نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحافية ماريا أبي حبيب، تقول فيه إنه حتى وقت قريب كانت حملة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هي تصوير الهند على أنها قوة صاعدة كانت تسير بشكل جيد بالرغم من المشكلات الداخلية.
وتقول أبي حبيب في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن "جزءا كبيرا من العالم بقي صامتا أو حذرا في الوقت الذي بدأت فيه الهند بسجن مئات السياسيين المعارضين والناشطين، دون توجيه تهمة في أنحاء البلاد، ويقول مديرو الشركات إنهم يخشون الجهر بتقصير استراتيجية الحكومة الاقتصادية، ويشكو الإعلام من تخويف الحكومة".
وتشير الكاتبة إلى أنه "مع ذلك، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام الأسبوع الماضي بحضن مودي في دلهي، حيث ملأت الشوارع ملصقات كتب عليها (أقدم ديمقراطيات العالم تلتقي مع أكبر ديمقراطيات العالم)".
وتستدرك أبي حبيب قائلة إنه "في الوقت الذي احتفى فيه الزعيمان ببعضهما في عاصمة الهند، كانت مجموعات الغوغاء الهندوسية تطارد المتظاهرين المسلمين في مناطق على بعد أميال، بينما وقف عناصر الشرطة يتفرجون أو شاركوا الغوغاء، وكانت تلك الصور -عودة العنف الطائفي للشارع، وليس الاستعراض المخطط للشراكة الدولية- قد عكست صورة الهند على الساحة العالمية الأسبوع الماضي".
وتلفت الكاتبة إلى أن مركز Freedom House، وهو منظمة غير حزبية تنادي بالديمقراطية، أشار إلى الهند على أنها تشكل مصدر قلق كبير، وقال المركز: "لقد انتقلت الحكومة الهندية بأجندتها القومية الهندوسية إلى مستوى جديد بمجموعة متتابعة من السياسات، ما يهدد المستقبل الديمقراطي للبلد الذي كان ينظر إليه على أنه حصن للحرية في آسيا والعالم".
وتفيد أبي حبيب بأنه في تحرك فريد من نوعه، قامت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة برفع قضية في المحكمة العليا يوم الثلاثاء، تتحدى شرعية قانون الجنسية الذي يقول منتقدوه إنه يميز ضد المسلمين، فيما بدأ أقرب شركاء الهند بانتقادها لطريقة معاملتها للمسلمين والمهاجرين، فشجبتها كل من إيران وأمريكا وبنغلاديش وغيرها.
وتنقل الكاتبة عن النائب آمي بيرا، الديمقراطي عن كاليفورنيا، وهو أطول الهنود الأمريكيين خدمة في الكونغرس، قوله: "إن خسرت الهند هويتها العلمانية الديمقراطية فإنها تخسر ما يميزها عن الدول الأخرى في آسيا، كلنا يراقب أحداث الشغب في دلهي ونقلق بأنهم يسيرون في طريق خطر يجعل من الصعب علينا أن نكون مدافعين أقوياء عن الهند".
وأضاف بيرا، الذي لطالما ضغط نحو علاقات وثيقة أكثر بين أمريكا والهند: "إن هم أرادوا أن يصبحوا قوة عالمية، حسنا، لكن ذلك يأتي ومعه مسؤوليات محددة".
وتقول أبي حبيب إنه "مع أنه لم يكن هناك أي مؤشر على أن الأبواب تغلق عالميا، إلا أن العنف في نيو دلهي فتح فصلا جديدا في التشكيك الدولي بأجندة مودي، وربما مناخ الاستثمار، في بلد يأمل في تقوية اقتصاده المتداعي، وتهدد الاضطرابات التي تسود الهند أحد أكبر الجوانب جاذبية للمستثمرين والحلفاء المحتملين: كونها أكبر ديمقراطية علمانية في العالم".
