نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمراسلها لشؤون الأمن القومي، ديفيد سانغر، يقول فيه إن الرئيس دونالد ترامب دخل العام الجديد وهو يواجه إشعال أزمتين طويلتين مع عدوين قديمين -إيران وكوريا الشمالية- اللتين تتحديان ادعاءاته بأنه قام بإعادة تأكيد سلطة أمريكا حول العالم.
ويقول سانغر في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "في الوقت الذي بدا فيه الهجوم المدعوم من إيران على السفارة الأمريكية في بغداد تحت السيطرة، إلا أنه تناغم مع المخاوف التي يحملها ترامب لفترة طويلة، وهي أن الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط أهداف سهلة، ومع موقفه لفترة طويلة بأنه يجب على أمريكا الانسحاب من المنطقة".
ويشير الكاتب إلى أنه "في كوريا الشمالية يبدو أن إعلان كيم جونغ أون يوم الأربعاء بأن العالم (سيشهد سلاحا استراتيجيا جديدا) نهاية لتجربة دامت 18 شهرا، اعتقد ترامب خلالها بأن قوة شخصيته -ووعوده الغامضة بالتنمية الاقتصادية- ستمحو مشكلة عانى منها 12 رئيسا أمريكيا سبقوه".
ويرى سانغر أن "توقيت هذه التحديات حساس: فيبدو أن كلا من الكوريين الشماليين والإيرانيين يشعرون بضعف موقف الرئيس وهو مهدد بالمحاكمة ويواجه انتخابات جديدة، لدرجة أنهم يلعبون هذه الأوراق بشكل يفتقر للبراعة".
ويلفت الكاتب إلى أن "الاحتجاجات في العراق هدأت يوم الأربعاء، فيما كشف كيم عن آخر (سلاح استراتيجي)، لكن أحداث الأيام الأخيرة أظهرت مدى فراغ تبجح ترامب قبل عام بأن إيران أصبحت (بلد مختلفة جدا) منذ أن حطم اقتصادها بخنق دخلها من النفط، بالإضافة إلى أنها تكذب تغريدته المشهورة: (لم يعد هناك تهديد نووي من كوريا الشمالية)".
ويقول سانغر: "إن كنا متسامحين فيمكننا وصف تلك البيانات بأنها سابقة لأوانها، ويرى كثير من خبراء السياسة الخارجية بأنه أساء تقدير ردود فعل العدوين الرئيسيين لأمريكا، فلا تبدو أي منهما وكأنها تخشاه، وهو بالذات الانتقاد الذي وجهه ضد باراك أوباما عندما أعلن ترامب أن أشد التحديات للأمن القومي الأمريكي سيتم حلها عندما يكون هناك رئيس في البيت الأبيض يحترمه العالم".
ويجد الكاتب أن "لب المشكلة قد يكون هو قناعة ترامب بأن المحفزات الاقتصادية -الأرباح من النفط في طهران واحتمال الاستثمار وفنادق فاخرة على شواطئ كوريا الشمالية- ستغطي على المصالح القومية الأخرى للبلدين كلها".
وينوه سانغر إلى أن "ترامب أهمل تصميم إيران على أن تعيد تأسيس نفسها على أنها القوة الأكبر في المنطقة، وأهمل قناعة كيم بأن ترسانته النووية هي الضمان الوحيد لبقاء آخر نظام ستاليني تسيطر عليه عائلة".
وتنقل الصحيفة عن رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ريتشارد هاس، قوله يوم الثلاثاء، إن الرئيس ترامب "وبعد ثلاث سنوات من عدم وجود أزمات دولية.. يواجه اليوم واحدة مع إيران؛ لأنه رفض الدبلوماسية، وأخرى مع كوريا الشمالية؛ لأنه طالب بالكثير من الدبلوماسية"، وأضاف: "لم يتبن ترامب في أي من الحالتين الدبلوماسية التقليدية، حيث يعرض اتفاقا جزئيا أو مؤقتا تتم فيه مقابلة درجة من ضبط النفس بدرجة من تخفيف العقوبات".
ويشير الكاتب إلى أن "ترامب لا يدخل في مثل هذه النقاشات، لكنه ببساطة يكرر شعار أنه لن يسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي، وأن كوريا الشمالية، التي تمتلك ما يكفي من الوقود لأكثر من 40 قنبلة نووية وأنتجت كثيرا منها خلال حكم ترامب، التزمت بنزع تام للأسلحة النووية، وحتى إن كان ذلك يزيد على ما يصرح به كيم".
