يرحل الطواغيت عن كراسي الحكم قسرا أو بأمر ملك الموت، ولكن الجراثيم التي غرسوها خلال سنوات حكمهم في أجسام بلدانهم، تظل سارية المفعول لآماد طويلة، فأدولف هتلر صعد إلى كرسي المستشارية في ألمانيا في عام 1933، وبعد ذلك بست سنوات كان قد ملّ حكم بلد واحد، وشرع في تحقيق طموحه بإخضاع أوروبا وأجزاء من آسيا وإفريقيا لحكمه، فأشعل الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة بلاده وانقسامها إلى دولتين: شرقية تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، وغربية تتحكم فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون.
ستالين وبري وصدام حسين
كثيرون يلقون تبعة تفكيك الاتحاد السوفييتي ـ مدحا أو قدحا ـ على آخر رؤسائها ميخائيل غورباتشوف، في حين أن من كتب نعي الدولة السوفييتية هو جوزيف ستالين، الذي حكمها لثلاثين سنة متصلة، أذاق فيها الشعب شتى صنوف الهوان والترويع والتجويع، وبعد أن حل نيكيتا خروتشوف على كرسي الرئاسة في موسكو شرع ومن خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي (1956)، في تفكيك إرث ستالين، والتبرؤ من أساليبه في الحكم، ولكن الستالينية بقيت سوسا ينخر في جسم الاتحاد السوفييتي، وهياكل وممارسات العديد من الأحزاب الشيوعية في مختلف القارات، حتى كانت "القاضية" بتفكك منظومة الدول الاشتراكية تماما في عام 1990.
صارت حلايب التي ظل السودان يدير شؤونها طوال نصف قرن باعتبار أنها جزء من أرضه، صارت مصرية بالكامل، منذ فشل محاولة اغتيال جماعة البشير لحسني مبارك في عام 1997، وكان سكوت البشير عن تمصير حلايب ثمنا لسكوت مصر عن تلك الجريمة.
البشير على خطى ستالين
عمر البشير حكم السودان نفس عدد السنوات (30) التي حكم فيها ستالين الدولة السوفييتية، وكما أن ستالين استخدم الماركسية لتبرير أعماله الوحشية، فقد استغل البشير الإسلام لإشباع ميوله النرجسية، وارتكب كل فعل يخالف الإسلام لتعزيز حكمه، فتسبب في مقتلة دامت خمس عشرة سنة في جنوب السودان، ثم قبل بفصله عن السودان ورقص لذلك طربا، وبموازاة ذلك شن حربا وحشية على أهل دارفور، وها بعضهم اليوم وبعد رحيله يطالبون بتقرير المصير لخوفهم من ورثة عرش البشير.
سودان ما بعد البشير سيظل يدفع ثمن شطحه ونطحه لسنوات طويلة مقبلة، وسافر رئيس وزراء السودان الجديد إلى الولايات المتحدة مرتين خلال شهرين على أمل إقناع الحكومة الأمريكية برفع اسم بلاده من قائمة الدول الراعية للإرهاب، من منطلق أن البلد لم يعد تحت قبضة رعاة الإرهاب الذين فتحوا البلاد لتنظيم القاعدة، واحتضنوا الجهاديين المصريين ورتبوا معهم لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في عام 1997، ثم أتوا بكارلوس (ابن آوى) ليعلمهم الرماية، ولما انكشف أمر استضافتهم له باعوه لفرنسا ببضعة ملايين من الدولارات، ومن منطلق أن الشعب الذي كان ضحية الإرهاب الممنهج من قبل عصبة البشير، هب من غفوته وينشد العودة إلى المجتمع الدولي كعضو معافى من الشبهات.
سودان ما بعد البشير سيظل يدفع ثمن شطحه ونطحه لسنوات طويلة مقبلة،