وتلفت الكاتبة إلى أن "الدبلوماسيين يعبرون خلال الأحاديث الخاصة عن خشيتهم من أن الخطاب الذي يصدر عن حزب مودي الحاكم بهارتيا جاناتا (بي جي بي) يخلق بيئة قد تؤدي إلى المزيد من العنف، ويشيرون إلى أن أعضاء حزب (بي جي بي) وصفوا المتظاهرين ومؤيدي المعارضة بالإرهابيين الذين تدعمهم باكستان، وقام أحد الوزراء بقيادة الجموع بصرخات (أطلقوا النار على الخونة)".
وتفيد أبي حبيب بأن "أحد الجوانب التي يرى المسؤولون الدوليون أن الهند تؤذي نفسها فيها هي حملتها للحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مع القوى النووية الأخرى، وقال عدد من الدبلوماسيين، متحدثين بشرط عدم ذكر أسمائهم، بعضهم من دول دفعت علنا لحصول الهند على مقعد دائم في مجلس الأمن، إن دولهم مترددة في الدفع بهذه القضية بعد أن عرت الاضطرابات المحلية في الهند مدى القومية الهندوسية هناك".
وتنوه الكاتبة إلى أن مودي قلل خلال حملته الأولى عام 2014، من شأن أجندته الهندوسية، وامتازت دورته الأولى بسياسة خارجية نشطة وبناء تحالفات، وركز محليا على التنمية والإصلاحات الاقتصادية، وسوق نفسه على أنه مع العولمة والوحدة، وصديق للجميع: الإسرائيليين والفلسطينيين والروس والأمريكيين.
وتذكر أبي حبيب أنه بعد فوزه للدورة الثانية العام الماضي، فضلت حكومة مودي قضايا تستميل القوميين الهندوسيين، وتحدث الرئيس بشكل أقل عن الوضع الاقتصادي.
وتشير أبي حبيب إلى أن "الحكومة ألغت، في آب/ أغسطس، صفة الولاية عن ولايتها الوحيدة ذات الأكثرية المسلمة، كشمير، وسجنت مئات من سياسييها وناشطيها دون توجيه تهمة لهم، وفي كانون الأول/ ديسمبر، صادقت الحكومة على قانون الجنسية الذي سيسرع في منح الجنسية للفئات الدينية كلها ما عدا المسلمين، وإضافة إلى ذلك هناك فحص الجنسية، ويخشى المراقبون بأن هذه السياسات سوف تؤدي إلى حرمان المسلمين في الهند، والبالغ عددهم 200 مليون، 14% من الشعب".
وتقول الكاتبة: "الآن، مع أن لا أحد من زعماء العالم الغربي الذين سعوا لعلاقات أقرب مع الهند، أصدر تحذيرا قويا حول العنف الطائفي في الهند -علنا على الأقل- فإن المزيد من النقد يتوالى".
وتلفت أبي حبيب إلى أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قامت برفع قضية في المحكمة العليا الهندية، يوم الثلاثاء، تتحدى شرعية قانون الجنسية، وقالت إن القانون يقوض التزامات الهند تجاه حقوق الإنسان، فيما طالبت وزارة الخارجية الهندية من المحكمة العليا نقض القضية، لافتة إلى أن لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية شجبت، الأسبوع الماضي، العنف في دلهي، بعد أن اقترحت في كانون الأول/ ديسمبر أن تدرس الحكومة الأمريكية فرض عقوبات على الهند بسبب تمريرها قانون الجنسية.
وتنوه الكاتبة إلى أن إيران، التي لها علاقات وثيقة بالهند والتي تمتنع عادة عن التعليق على شؤون الآخرين، أصدرت شجبا فريدا هذا الأسبوع بخصوص معاملة الهند للمسلمين.
وتفيد أبي حبيب بأن "منظمة التعاون الإسلامي شجبت، الأسبوع الماضي، أحداث الشغب، وقالت إنها موجهة (ضد المسلمين)، وكانت منظمة التعاون الإسلامي قد دعت الهند العام الماضي ضيف شرف، وهو ما اعتبرته الهند انتصارا دبلوماسيا، ومع أن مسلمي الهند أقلية في الهند، إلا أنهم يشكلون ثاني أكبر شعب مسلم في العالم، لكن لم يكن لهم صوت في منظمة التعاون الإسلامي حتى العام الماضي، وهو تقدم أصبح مهددا الآن".
