بات وباء كورونا المتفشي حول العالم محط قلق الجميع، شعوبا وحكومات، خصوصا مع انتشاره في معظم الدول وعدم إيجاد دواء فعّال ومضمون لمجابهته، وعدم وجود لقاح لاتقائه. هذا الوباء زار كذلك المؤسسة الإسرائيلية، وعوّق بعض الشيء النقاش حول خطة ترامب، ليكون النقاش المركزي هو حول سُبل مواجهة هذا الوباء.
ويسعى هذا المقال لرصد النقاش والمعطيات الإسرائيلية حول انتشار الفيروس.
الحالة الإسرائيلية التي ستلي فيروس كورونا معقدة، فخطة ترامب ومسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية أُجّلت لما بعد الانتهاء من الأزمة، والجواب حول كيف ومتى ستنتهي ما زال مجهولا. كل هذا يترافق مع تقدُم الجهود لبناء توليفة حكومية بعد ثلاثة جولات انتخابات، انتهت بأن يوافق غانتس على الانضمام لنتنياهو في حكومة طوارئ أو حكومة وحدة لمجابهة فيروس كورونا، ليُخلف غانتس بوعد انتخابي بألا يجلس في حكومة واحدة مع نتنياهو، المتهم بقضايا رشاوى وفساد. وقد كانت كل دعاية غانتس الانتخابية مبنية على أنه جاء ليوفّر بديلا لنتنياهو، فيما الأخير يحاول التهرب من محاكمته التي أُجلت هي الأخرى بفعل انتشار فيروس كورونا.
بالعودة لفيروس كورونا إسرائيليا ولفهم الوضع الإسرائيلي الصحي هذه الأيام، فيمكن القول إن المؤسسة الإسرائيلية ككل العالم متأثرة من انتشار فيروس كورونا. فقد حصد أرواح 12 إسرائيليا وأصاب نحو 3619 شخصا حتى كتابة هذه السطور. ويتمحور النقاش الإسرائيلي حول قدرة الحكومة على مجابهة هذا المرض، خصوصا مع الحالة غير المُرضية (نسبيا) لوضع الجهاز الطبي الإسرائيلي، وبالأخص إذا ما تطور انتشار الوباء بتسارع أكبر، وهذا ما يؤرق مضاجع صنّاع القرار الإسرائيليين.
صحيا، فإن منظومة الصحة الإسرائيلية مع تقدمها، فإنها تعاني من ترهل ونقص في الأسرة وأجهزة التنفس (هناك نحو 1500 جهاز متوفر حتى الآن)، ونقص في الأطباء، وكذلك نقص في المعدات الطبية (حتى أقنعة الوجه!)، طبعا هي أزمة عالمية تعاني منها كذلك الدول المتقدمة، ولكنها حالة مربكة إسرائيليا مع الوضع الجيوسياسي الذي يعانيه هذا الكيان ومع الحالة الصعبة التي يعانيها داعموه، كما كل العالم، وخصوصا الولايات المتحدة، جرّاء هذا الوباء، مما سيضعف إمكانية الاعتماد على الآخرين ويتطلب جهدا إسرائيليا ذاتيا ومضاعفا.
وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن الوضع الإسرائيلي الصحي متأخر في عدة جوانب تشمل عدد الأسرة للعلاج المكثف، إذ إنه يوجد فقط 2.2 سرير لكل ألف شخص، وهذه نسبة أقل من نصف المطلوب (بالمناسبة تقارير أخرى تقول إن النسبة في إسرائيل 1.8 لكل ألف شخص)، بينما في إيطاليا 2.6 سرير، وكل هذا جعل الساسة الإسرائيليين يخافون من الوصول لحالة إيطاليا وعدم إمكانية استيعاب المستشفيات للحالات الصعبة، التي تحتاج لمتابعة وتنفس اصطناعي في المستشفيات.
يترافق كل ذلك مع نقص في الطاقم الطبي، لدرجة محاولة تجنيد أطباء جدد، وأطباء من القطاع الخاص، وطلاب طب وآخرين، خصوصا أن عددا من الكادر الطبي موجودون الآن في الحجر الصحي، والحديث عن أكثر من 2130 من أفراد الطاقم الطبي العاملين في المستشفيات.
ولكن النسب حول عدد الموتى مقابل المصابين ما زالت منخفضة، وهذا ما يعزّي القيادة الإسرائيلية (0.3 في المئة مقابل 0.6 في المئة في ألمانيا، فيما وصل في إيطاليا إلى 10.2 في المئة). وما يقلق السلطات الإسرائيلية ازدياد عدد المصابين بحالة خطرة (هناك 69 حالة حتى الآن).
ويُظهر المخطط التالي مجموع عدد الإصابات من تاريخ 12 كانون الأول/ ديسمبر وحتى 28 آذار/ مارس.
