لم يمنع اليوم الصيفي شديد الحرارة، الطفل عبد الرحمن من الخروج أمام منزلهم للهو مع أصدقائه، لكن لحظات الضحك واللعب تحولت فجأة إلى مأساة، بعدما أطلق عليه جندي إسرائيلي رصاصة متفجرة استقرت في رأسه.
مضت ستة أشهر
على إصابة الطفل عبد الرحمن، وهو ما يزال طريح الفراش ولا يحرك سوى عينيه ولا يقوى
على الكلام أيضا، بينما تعيش عائلته واقعا أليما غير مصدّقة أن حركة وأحلام
طفلها سُلبت دون وجه حق.
بداية الحكاية
في الثاني عشر
من يوليو/ تموز الماضي كان الطفل عبد الرحمن ياسر اشتيوي (9 سنوات) يلهو مع
أصدقائه أمام منزله في قرية كفر قدوم شرق مدينة قلقيلية شمال الضفة المحتلة، تزامنا
مع قمع الاحتلال لمسيرة سلمية أسبوعية ينظمها أهالي البلدة للمطالبة بفتح أحد
مداخلها المغلق منذ عام 2000.
ويقول أبو محمد
والد الطفل لـ"عربي21" إنهم "سمعوا صوت طلقات نارية قرب المنزل فظنوا
أنها مجرد طلقات في الهواء في ظل مواجهات اعتادوا عليها، لكن تجمهر المواطنين حول
المنزل أثار في قلوبهم الرعب، ليجدوا عبد الرحمن مضرجا بدمائه وملقيا على الأرض"ن
واصفا ذلك "كان مشهدا لن ينسى أبدا".
وعلى الفور
تمكنت طواقم الإسعاف بمساعدة الأهالي من نقل الطفل المصاب إلى مستشفى رفيديا في
مدينة نابلس المجاورة، ولكن الأطباء قرروا نقله فورا إلى مستشفى آخر داخل الأراضي
المحتلة عام 1948.
اقرأ أيضا: الاحتلال يواصل الهدم بالضفة.. واستنكار أوروبي للاستيطان
ويوضح الوالد بأن "الاحتلال منع في البداية أي شخص من مرافقة عبد الرحمن إلى الأراضي المحتلة التي يُمنع على فلسطينيي الضفة دخولها إلا بتصريح أمني"، مضيفا "هناك في المستشفى تبين أن الرصاصة التي اخترقت رأسه هي من النوع المتفجر التي تسمى "دُمدم"، حيث نشرت شظاياها داخل الدماغ لتبلغ أكثر من 120 شظية وفقا لتقرير المستشفى".
وبعد عدة أيام
تمكن الوالد من مرافقة نجله الذي بقي في غيبوبة تامة لثلاثة أشهر ونصف، حيث خضع
خلال هذه الفترة لخمس عمليات جراحية لم تفلح في إزالة الشظايا أو إعادة الحركة لجسده
الصغير.
ويشير الوالد
إلى أن عبد الرحمن تمكن من فتح إحدى عينيه في الأيام الأخيرة التي قضاها في هذا
المستشفى، ولكنه لا يقوم بأي رد فعل بل يعود على الفور إلى النوم، مبينا بأن "المستشفى
أبلغهم أنه لن يستطيع فعل أي شيء آخر للطفل وأنه يحتاج فقط للعلاج الطبيعي".
هكذا صار عبد الرحمن
ومنذ ذلك الحين، تم نقل عبد الرحمن إلى مستشفى الجمعية العربية للتأهيل في مدينة بيت لحم، حيث ما زال في الحالة ذاتها لا يقوى على الحراك.
ويبين أبو محمد
بأنه المرافق الوحيد لطفله في المستشفى، حيث أن والدته مريضة وأشقاءه يعملون،
فاضطر إلى ترك عمله في الأراضي المحتلة عام 1948 ليبقى بجانب طفله، ولكنه تفاجأ
مؤخرا بأن الاحتلال أصدر بحقه منعا أمنيا من دخول تلك الأراضي بعد إصابة نجله.
