خلق اغتيال قاسم
سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري
الإيراني حالة جدلية في الساحة
الفلسطينية بين التيارات المختلفة، والتي اعتبر بعضها أن نعي فصائل المقاومة في غزة لسليماني وحضور رئيس حركة حماس إسماعيل هنية مراسم التشييع هو بمثابة اصطفاف واضح إلى جانب إيران؛ في حربها المفتوحة بعدة أشكال مع الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي ومن خلفهما عدد من الدول العربية.
لا يمكن الفصل بين حالة الجدل الحاصلة وبين الدور الإيراني في العراق وسوريا، والذي خلق قاعدة من العداء للجمهورية الإسلامية نتيجة تدخلها المباشر في الحرب وحجم الدمار والموت الذي جرى هناك، ولكن من منظور آخر، حيث لا يمكن إغفال الثمن الكبير الذي دفعته المقاومة الفلسطينية، وتحديدا حركة حماس نتيجة الموقف الأخلاقي الذي اتخذته برفضها التدخل في أتون حرب دامية، وأدى لاتخاذها القرار ربما الأصعب في عقدها الأخير بخروجها من ساحة سوريا عام 2011.
قبل الحديث عن تاريخ وحتمية العلاقة بين إيران والمقاومة الفلسطينية، وفي غمرة الجدل الحاصل لا يمكن إغفال نقطتين أساسيتين:
الأولى: في ظل غياب مشروع عربي داعم وحامل لقضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية، يحسب للمشروع الإيراني أنه الوحيد الذي يتصدى للمشروع الأمريكي في المنطقة، وأنه لولا وجود نظام إيراني معاد للاحتلال الإسرائيلي وداعم للمقاومة الفلسطينية لتمكنت إسرائيل من حسم الصراع والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط.
الثانية: مع إخراج دول عربية كبرى من دائرة الصراع مع إسرائيل بعد كامب ديفيد 1978 وما تلاها من اتفاقات عربية وفلسطينية (اتفاق أوسلو 1993)، وصولاً إلى تبنى الجامعة العربية لخطة السلام العربية 2002 القائمة على حل الصراع مقابل التطبيع، أوصدت الأبواب العربية في وجه حركات المقاومة الفلسطينية، بل ووصل بعضها حد العداء ووصف المقاومة بـ"الإرهاب".
وهنا باتت طهران فعليا الراعي الرئيسي والوحيد للخيار العسكري الفلسطيني من خلال دعمها المباشر لحركات المقاومة فيها، وليس هناك دولة في المنطقة والإقليم تستطيع دفع ثمن دعم المقاومة وتحدي الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.
وهاتان النقطتان أساسيتان في تفهم طبيعة العلاقة بين طهران وفصائل المقاومة الفلسطينية.
ولأن ذاكرة الشعوب تصدأ سريعاً، لا بد من العودة إلى جذور العلاقة بين إيران ومنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة حركة
فتح حينما كانت تتبنى الكفاح المسلح، والتي تعود لستينيات القرن الماضي، أي إلى ما قبل نجاح ثورة الخميني.
كان نظام الشاه محمد رضا بهلوي (1941- 1979) حليفاً للولايات المتحدة وإسرائيل، ما خلق حالة عداء بينه وبين الدول العربية عموماً وأهالي فلسطين خصوصاً، ودفع ياسر عرفات للبحث عن توطيد العلاقات مع خصومه الإيرانيين في ذلك الوقت، فكان خطاب الخميني المعادي لأمريكا والذي يصفها بالشيطان الأكبر والداعي لإزالة إسرائيل عن الوجود، نقطة التقاء دفعت ياسر عرفات إلى إطلاع الخميني على نيته تأسيس حركة فتح عام 1964 وطلب الدعم والتأييد لها، وهو ما جرى بالفعل.
أسس ذلك العام انطلاقة لعلاقة مميزة بين الخميني وعرفات، وأقامت منظمة مجاهدي الشعب الإيرانية اتصالات مع حركة فتح، وصلت تلك العلاقة إلى حد تدريب عناصر إيرانية على القتال في معسكرات فتح في العراق ولبنان والأردن بين عامي 1969 و1970، كما زودت فتح المنظمات الإيرانية بالسلاح الذي عادت به إلى إيران لقتال نظام الشاه.
وربما هذا ما يفسر أن عرفات كان أول رئيس يصل إلى طهران بعد نجاح الثورة الإسلامية هناك، فقد كانت فرحته غامرة وعلقت الرايات وصور الخميني على أعمدة المخيمات الفلسطينية في لبنان، وكتب عليها "اليوم إيران وغداً فلسطين".
وقال عرفات احتفالاً بنجاح الثورة الإيرانية في بيروت آنذاك: "لا أقول تحالف ثورتين واتفاق قائدين بل أقول ثورة واحدة في خندق واحد بقيادة واحدة قيادة الإمام الخميني". هذه العلاقة الحميمية عكستها الصورة الشهيرة لقبلة ياسر عرفات على وجنة الخميني.
ولقد تميزت إيران بتقديم الدعم لكل الفصائل التي تتبنى الخيار العسكري ضد "إسرائيل"، بغض النظر عن أيديولوجيتها فقد دعمت العلمانيين واليساريين والإسلاميين.
كانت الثورة الإيرانية في حينه بالنسبة لحركة فتح البديل عن فقدان الدور المصري عقب الاتفاقية التي وقعتها مع إسرائيل، تماماً كما هي اليوم بالنسبة لحماس والجهاد البديل الذي لا غنى عنه، بعدما حيدت الدول العربية نفسها عن الصراع مع إسرائيل بل وتماهت معها في كثير من الرؤى في ما يتعلق بقضايا كبرى في المنطقة، مثل الصراع في سوريا واليمن ولبنان والعراق وليبيا وغيرها.
ومع توقيع منظمة التحرير بقيادة عرفات اتفاقية أوسلو، دخلت العلاقة بين الطرفين حالة من القطيعة، لم يطرأ عليها أي تغيير حتى فشل كامب ديفيد عام 2000 واعتراف عرفات بالفخ الذي وقع فيه، فعمل على إعادة العلاقات وطلب الدعم العسكري من إيران، وأرسلت له بالفعل 50 طنا من الأسلحة محملة على سفينة "كارين إيه"، قبل أن يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي عام 2002 في البحر الأحمر.
بعد أربعين عاما على الثورة الإيرانية يبدو المشهد مختلفاً، تلتزم حركة فتح ومنظمة التحرير الصمت والحياد الكامل عن قضايا المنطقة، حيادا ينبثق من برنامجها السياسي الذي أخرجها كما دولا عربية عن دائرة الصراع مع الاحتلال.
وفي رده على وصف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي؛ لسليماني بـ"جيفارا" الشرق الأوسط، وصف أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، ماجد الفتياني، الدور الإيراني بـ"المشبوه" في القضية الفلسطينية والمرفوض بالنسبة لحركة فتح، متناسياً تاريخ العلاقات بين الطرفين، وهو تناس مبرر بالنظر إلى موقع فتح من الصراع مع الاحتلال اليوم.