(1)
ثمة خطر أكبر من فيروس كورونا الذي يجتاح العالم الآن، ألا وهو فيروس الجهل!
هذا الفيروس سيتسبب للأسف بمزيد من الإصابة بالمرض وتعريض حياة الناس للخطر، لأن الحل الأول لمنع انتشار كورونا كما تقول كل الهيئات الصحية الرسمية وغير الرسمية حول العالم هو التصرف بعقلانية معه، واتباع تعليمات السلامة، والالتزام أولا وأخيرا بالإجراءات التي تمنع انتشاره وأهمها "التباعد الاجتماعي"، والحجر الصحي.
اتخذت دول كثيرة حول العالم إجراءات أشبه ما تكون بحظر التجول، مثل إيطاليا وإسبانيا، وبعضها وصل إلى حظر التجول تحت طائلة المساءلة القانونية، وخصوصا في بعض الدول العربية، لمنع احتكاك الناس، ونقل الفيروس من المصابين الذين لا يشعرون بوجود أعراض المرض، والتي قد لا تظهر لمدة 14 يوما من لحظة حمل الفيروس بحسب معظم الدراسات. التزم مواطنو إيطاليا وإسبانيا بتعليمات الإغلاق، والتزم معظم المواطنين العرب أيضا، ولكن البعض آثر "ركوب الرأس" وصار ينزل للشوارع في تحد للتعليمات.
ومن المثير أن بعض الناس في دول عربية مختلفة يتصرفون وكأن مخالفة الحظر هو نوع من التمرد أو البطولة في مواجهة القرارات الحكومية، وهذا هو فيروس الجهل المركب بعينه، ويزداد الجهل عند اولئك الذين يصورون المخالفين ويحتفون بهم ويعلقون بصوتهم بخطب "ثورية" على تمردهم، وكأنهم في معركة! المعركة الحقيقية هي مع الجهل، وليس مع إجراءات السلامة، وليت هؤلاء "المتمردين" يتمردوا على الظلم الحقيقي، لا على قرارات هي في مصلحتهم ومصلحة الآخرين!
لا يمكن النظر لمثل هذه التصرفات سوى أنها نوع من الأنانية المفرطة، فمن كان يعتقد أن صحته جيدة وأنه قد لا يتأذى كثيرا إذا أصابه المرض، فإن من الأنانية أن يساعد في نقل المرض لكبار السنة والضعفاء وأصحاب الأمراض المزمنة، والذين قد يكونوا من عائلاتهم وأحبائهم أصلا!
وإذا كان من الممكن تجاوز هذا الفيروس في أوقات الرخاء أو أوقات الخلافات السياسية، فإن الكارثة أن يستمر في أوقات حساسة كتلك التي يعيشها العالم هذه الأيام.
إذا كان من غير المستغرب أن يحرص النجوم على حصد المتابعات و"ضغطات الإعجاب" على حساب المعرفة والعلم والتحليل العقلاني في الأوقات العادية، فإن استمرار هذه الحالة على حساب صحة الناس هي أشبه ما تكون بالجريمة. والمقصود هنا نشر المعلومات المثيرة والشعبوية وغير الموثقة التي تحصد المتابعة والإعجاب على حساب نشر المعرفة والحقائق العلمية لمصلحة المتابعين، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون أخلاقيا في أي وقت، ولكنه غير أخلاقي خصوصا في هذه الأيام.
(5)
تمثل أزمة "كورونا" دروسا كثيرة للبشرية، ولكن أهم درس برأينا هو أن البشرية أضعف مما تظن، وأن الإنسان أكثر هشاشة مما يعتقد، وأن الحياة أقصر جدا من أن نضيعها بالكراهية.
ولعل من المؤسف والمؤلم أن كثيرين لا يزالون يجدون الوقت والجهد في ظل هذه الظروف العصيبة ليمارس "معاركه" الصغيرة، سياسية كانت أو اجتماعية. هؤلاء تمكن "فيروس الكراهية" من السيطرة عليهم، ومن الغريب جدا أن هذا الحدث الذي لم تشهده البشرية منذ قرن على الأقل لم يستطع أن يشفيهم من هذا الفيروس. أعانهم الله على أنفسهم، وأعان البشرية على تحمل أذاهم!
730 جنيها نصيب المواطن المصري من الإنفاق الصحي السنوى