في الوقت الذي تتزايد فيه سيطرة
الجيش على الاقتصاد
المصري منذ انقلاب 2013، عاود رئيس الانقلاب، عبدالفتاح
السيسي، تأكيده الأربعاء على
طرح شركات الجيش في
البورصة.
السيسي بافتتاحه مشروعات زراعية بالفيوم (جنوبا)، أكد أن شركات الجيش ستطرح بالبورصة، موضحا أن الشركات ستكون موجودة أمام
كل المصريين، وليس القطاع الخاص فقط، وذلك للمرة الثانية منذ كشفه عن ذلك التوجه لأول
مرة في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
خبراء أكدوا لـ"عربي21" أن توجه السيسي يقابله
مشاكل إدارية وقانونية عديدة لن تسمح بتنفيذه قبل عامين، إلى جانب ما تعانيه البورصة
المصرية من تراجع متواصل لأشهر ماضية، وسط شح السيولة، وعزوف المستثمرين، وعدم رواج
طروحات الحكومة لنحو 23 شركة حكومية، وتأجيلها عدة مرات.
"خداع
سياسي"
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالحافظ
الصاوي: "قبل الحديث عن قضية طرح شركات الجيش بالبورصة، هناك أمور كثيرة تحتاج
للشفافية؛ منها الوضع المالي للجيش بشكل عام من حيث عدد شركاته، وحجم رأسماله في الشركات الاقتصادية المدنية، وطبيعة
دفعه للضرائب والجمارك، وما يتعلق بالقوى العاملة بمشروعاتها ورواتبها".
الباحث الاقتصادي أكد لـ"عربي21" أن هذا
ضروري عند حدوث عمليات تقييم الأصول الرأسمالية للشركات قبل طرحها، مضيفا: "أي
شركة ما مملوكة للجيش يتم طرحها يجب تقييم الأصول الرأسمالية من الأراضي، وخطوط الإنتاج،
والعمالة، والمرتبات، ورصيدها بالبنوك، وحجم مديونياتها".
وأوضح أنه "إذا كانت شركات الأعمال العام لها
ميزانيات منشورة وموجودة بالجهاز المركزي للمحاسبات، ومع ذلك تواجه مشكلات بعملية إعادة
تقييم طرحها بالبورصة؛ فما بالك بشركات الجيش التي تفتقد لهذه الشفافية، لذا فالأمر
يحتاج لكثير من الوقت".
وأشار الصاوي إلى أن "هذا يتناقض مع سلوك الجيش؛
ففي الوقت الذي يطرح مجموعة شركات بالبورصة إن صح زعم السيسي، فالجيش يتوسع بالحياة
الاقتصادية المدنية باستحواذه على المشروعات، وإنشاء شركات جديدة كالأسمنت، ومزارع الأسماك،
والاستحواذ على تجارة سلع رئيسية، كألبان الأطفال، والأدوية، وغيرها من السلع والخدمات".
وختم بقوله: "هذا نوع من أنواع الخداع السياسي،
والمعالجات الإعلامية التي يحاول الانقلاب تحسين وجهه بها".
"مشاكل
إدارية"
ويعتقد الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد ذكرالله، أن
فكرة طرح الجيش شركاته بالبورصة هي "نتيجة ضغط صندوق النقد الدولي على السلطة؛ لإعطاء القطاع الخاص مساحة أكبر بالنشاط الاقتصادي، في مقابل تزايد استبدال القطاع
العام، وإحلال شركات الجيش محلها منذ 2014".
الأكاديمي المصري أضاف لـ"عربي21" أن هذا
"يتنافى مع وصفة صندوق النقد الدولي، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتبناه مع
الدول؛ وبالتالي كان واضحا أن طرح شركات الجيش للخصخصة أحد مخارج السلطة للتوافق مع
الصندوق بشأن القرض والاتفاقية الجديدين".
ويرى ذكرالله أن هذا الطرح يقابله مشكلتان إداريتان
"أولا: آلية الطرح بسوق المال وقوانين السوق، فأي شركة لكي تُدرج بالبوصة لا بد
لها من نشر ميزانيتين لآخر سنتين،" موضحا أنه "وبالطبع لا توجد ميزانية منشورة
لشركات الجيش، وبالتالي حتى وإن تم النشر، فأمامها عامان ماليان كاملان لكي يتم طرح
أول شركة بالبورصة".
وأكد أن المشكلة الثانية هي "خضوع شركات الجيش
لبعض القوانين الخاصة، وبالتالي قوانين المنافسة لا تنطبق عليها بصورة كبيرة، ونستطيع
القول إنها شبه احتكارية، وهذا يتنافى مع قواعد العمل بالبورصة".
وقال الخبير المصري إن هناك جزءا يتعلق بعملية الطرح
نفسه، "حيث تعاني البورصة مشاكل عديدة، بينها شح السيولة بالنصف الثاني من 2019،
ما أدى لتراجع السوق ستة أشهر كاملة، وفقدان المؤشر لنقاط مقاومة كثيرة".
ولفت إلى أنه "حتى لو تم الطرح؛ فلا يوجد بالأساس
مستثمرون، ومن هم على استعداد لدخول السوق في ظل التوترات المالية العالمية، وأزمة
الاقتصاديات الناشئة، والأزمة التجارية بين الصين وأمريكا، وإن بدا بها بعض الحلحلة؛
فجميعها أثرت سلبيا على سوق المال المصرية".
وأشار ذكرالله إلى وجود إشكالية أخرى "تتعلق بآلية
تسعير السهم لشركات القطاع العام وليس للجيش فقط؛ فالحكومة اتخذت قرارا غريبا بتسعير
السهم على أساس متوسط سعره بالشهر الأخير، وهو المنخفض بشدة، ولا يعبر عن قيمته الحقيقة".
وأوضح أن هذه الآلية يشوبها "كثير من أوجه الفساد،
ويجب العودة للآليات الأخرى، وإعطاء الشركات لمثمنين حقيقيين يستطيعون إعطاء قيم حقيقية
سوقية لها".
الخبير الاقتصادي أشار إلى أن "تأثير حالة الاستبداد
السياسي على مناخ الاستثمار مع مشكلات السيولة، وانغلاق الأفق، والتوترات الاجتماعية، وتفشي ظاهرة الفقر، والاقتتال في سيناء، تجعل المستثمر الأجنبي يفكر قبل دخول السوق
المصرية لاستثمار حقيقي وشراء مصانع وخلافه".
ولفت إلى أزمة "انصياع السلطة القضائية بالكامل
لرغبات السلطة التنفيذية"، مؤكدا أن "المستثمر الأجنبي يفكر بهذه العقلية
ويقول: من يضمن أموالي حال تقلب أهواء السلطة وحدوث مشكلة مع جهة سيادية، فقد ينقلب
الحال ويتجاوز الأمر ضياع الأموال إلى ضياع الشخص نفسه".
"بيع ما تبقى من مصر"
وأشار الأكاديمي الدكتور عادل دوبان، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى أن برنامج الطروحات الحكومية يتعثر، فبعد بيع حصة بالشركة "الشرقية للدخان"،
عرضت بيع "أبوقير للأسمدة" و"الإسكندرية للحاويات"، وفشل تسويقهما،
كما تفكر بتصفية مصانع "الحديد والصلب".
وتوقع أن "يتم طرح شركات الجيش بالبورصة للمستثمر
العربي والأجنبي"، معتبرا أن تلك الخطوة تأتي لشراء ما تبقى من مصر.