كتاب عربي 21

بوتين في ذروة عدائه مع غالبية المسلمين.. إلى أين يمضي؟

1300x600

في الثالث من شهر آذار الجاري، نشرت وزارة الخارجية الروسية على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك"، تدوينة تناولت ذكرى الحروب بين روسيا (القيصرية) والدولة العثمانية بين عامي 1877-1878.


وقالت في "التدوينة" إن "الهدف الأساسي من الحرب الروسية مع الإمبراطورية العثمانية بين 1877-1878 كان تحرير شعب البلقان من قرون من الحكم العثماني، وبعد أن هزمت الجيوش الروسية الأتراك نالت رومانيا وصربيا والجبل الأسود كامل استقلالها، ونالت بلغاريا جزءا كبيرا من الحكم الذاتي".


وأضافت: "أكثر من 100 ألف جندي روسي قدموا أرواحهم في سبيل تأمين الحرية لشعب البلقان. المعارك الروسية التركية الحاسمة بين عامي 1877 و1878 وقعت في بلغاريا، والذي أعلنته بلغاريا يوما وطنيا للاستقلال لتخليد ذكرى اتفاقية سان ستيفانو".


لم يكن الأمر في حاجة إلى كثير من الذكاء، كي يتم الربط بين "التدوينة" المشار إليها، وبين ما كان يجري في شمال سوريا من صراع بين القوات التركية وبين نظام بشار، ومن ورائه روسيا وإيران، والسخط الروسي على العمليات التركية هناك، ومن ثم تدخلها لصالحه وصولا إلى اتفاق "الهدنة" الجديد.


منذ نهاية الحرب الأفغانية مع "السوفيات"، لم تعد روسيا التي ورثت الإمبراطورية الروسية في حالة عداء سافر مع المسلمين (كان هناك فاصل حرب الشيشان منتصف التسعينات)، إذ تبوّأت الولايات المتحدة رأس سلم العداء في وعي الغالبية الساحقة من المسلمين؛ أولا بدعمها المطلق للكيان الصهيوني، ثم بعد ذلك بغزو أفغانستان والعراق، فضلا عن دعم الفساد والطغيان في المنطقة، ومسلسل الابتزاز الذي لم يتوقف فصولا إلى الآن.

 

منذ انطلاق الربيع العربي؛ عادت روسيا إلى مربع العداء السافر مع المسلمين

 

وذلك بوقوفها ضد أشواق شعوب المنطقة في الحرية والتحرر، وتصرّفها كدولة "إمبريالية"، لكن تدخلها في سوريا عام 2015، ما لبث أن رفع منسوب العداء بشكل "دراماتيكي"، لا سيما أن حجم الجرائم التي ارتكبتها كان فظيعا، معطوفا على قدر من الوقاحة في استخدام الخطاب الديني (الأرثوذكسية)، وادعاء نصرة الأقليات في المنطقة؛ وبالطبع ضد الغالبية.


واللافت هنا أن العداء الروسي للغالبية الساحقة من المسلمين، قد تزامن مع عداء مشابه بينهم وبين إيران، وكانت سوريا هي السبب الأكبر، وإن حضر العراق واليمن ولبنان أيضا. والمثير أيضا أن لإيران (الصفوية سابقا) كما لروسيا (القيصرية) تاريخ من الحروب والعداء مع الخلافة العثمانية.


الذي لا يقل إثارة في السياق هو أن الموقف الروسي والإيراني المناهض لتركيا، ما لبث أن أخذ يشمل الدول التي وقفت ضد الاتحاد السوفياتي في حربه مع المجاهدين الأفغان، والسبب بالطبع يتعلق بأولوية هذه الدول ممثلة في محاربة "الربيع العربي"، وما يسمى "الإسلام السياسي"، الأمر الذي لا تنفيه بالطبع تلك العلاقة الاقتصادية القوية بين تركيا وإيران.

 

وحين نتحدث عن العلاقة العدائية لروسيا مع الغالبية الساحقة من المسلمين (الغالبية السنيّة بالطبع)، فإننا لا نتحدث عن الأنظمة، بل عن الشعوب

 

تماما كحال أمريكا من قبل، لأن موقف الأنظمة منها لم يكن منسجما مع موقف الجماهير؛ على تفاوت في مواقف تلك الأنظمة.


لا شك أن المواقف الروسية في سوريا؛ ومن تركيا راهنا، لا تبدو مكلفة، تبعا لمواقف الأنظمة وأولويتها التي أشرنا إليها سابقا، لكن عداء المسلمين كان مكلفا على الدوام، بصرف النظر عن مواقف الأنظمة، بدليل ما دفعته أمريكا في العراق وأفغانستان رغم تواطؤ كثير من الأنظمة معها. والتاريخ يؤكد أن عداء هذه الأمة كان مكلفا على الدوام، وروسيا لن تكون استثناءً بحال.


يبقى القول إن مواقف روسيا الأخيرة في سوريا، وتذكيرها بالصراع مع تركيا (العثمانية)، كانت تفضح بدورها حقيقة النظام (الدمية) في دمشق، كما حقيقة إيران أيضا، وكلاهما في حالة عداء سافر مع غالبية المسلمين، وهو عداء سيكون مكلفا بدوره أيضا. فلا إيران ستحقق أحلام التمدد المذهبي، ولا نظام الأقلية الطائفي في سوريا سيعرف الاستقرار، أيا تكن نتائج المواجهات التي ستتواصل في إدلب.