أشارت النتائج الأولية
للانتخابات الإيرانية إلى تقدم كبير للمحافظين، حيث أعلنت لجنة الانتخابات الإيرانية،
السبت، أن مرشحي هذا التيار حصدوا 195 مقعدا في البرلمان، بينما حصد الإصلاحيون 18
من أصل 253 مقعدا حسمت نتائجها حتى الآن، بحسب نتائج أولية.
وبالمقابل، نشرت صحيفة "إندبندنت"
البريطانية تقريرا لمحررها لشؤون الدفاع والأمن، كيم سينغوبتا، أشارت فيه إلى أنه
بحسب الروايات غير الرسمية، فإن القوميين والمحافظين الدينيين فازوا بـ178 مقعدا
من 290 مقعدا في المجلس، فيما تراجع نصيب الليبراليين إلى 17 مقعدا، وذهب 43 مقعدا
للمستقلين.
وقال وزير الداخلية الإيرانية، عبد الرضا
رحماني فضلي، إن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، التي جرت في البلاد
الجمعة، بلغت 42.57 بالمئة، وهي أدنى نسبة في الانتخابات منذ العام 1979.
وبرر فضلي أسباب تدني المشاركة
بـ"المعاناة من سوء الأحوال الجوية، وفيروس كورونا، وسقوط الطائرة، فضلا عن
أحداث في شهرين ماضيين"، وفق قوله.
تأثير محدود
وأثار فوز المحافظين الكاسح
تساؤلات حول تأثيره على سياسة إيران الداخلية والخارجية، وعن احتمالية زيادة تصلب
مواقف النظام تجاه قضايا الداخل، خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية، وقضايا الخارج
فيما يتعلق بالموقف من واشنطن والاتفاق النووي.
واعتبر مدير مركز دراسات
الخليج في قطر، الخبير في الشأن الإيراني، محجوب الزويري، فوز المحافظين بهذه
النسبة أمرا ليس جديدا، فهم حققوا فوزا في 5- 6 مرات منذ البرلمان السادس.
لكن الجديد، وفق الزويري، هو
الانقسام داخل كتلة المحافظين، حيث ظهرت 9 قوائم داخل هذه الكتلة، معربا عن
اعتقاده بأن ذلك لا يعكس حالة التوافق بين معسكر المحافظين.
وحول تأثير هذه النتيجة على
السياسة الداخلية والخارجية، قال محجوب لـ"عربي21": "في العادة،
كلما زادت الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية، حاول المحافظون التحكم بالمشهد
السياسي بشكل أكبر، وذلك بهدف تماسك النظام وبقائه بشكل أساسي، بالتالي إحكام
القبضة على المؤسسات، سواء التشريعية عبر البرلمان، أو السلطة التنفيذية والمؤسسات
الأخرى، وبالتالي فإن الهاجس الأساسي هو البقاء والتماسك، ومقاومة الخطر الخارجي".
وأوضح أن "تأثير هذه
النتيجة على السياسة الخارجية سيكون محدودا جدا؛ لأن البرلمان في العادة يكون
تدخله في المرحلة الأخيرة، فمثلا في الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 كانت مهمته
فقط المصادقة عليه بعد أن أنهته الحكومة، وبالتالي ليس هناك احتمال للتأثير على
السياسة الخارجية".
تشدد شعبي ورسمي
بدوره، أكد الكاتب اللبناني
والمختص بالشأن الإيراني، قاسم قصير، على "أنه في الفترة الأخيرة كان هناك
توافق بين المحافظين والإصلاحيين على السياسة الخارجية، بعد إلغاء أمريكا للاتفاق
النووي وسلسلة العقوبات التي فرضتها على إيران".
وأشار قصير إلى أن موقف
الرئيس روحاني أصبح يشبه إلى حد ما موقف الحرس الثوري أو القيادة الإيرانية، حيث
لم يعد هناك تباين في هذه المرحلة بالذات.
وتابع قصير في حديث
لـ"عربي21": "لذلك، في تقديري أن ما جرى في الانتخابات هو تأكيد لهذا
الموقف الإيراني الرسمي الرافض، أو الذي سيواجه العقوبات الأمريكية وحصار واشنطن لإيران،
وبالتالي هذا الموقف أيضا أصبح داخل البرلمان".
ويرى قصير أنه "عادة ما
تقدم الانتخابات التشريعية والرئاسية في إيران رؤية حول سياسة إيران للمرحلة
المقبلة، في ظل استمرار العقوبات الأمريكية، وإلغاء الاتفاق النووي، وعدم توصل
أوروبا لاتفاق مع إيران لمعالجة هذه المشكلة".