ويقول سانغر: "أما كبار المسؤولين الأمنيين لديه، ابتداء من وزير الخارجية، مايك بومبيو، فيقدمون رأيا أكثر دقة، حيث يقولون إن إيران ومع مرور الوقت ستدرك إنه ليس أمامها إلا أن تغير من أسلوبها، ويعبرون عن تفاؤلهم بأن (الرئيس كيم سيتخذ القرار الصائب ويختار السلام والازدهار على الصراع والحرب)".
ويستدرك الكاتب بأنه "مثل هذا الكلام يصبح بشكل متزايد تعليق آمال أكثر منه استراتيجية، وهذه هي المشكلة الرئيسية لترامب مع دخوله عام 2020، وهي أنه ليست لديه خطة شاملة لتوحيد حلفاء أمريكا في مسار عمل موحد".
ويرى سانغر أن "غياب سياسة موحدة هو مؤذ جدا، خاصة بالنسبة للتعامل مع إيران، فعندما انسحب ترامب من الاتفاقية النووية لعام 2015، وأعلن أنها عمل دبلوماسي (سيئ) من فترة أوباما؛ لأنها لم تضع قيودا دائمة على إمكانية إيران في إنتاج الوقود النووي، كان مستشاروه متأكدين أن أوروبا والصين وروسيا ستحذو حذوه، لكنها لم تفعل".
ويلفت الكاتب إلى أن "أوروبا فشلت في جهودها لموازنة العقوبات الأمريكية على إيران، لكنها لا تزال تصر على أن الاتفاقية لا تزال جارية، بالرغم من أن كلا من طهران وواشنطن تنتهكان جوانب رئيسية فيها".
وينوه سانغر إلى أن "روسيا والصين اتخذتا الخطوة التالية، فقامتا بمناورات عسكرية بحرية مشتركة مع إيران في خليج عمان، ولم تكن تلك المناورات مهمة عسكريا، ولدى الدول الثلاث خلافات كثيرة، لكن بالنسبة للإيرانيين فإن المناورات كانت إشارة إلى وجود دولتين نوويتين عظميين إلى جانبها".
وتذكر الصحيفة أن صحيفة "فايننشال تايمز" نقلت عن الأدميرال غلام رضا طحاني من إيران، إعلانه أن "أهم إنجاز لهذه المناورات" هو الرسالة بأنه "لا يمكن عزل الجمهورية الإسلامية".
ويجد الكاتب أن "من المستحيل أن تثمر استراتيجية إدارة ترامب: فبومبيو يحاول فعل كل شيء مؤخرا للتعبير عن دعمه للإيرانيين الذين قاموا بمظاهرات في بلدهم، لكن تاريخ المظاهرات السابقة -مثلا عام 2009- لا يوفر أملا كبيرا بأنها تهدد الحكومة، ويبدو أن مئات المتظاهرين قتلوا على أيدي عناصر الأمن الداخلي هذه المرة".
ويقول سانغر إن "لدى الإيرانيين شعورا جيدا بأن حملات (الضغط الأقصى) سلاح ذو حدين، فهم عرضة لمنع تدفع النفط، لكن أمريكا عرضة لهجمات علنية على جنودها وناقلات نفطها".
ويرى الكاتب أن "الهجوم على الجدران الخارجية للسفارة الأمريكية في بغداد، وحتى لو كانت مدته قصيرة، كان يقصد منه تخويف مساعدي ترامب السياسيين، الذين يتذكرون جيدا أزمة الرهائن التي أدت إلى خسارة الرئيس جيمي كارتر للانتخابات الرئاسية قبل 40 عاما، وفي الأشهر الأخيرة، قامت إيران بشن هجمات كانت تنسحب بعدها، بما في ذلك الهجمات على ناقلات النفط وعلى الطائرة الأمريكية المسيرة ومنشآت النفط السعودية".
ويقول سانغر إن "الإيرانيين كانوا واضحين فيما يجب على ترامب فعله إن هو أراد العودة للمفاوضات: وهو العودة إلى الاتفاقية التي وقعت مع أوباما برفع العقوبات التي فرضها ترامب منذ أيار/ مايو 2018، وهناك مؤشرات على أن ترامب حريص على استئناف المفاوضات، بما في ذلك جهوده لاستدراج الرئيس حسن روحاني للهاتف عندما كان الرئيس الإيراني في نيويورك في أيلول/ سبتمبر لحضور اجتماع الأمم المتحدة".
ويؤكد الكاتب أن "المبادرات الدبلوماسية ستستمر دون شك في السر، لكن الإيرانيين وجدوا إمكانية جديدة لهم، مكنتهم من تحويل المظاهرات ضد النظام إلى مظاهرات ضد أمريكا في العراق، وبصبغة إيرانية، حيث تردد شعار (الموت لأمريكا) في الشوارع".
