا لاعتبار القضية التي يقاتلون من أجلها مقدسة من الجنود في الجيش العراقي والمليشيات السنية العربية، كما أظهر المقاتلون من تنظيم الدولة والمقاتلون الأكراد أكثر استعدادا للقتال من غيرهم من المتشددين، حتى أن بعضهم قالوا إن لديهم استعدادا أن يتركوا عائلاتهم في خطر للدفاع عن قضاياهم المقدسة، وهي تضحية مؤلمة لاحظوا أن البعض يقوم بها خلال عملية البحث".
ويفيد أتران بأنه "بالنسبة لمقاتلي تنظيم الدولة والمقاتلين الأكراد، كانت القوة الروحية أهم من القوة المادية، مثل عدد المقاتلين أو أسلحتهم، وأعرب المقاتلون عن استعدادهم لدخول الميدان مع علمهم أن العدو أكثر تسلحا، لأنهم يعتقدون بقدسية قضيتهم، وهذه الحسابات ليست منطقية، لكنها ناتجة عن شعور مترسخ بالواجب، يشبه الحدس، وقد قال مقاتل كردي بخصوص تنظيم الدولة: (إنهم ضعفاء الآن لأنهم استخدموا إمكانياتهم كلها، لكن مقاتليهم لا يتراجعون حتى لو خسروا المعركة)".
ويشير الكاتب إلى أنه بعد الكشف عن العلاقة بين القيم المقدسة والاستعداد للقتال، سعى الباحثون لتحديد ما إذا كانت القدسية مرنة: فهل يمكن لقيمة ألا تكون مقدسة اليوم وتصبح مقدسة في اليوم التالي، أو العكس؟ وبالنظر إلى العلاقة بين القيم المقدسة والعنف، فإن إمكانية تحريك حدود القدسية قد تكون مفيدة جدا، وكانت دراسات سابقة أشارت إلى أن الاستثناء يزيد من التصرف المتطرف ويزيد من خطر التطرف، ولذلك صمموا دراسة لاختبار ما إذا كان الاستثناء قد يقوي تمسك الناس بقيمهم المقدسة، أو حتى يتسبب بأن يمنحوا قدسية لقيم لم تكن مقدسة سابقا، وكانت تجربة اجتماعية من مرحلتين، التي وافق المشاركون فيها -38 رجلا يعيشون في برشلونة في إسبانيا، أبدوا استعدادهم للقيام بأعمال عنيفة مرتبطة بالجهادية- على الإجابة على أسئلة، ويلعبون لعبة كرة افتراضية، ويسمحون بتصوير الدماغ".
ويلفت أتران إلى أنه "في المرحلة الأولى سأل الباحثون المشاركين عن قدسية قيمهم، وتم ترتيب تلك القيم بحسب استعداد المشاركين التخلي عنها مقابل مكسب مادي، والقيم التي قاموا بترتيبها تراوحت بين منع نشر الرسومات المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى منع زواج المثليين، إلى الحاجة لأن تلبس النساء الحجاب، واعتبر معظم المشاركين منع نشر الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومنع الزيجات المثلية بأنها قيم مقدسة، وقليل منهم شعر بالشيء ذاته بخصوص ارتداء النساء للحجاب".
وينوه الباحث إلى أنه "في المرحلة الثانية من الدراسة قام المشاركون بلعب كرة افتراضية ضد لاعبين بأسماء إسبانية، وخلال اللعبة تم استثناء نصف المشاركين بشكل مفاجئ، وبعد اللعبة أجاب المشاركون جميعهم عن مدى استعدادهم للقتال لأجل القيم التي تم نقاشها، وتم تصوير أدمغتهم في الوقت ذاته، وعندما تم سؤالهم حول القيم المقدسة أظهر المشاركون كلهم نشاطا زائدا في التلفيف الجبهي السفلي في الشق الأيسر، وهي منطقة في الدماغ مسؤولة عن التفكير اللامنطقي، وكل ممن سمح له بإكمال اللعب ومن استثني منه عبروا عن استعداد أكبر للموت لأجل القيم المقدسة، مقارنة مع القيم غير المقدسة، ما يشير إلى أن حساب الربح والخسارة التقليدي لم يكن خلف ردود فعلهم، وعندما تم سؤال المشاركين عن القيم غير المقدسة أظهرت الصور أن رد الفعل أقل سرعة وأكثر تفكيرا".
ويستدرك أتران بأن "فروقا واضحة ظهرت بين المجموعة التي تم استثناؤها من اللعب وتلك التي سمح لها بالاستمرار في اللعب، فعندما سئل المشاركون المستثنون حول القيم المقدسة، فإن نشاط التلفيف الجبهي السفلي في الشق الأيسر ارتفع أكثر من النشاط ذاته لدى المجموعة التي سمح لها بالاستمرار في اللعب، وما هو أكثر إثارة هو أن القيم غير المقدسة ولدت نشاطا في التلفيف الجبهي السفلي في الشق الأيسر شبيها بالقيم المقدسة لدى المجموعة المستثناة، وأعربوا ايضا عن استعداد أكبر للقتال والموت لأجل تلك القيم، أي أن الاستثناء الاجتماعي على ما يبدو يتسبب بجعل القيم غير المقدسة قيما مقدسة من ناحية النشاط الدماغي ومن ناحية الاستعداد للموت دفاعا عنها".
ويجد الكاتب أنه "من خلال إزالة الغموض حول إرادة القتال يجب أن يساعد البحث أمريكا على ألا تستخف بحركات التمرد ذات الدوافع القوية في المستقبل، لكن أهم النتائج العملية التي توصل إليها الباحثون تتعلق بجهود منع التطرف، فمعظم الدول الغربية تبنت برامج لتمنع التطرف، وتقوم تلك البرامج على النقاش المنطقي، لكن كما أظهرت دراستنا وتصوير الدماغ فإن الأشخاص الذين تحركهم القيم المقدسة في الغالب سيقاومون منطق الربح والخسارة، وبدلا من منع التطرف فإن السياسات (المنطقية) قد تفهم على أنها غير أخلاقية، ويكون أثرها عكسيا وتزيد من تمسك المتطرفين بالقيم المقدسة".
ويرى أتران أنه "بدلا من تحدي تلك القيم المقدسة فإن من الأفضل لمن يريدون منع التطرف أن يقروا بتلك القيم في الوقت الذي يقدمون فيه في الوقت ذاته تفسير بديل لها، وقد نجح بعض الدعاة السلفيين من إقناع أشخاص بأن يتراجعوا عن القيام بعمليات انتحارية بعد أن كانوا ينوون ذلك، مستخدمين حجج القرآن ضد العنف وإيضاح كيف يمكن الدفاع عن الإسلام، وهذه الاستراتيجية تحتاج إلى تفاعل عميق مع وجود شبكات اجتماعية حقيقية وليس مجرد أفكار".
ويختم الباحث مقاله بالقول: "لكن أفضل طريقة لمكافحة الإرهاب هي من خلال منع المزيد من القيم الخطيرة من أن تصبح مقدسة أصلا، وهذا يتطلب مكافحة الاستثناء الاجتماعي، الذي تعاني منه مجتمعات ضعيفة في أوروبا وأمريكا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
لوبلوغ: بعد البغدادي لماذا نسي الإعلام "الحرب على الإرهاب"؟
التايمز: شركات روسية تنظم رحلات لسوريا وتعد بتجربة مختلفة
واشنطن بوست: ما هي خطة ترامب القادمة في سوريا؟