وأضاف: "يبدو أن المجتمع الإيراني يتجه
أكثر نحو التشدد، وذلك من أجل تعزيز الجبهة الداخلية، واعتماد ما يسمى اقتصاد
المقاومة، من هنا كانت نتائج الانتخابات تؤشر إلى هذا المنحى".
وحول تفسيره فوز المحافظين
على الرغم من وجود معارضة، وحدوث مظاهرات قبل وبعد اغتيال قاسم سليماني، قال قصير:
"التظاهرات التي حصلت نوعان، الأول قبل اغتيال قاسم سليماني بسبب موضوع
البنزين، والثاني بعده بسبب موضوع الطائرة الأوكرانية"، موضحا أن القيادة
الإيرانية لن تسمح بتحول إيران إلى عراق أو لبنان آخر".
وخلص بالقول إن المرحلة
المقبلة سيزداد فيها التشدد الإيراني على المستويين الداخلي والخارجي.
مجتمع منعزل عن قيادته
ومع هذا الفوز الكاسح
للمحافظين، يبقى السؤال: هل تُعدّ هذه النتيجة مقياسا على توجه المجتمع
الإيراني تجاه التيار
المحافظ والأصولي؟
ويؤكد المختص بالشأن الإيراني، محجوب الزويري، على أنه لا يمكن اعتبار فوز المحافظين الكاسح على أنه توجه شعبي تجاه هذا التيار.
وقال: "لا يمكن القول إن المجتمع كله اتجه نحو التيار المحافظ، خاصة أن نسبة المشاركة في التصويت هذه
المرة هي الأقل في آخر 11 انتخابات، فمثلا: البرلمان السابع كانت نسبة المشاركة فيه
51.4، بينما هذا البرلمان كانت نسبة المشاركة فيه 42 في المئة".
وأشار إلى أن "الكتلة
الانتخابية في إيران تنقسم لثلاثة أقسام: قسم مع النظام نسبته تقريبا 26- 30 في
المئة، وهؤلاء يصوتون لكل ما يطرحه النظام، بغض النظر عن موقفه السياسي أو برنامجه،
والقسم الثاني هم المتشككون، وتقريبا نسبتهم 30 في المئة، والقسم الثالث الذين لا
يصوتون".
وأوضح أنه إذا تم افتراض أن
الكتلة المؤيدة مع قليل من المشككين شاركوا في التصويت، يعني ذلك أن
القاعدة العامة من الناس ليست مؤيدة أو مؤمنة بالعملية الانتخابية، وإلا لما انخفضت
نسبة التصويت بهذا الشكل، وفق قوله.
وتدفع نسبة المشاركة
المتدنية في العملية الانتخابية للتساؤل حول شكل العلاقة المستقبلية بين المجتمع الإيراني
والنظام، وهل يعني ذلك أن الناخبين لم يعودوا يكترثون بالعملية السياسية برمتها.
يرى محجوب في رده على هذا
التساؤل أن "هذه الانتخابات أشبه ما تكون بالمكالمة الصباحية المنذرة، بمعنى أنه إذا ما استمر هذا النفس التصويتي الضعيف فسيكون هذا الأمر مقلقا للنظام بشكل كبير، وأن هناك فجوة تتشكل، مشيرا إلى أنه في العادة تكون الانتخابات مهرجانا لتجديد
الشرعية في النظام".
وأشار إلى أن نسبة المصوتين
القليلة تدل على أن مشاركة الناس في الانتخابات قلّت، لكن لا يعني هذا أن هناك
تغييرا سياسيا قادما، ولكن ستزداد الفجوة، والناس أصبحوا يميلون في السنوات الأخيرة
إلى العزلة، أي عدم التفاعل مع المشهد السياسي الداخلي، بمعنى: ليفعل النظام ما يشاء، والناس تعيش حياتها بعيدا عن النظام وتأثيراته قدر الممكن.
وخلص بالقول: "هذا
الأمر يضعف حركة المجتمع بشكل عام، ويوقع النظام بحرج شديد، فهو دائما ما كان يراهن
على أن تكون الانتخابات مهرجانات تجديد لشرعيته".
فوز المحافظين بإيران قد يضعهم بواجهة التفاوض مع أمريكا
هل تمهد انتخابات إيران لـ"برلمان متشدد"؟.. هذه تأثيراتها
هذه أبرز الحقائق المرتبطة بالانتخابات التشريعية في إيران