وتشير الكاتبة إلى أن الحلفاء يخشون بأن الفوضى الداخلية في الهند تخلق توترا غير ضروري مع جيرانها، وهو ما قد يساعد الصين على المدى الطويل، في الوقت الذي تحاول فيه بسط نفوذها إلى جنوب آسيا.
وتبين أبي حبيب أن "العلاقة مع بنغلاديش وصلت إلى مستوى متدن، بعد أن وصف وزير الداخلية الهندي، أميت شاه، المهاجرين غير الشرعيين من بنغلاديش بـ(النمل الأبيض)، في معرض تبريره لاختبار الجنسية، وأفغانستان التي قليلا ما تعلق على شؤون دول أخرى، ولها علاقة جيدة مع الهند، أعربت عن انزعاجها من اللهجة الطائفية لحكومة مودي، التي تضمنت وخزا للمهاجرين الأفغان".
وتلفت الكاتبة إلى أن السياسة الداخلية في الهند تتسبب بتدمير طموحات الهند العالمية، واشتكى مسؤولان من وزارة الخارجية الهندية، بشرط عدم ذكر اسميهما خشية العقوبة، بأنهما يقضيان معظم وقتهما مع الزوار الأجانب يدافعان عن السياسات الداخلية بدلا من استخدام الوقت لتحسين العلاقات الثنائية، مشيرة إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين يخشون من أن شجب الأمم المتحدة ولجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية قد يخرب العلاقات الثنائية مع الهند، ويشجع الكونغرس لوقف مبيعات الأسلحة.
وتستدرك أبي حبيب بأن "الحكومة الهندية في الغالب تراهن على أن سحابة الانتقاد الدولي سوف تنقشع، ومع صعود القومية على مستوى العالم فإن القادة، مثل ترامب، كانوا أقل اهتماما بحقوق الإنسان من حماية مصالحهم القومية، التي تتضمن العلاقات التجارية والعسكرية مع الهند".
وتذكر الكاتبة أن وزير الخارجية الهندي، سبراهمانيام جيشانكار، أشار في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى أن صعود القومية في أنحاء العالم يوفر فرصة للهند لتشكيل سياستها الداخلية، وقال إن الهند سيعلو شأنها في "عالم مستقطب".
وتجد أبي حبيب أن "اقتصاد الهند المترنح يشكل تهديدا لطموحاتها، فالاقتصاد الهندي يعاني من أبطأ نمو خلال عشر سنوات، ووصلت البطالة إلى مستوى هو الأعلى منذ 45 عاما، ويخشى المراقبون من أن المسؤولين الحكوميين منشغلون بسحق المعارضة أكثر من انشغالهم بدعم الاقتصاد، ومن أن الفوضى الداخلية ستنفر المستثمرين الدوليين".
وتنقل الصحيفة عن مدير برنامج جنوب آسيا في معهد كارنيغي لدراسات السلام، ميلان فيشناف، قوله إن حزب مودي "كان له هدفان: الارتقاء بالقومية الهندوسية وإصلاح الاقتصاد، وكان هناك شعور بأن الأمرين لهما الوزن ذاته، لكن ذلك يتبدد الآن ويتسبب بكثير من الأضرار في واشنطن".
وتختم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى قول فيشناف: "مودي يريد أن يؤدي دورا نشطا على مستوى العالم، لكن ذلك كله دون اقتصاد قوي في الوطن يجعله هيكلا فارغا.. فالقومية لم تطغ على الأجندة الاقتصادية فقط، بل إنها تقوضها".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
فورين بوليسي: المسلمون في الهند بخطر جسيم.. ما السبب؟
NYT: لماذا لم تمنع شرطة دلهي الهجمات على المسلمين؟
"ذا كونفرزيشن": لهذا أصبحت الهند مكانا خطرا على المسلمين