المعطى المقلق الذي أقض مضاجع الإسرائيليين، هو المقارنة التي قامت بها وزارة الصحة الإسرائيلية قبل أيام، وعُرضت على نتنياهو، وأظهرت من خلالها زيادة عدد الإصابات في صفوف الإسرائيليين مقابل عددها في إيطاليا، وكانت النتائج جدا متقاربة وفقا للجدول الزمني وعدد المصابين مقابل عدد السكان، وهذا ما أدخل كل النقاش السياسي والصحي الإسرائيلي في حالة من الهستيريا والخوف من الوصول لحالة إيطاليا (يدور حديث مؤخرا عن أن هذه الدالة تتصاعد بشكل أكثر استقرارا، ولكن لا يمكن الجزم بذلك، وكل هذا يخضع لامتحان الوقت الذي تحاول السلطات الإسرائيلية كسبه).
هذا الجدول ومعطياته أدّوا برئيس الوزراء الإسرائيلي أن يقوم بخطوات عديدة، والطلب من الناس بعدم الخروج من بيوتهم إلّا للتزود بالغذاء والدواء وزيارة المستشفيات، وكذلك الذهاب للعمل الضروري، مع إمكانية الخروج للتجول حول بيوتهم لمسافة 100 متر، فيما تُفرض غرامات على المخالفين.
وتُشير التقديرات إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستفرض إغلاقا شاملا في الأيام القريبة لمحاولة كسب الزمن ومحاصرة الفيروس. هذا الإغلاق التام الذي طالبت به وزارة الصحة لم يتم حتى الآن، لكونه مرتبطا بعامل آخر مهم لصنّاع القرار، وهو الوضع الاقتصادي والحاجة للمحافظة على حركة اقتصادية في السوق الإسرائيلي وعدم شّله، وكل ذلك ترافق مع السؤال حول قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على الصمود وكم ستمتد هذه الفترة. ولكن يبدو أن القرار القريب، جاء كخطوة استباقية لأي تطور وانتشار للوباء، وفق قاعدة إغلاق تام لثلاثة أسابيع من أجل ضمان خروج أسرع من الوباء أو الحد من انتشاره، فإذا ما انتشر سيضر صحيا واقتصاديا بشكل أكبر من حجر تام لثلاثة أسابيع.
أخيرا، القرار السياسي لمجابهة المرض يسعى لأن يكون استباقيا قدر المستطاع، لكي لا يصل الوضع الإسرائيلي من حيث انتشار المرض لحالة إيطاليا، ولكي تتم السيطرة على انتشار الفيروس بأسرع وقت. وما يُقرر ما هو المستقبل والفائز والخاسر فيه وفقا للإسرائيليين، أربعة عوامل:
1- تلاحق الإجراءات الحكومية وسرعة تفاعلها مع تطور الفيروس والحزم فيها، ولو على حساب الاقتصاد.
2- الاستعداد للسيناريوهات الأسوأ، مع ما يتطلب ذلك من معدات طبية (وبالفعل باتت تعمل عدة مصانع على ذلك، فيما يرأس الموساد الإسرائيلي خطة لإحضار عدد من أجهزة التنفس).
3- زيادة الفحوصات ومتابعة الحالات، خصوصا في صفوف المتدينين اليهود والفلسطينيين في الداخل (يعاني الفلسطينيون في الداخل من عدم وجود فحوصات كافية في صفوفهم، ومن ضعف الإجراءات الطبية في بلداتهم، مع أن الأطباء العرّب يشكلون نسبة مرتفعة من الأطباء العاملين في مجابهة الفيروس).
4- الاستجابة الشعبية للقرارات الحكومية المتمثلة ببقاء الناس في بيوتهم.
وفي قراءات للمشهد الإسرائيلي على ضوء هذا الوضع، يمكن الحديث عن أربع قراءات:
1- إسرائيل تعاني، نسبيا، ترهلا داخليا واضحا في بعض الجوانب الحياتية، ففيما لسنوات تم الاستثمار وضخ الأموال للجيش، عانى قطاعا الصحة والتعليم من ميزانيات منخفضة.
2- تحاول إسرائيل الاستفادة من التقدم التكنولوجي والصناعي والعلمي في مجابهة المرض، فيتم استثمار القدرات هذه لمجابهة المرض، فتعمل المعامل على علاجات ولقاح للمرض، والمصانع على تصنيع أجهزة ومعدات طبية، ونجاعة ذلك ستُرى خلال الفترة القريبة.
3- عسكرة معالجة المرض بشكل واضح، ويتم ذلك من خلال اللجوء "للموساد" في إحضار معدات طبية وفي قيادة فريق لهذا الشأن، فيما يعمل الشاباك على تعقّب المتعرضين للمصابين بالوباء.
4- ظهور الفروقات المجتمعية، فتُظهر الفحوصات حتى الآن أن المصابين بنسبة أكبر هم من المتدينين اليهود، وهذا نتاج لعدة عوامل، ومنها الكثافة السكانية في صفوفهم والفروق البنيوية في المجتمعين المتدين والعلماني الإسرائيلي، فيما يبقى الفلسطينيون في الداخل هم في آخر سلم أولويات السلطات، بشكل يؤصل التفرقة والتمييز، فلا توجد فحوصات كافية ومتوفرة في المجتمع العربي، وإذا ما انتشر الوباء هناك ستكون نتائجه كارثية.