ويشير سانغر إلى أن ترامب قام يوم الثلاثاء بإحياء نقطة حوار قديمة، مؤكدا أنه لا يريد حربا، ومحذرا إيران من أن أي صراع "لن يدوم طويلا".
ويعتقد الكاتب أن "كوريا الشمالية تمثل مشكلة أكبر؛ لأن ترامب بدأ بعملية دبلوماسية جريئة مع كيم، فبكسره القالب القديم، وموافقته على اللقاء بالزعيم الكوري الشمالي وجها لوجه سيكون هو أول رئيس أمريكي يفعل ذلك منذ الحرب الكورية".
ويستدرك سانغر بأنه "وقع في أخطاء رئيسية، فقد فشل في الحصول على تجميد للأنشطة النووية لكوريا الشمالية مقابل الاجتماع، ما يعني أن برنامج البلد النووي والصاروخي بقي ماضيا في مساره".
ويفيد الكاتب بأن "فريق ترامب المنقسم على نفسه لم يستطيع الرجوع من الزاوية التي صنعها الرئيس بوعده ألا تخفيف للعقوبات حتى يتم تفكيك الترسانة، وقام ترامب بإلغاء المناورات المشتركة مع كوريا الجنوبية، بالرغم من معارضة البنتاغون، لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لكيم".
ويقول سانغر إن "ترامب ربما كان يعتمد على العلاقة الشخصية التي أقامها مع كيم، وأنه بالغ في تفسير الالتزامات التي تلقاها من زعيم كوريا الشمالية الشاب المراوغ".
ويلفت الكاتب إلى أن "ذلك يستمر، فخلال مؤتمر صحافي ليلة رأس السنة في منتجعه في مار- إي-لاغو، ركز الرئيس على تلك العلاقة، وكأن إعلان كيم بأنه لم يعد مرتبطا بأي التزامات بالتوقف عن تجارب الأسلحة النووية والصواريخ غير موجود، وقال ترامب: (إنه يحبني وأحبه ونتوافق معا.. هو يمثل بلده وأنا أمثل بلدي، وعلينا أن نفعل ما علينا فعله)".
وينوه سانغر إلى أنه "عرض الاتفاقية التي توصل اليها مع كيم خلال اجتماعه في سنغافورة في حزيران/ يونيو 2018، واصفا إياها وكأنها كانت صفقة عقارات، لكنه (وقع العقد)، في إشارة من ترامب إلى إعلان المبادئ الغامض الذي اتفقا عليه، وفي الواقع فإنه لم يكن عقدا، وليست فيه بنود ملزمة، وأشار إلى (نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية)، وذلك قد يعني شيئا مختلفا تماما لبيونغ يانغ عما يعنيه لواشنطن: وهو يعني أن الشمال يتوقع من أمريكا أن تسحب قواتها المدعومة بالأسلحة النووية، بما في ذلك الغواصات والسفن التي يمكنها إيصال تلك الأسلحة لشبه الجزيرة".
ويقول الكاتب إنه "لذلك فإن ترامب يجد نفسه الآن في انتظار اختبار صاروخ جديد، وقد يكون صاروخا يعمل على الوقود الصلب، بحسب بعض الخبراء، ليظهر أن كوريا الشمالية استطاعت أخيرا الوصول إلى سلاح يمكن إنتاجه وإطلاقه دون تحذير، وقد يحمل الصاروخ رأسا يثبت أن البلد أصبحت تستطيع صناعة رأس حربي قادر على تحمل دخول الغلاف الجوي ثانية، وهي تكنولوجيا صعبة".
ويستدرك سانغر بأنه "داخل بيان كيم بمناسبة رأس السنة هناك اقتراح عما يجول في خاطره: الحوار مع أمريكا حول (النطاق والعمق) للقوة النووية لكوريا الشمالية، وهذا يعني أنه غير مهتم بنزع الأسلحة النووية نهائيا، وهو مهتم بمفاوضات الحد من الأسلحة، كما فاوضت أمريكا لعقود مع الكرملين".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "الحد من الأسلحة بالطبع سيحقق لكيم ما حاول أبوه من قبل تحقيقه، وهو الحصول على: بوليصة التأمين للعائلة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
لوس أنجلوس تايمز: هذا أثر فشل واشنطن بالتعامل مع هجوم بغداد
NYT: ترامب لم يترك أي مجال للمناورة مع إيران
WP: سفارة أمريكا ببغداد ضحية لحملة ترامب ضد إيران.. كيف؟