ويتابع: "عبد
الرحمن الآن عبارة عن جسد فقط، هو لا يتحرك ولا يتكلم ولا يبدي أي ردود فعل،
أحيانا أرى دموعا في عينيه فأعلم أنه متضايق ولكن ليس بيدي حيلة، وما زال رأسه
متورما، وإذا حاولنا الحديث معه يفتح ويغمض عينيه وكأنه يعطينا إشارة أنه فهم ما
نقول".
اقرأ أيضا: في أجواء الصقيع.. الاحتلال الإسرائيلي يصعّد ضد الأسرى
تُعد حياة عبد الرحمن متوقفة تقريبا في ظل هذا الوضع الصحي الصعب، فالطعام يدخل جوفه عبر الأنابيب الموصولة به، كذلك تم وضع أنبوب في رأسه من أجل إخراج الماء الذي يفرز بالقرب من الشظايا المستقرة في دماغه.
ويقول الوالد إن
"الشظايا ستبقى مستقرة في رأس طفله دون أن يتمكن الأطباء من إزالتها لما
ستشكله من خطورة على حياته".
ويخضع عبد
الرحمن يوميا لجلسات تأهيل وعلاج طبيعي ولكنها بطيئة التأثير، كما أبلغ الأطباء
عائلته التي تتحمل تكاليف العلاج بواقع ما يقارب ألف شيكل شهريا دون وجود مصدر دخل
ثابت لها.
ويقول الوالد
إنه "لا يملك من الأمر شيئا تجاه نجله، ففي بداية إصابته حظي باهتمام رسمي
واضح، ولكنه الآن تُرك وحيدا يكابد هذا الواقع المرير، حيث تحتاج العائلة لمن
يدعمها ماديا ومعنويا حتى ينهي عبد الرحمن هذا العلاج الطويل".
ويضيف:"
كان عبد الرحمن كثير الحركة واللعب ويحب كرة القدم ومجتهد في دراسته حيث كان في
الصف الرابع، وأحب الإذاعة المدرسية وتألق فيها، ولكنه الآن لا يقوى على نطق كلمة
واحدة، فحياتنا تحولت من بعد تاريخ إصابته إلى وضع آخر كلياً والحزن يسود المنزل،
اشتقنا لصوته وحركته وحتى شقاوته فهو أصغر أبنائي وكان له النصيب الأكبر من
الاهتمام، وفي بعض الأحيان أشعر بأنه متضايق حين تدمع عيناه فأحمله على الكرسي
المتحرك وأسير به في ممرات المستشفى وأعيده إلى سريره من جديد".
ويؤكد الوالد
بأن "العائلة وبالتعاون مع المؤسسات الحقوقية رفعت دعوى ضد قوات الاحتلال بعد
إصابة عبد الرحمن؛ ولكنه لا يأمل في إنصافه لأن مثل هذه الحالات لم يتم خلالها
محاسبة الجنود، وحتى في حالات القتل العمد دون مبرر يتم حبس الجندي أسابيع قليلة
ثم تكريمه".
وتبقى "رفع الدعوى القضائية لها جانب نفسي بعدم
التغاضي عن حق عبد الرحمن" كما يقول الوالد.
ويتمحور أبرز
مطلب للعائلة بـ"نقل عبد الرحمن للعلاج في الخارج لعله يستعيد بعضا من حركته
أو حتى النطق".
وتناشد "للوقوف
معها لمقاضاة الاحتلال، وكذلك مساعدتها على تحمل تكاليف العلاج، والقيام ببرنامج
معنوي يُسهل العلاج على الطفل الذي فقد معظم حياته بسبب رصاصة واحدة".
رصد أكثر من 97 انتهاكا لحرية الإعلام في الأراضي الفلسطينية
149 شهيدا فلسطينيا بينهم 33 طفلا خلال 2019
تدهور الوضع الصحي للأسير المضرب أحمد زهران.. وعائلته تحذر