كعادته (وربنا ما يقطع له
عادة) يتوارى عن الأنظار وقت الأزمات ويختفي من المشهد في زمن الكوارث، ويترك
الناس ضحية الشائعات والأخبار المتناثرة من هنا وهناك حتى تبلغ القلوب الحناجر،
ويغرق الناس في مياه الأمطار وينتشر
كورونا في المحافظات وبين طلاب المدارس، وتقفز
أعداد الإصابات متجاوزة حاجز المئة مصاب، وتعلن منظمة
الصحة العالمية أن الوباء
استشرى لتفتح باب التبرعات والدعم الكبير للدول الأكثر عرضة للخطر.. عندها فقط
يظهر الجنرال عبد الفتاح
السيسي كمنقذ ومخلص للشعب
المصري من الفيروسات والعواصف
والأمطار، فيصدر قراره بتعليق الدراسة
وبتخصيص مئة مليار جنيه مصري (6.38 مليار
دولار) أمريكي لمواجهة فيروس كورونا.
من أين لك هذا؟ هو سؤال المئة
مليار جنيه في بلد موازنة الصحة فيها بلغت 60 مليار جنيه، شاملة الصرف الصحي، ومع
عجز كلي في الموازنة المصرية تجاوز 8 في المئة، وفي وجود رئيس لا يفوت فرصة أو
خطابا إلا وذكر الشعب المصري بفقره، وبأنه لا يملك ولا يستطيع أن ينفق أو يطور أو
ينقذ البنية التحتية المنهارة بالأساس.
يجب أن نسأل من أين جاء
السيسي بتلك المليارات المئة وما هو مصدرها. الكثيرون راهنوا منذ اليوم الأول
لانتشار فيروس كورونا وإنكار النظام المصري بشكل دائم وجود أي حالة في مصر، مع اتباعه
سياسة التكتم التام ثم الفضيحة أمام الحالات التي ظهرت تباعا في دول أخرى بعد
عودتها من مصر.. كل ذلك دفع البعص للرهان على أن السيسي لن يعلن
انتشار كورونا في مصر إلا بعد إعلان منظمة الصحة العالمية وجود أموال وتبرعات ودعم للدول الأكثر
عرضة للخطر. وكعادة السيسي الباحث دوما عن الأرز أيا كان مصدره، فقد اعترف الرجل
لينال نصيبه من الأموال.
من هي الجهة التي ستشرف على
إنفاق المئة مليار؟ هو التساؤل الثاني الذي أثار فضولي بعد إعلان السيسي. ففي مثل
هذه المواقف يلجأ السيسي إلى جهة واحدة فقط يثق بها ثقة عمياء وهي من تستلم
الأموال وتشرف على الأمر، بل والأكثر من ذلك هي من تملي التعليمات على مؤسسات
الدولة للقيام بدورها.
ما لفت انتباهي أمران حدثا
مباشرة بعد إعلان السيسي، أولهما هو مانشيت في أحد المواقع الإخبارية المصرية أن "القوات
المسلحة تتعهد بتعقيم الدولة المصرية من فيروس كورونا"، وثانيهما أن رئيس
أركان الجيش المصري محمد فريد قد عقد عدة اجتماعات سريعة في الأربع والعشرين ساعة
الماضية مع سلاح الحرب الكيماوية والبيولوجية وقيادات هيئة الإمداد والتموين. وهنا
لن أتعجب أبدا عندما أجد قيادات الجيش وجنوده قد انتشروا ملثمين في محافظات مصر
يحملون رشاشات التعقيم ويرتدون ملابس التعقيم، فقد أعلنوا الحرب على الفيروس
والمقابل مئة مليار جنيه.
أين سيتم صرف هذه المئة
المليار؟ هو السؤال الثالث الذي لا ولن نعلم عنه شيئا. في بريطانيا تعلن وزارة
الصحة ورئيس الوزراء عن 45 مليار دولار لمواجهة كورونا، وفي الولايات المتحدة يعلن
ترامب عن 50 مليار دولار أيضا، ولكن في هذا البلد أو ذاك هناك برلمان ومجلس عموم
وكونغرس يراقب وإعلام يدون، ووزارة مالية تقدم تقارير ووزارة صحة تعلن بشفافية
ماذا تفعل بهذه الأموال، ولكننا في مصر السيسي فقط هو من يعلن، ولا أحد يراقب أو
يعرف ما الذي يمكن أن نفعله بتلك الأموال.
حاولت التواصل مع بعض
المصادر في وزارة الصحة المصرية لأعرف تكلفة المريض الواحد المصاب بفيروس كورونا، فعلمت
أن تكلفة اليوم الواحد في أحد فنادق الحجر الصحي هو 500 جنيه مصري، ولمدة 14 يوما
يعني أن تكلفة الفرد الواحد سبعة آلاف جنيه. أما تكلفة المريض الواحد الذي يتم
حجزه في العناية المركزة ووضعه على أجهزة التنفس الصناعي فتصل إلى 2500 جنيه مصري
في اليوم الواحد، وتتراوح فترات بقائه من أسبوع إلى أسبوعين وربما أكثر، لتصل إلى
ما يقارب 35 ألف جنيه، أضف إلى ذلك تكلفة
اختبار الفيروس بما يقارب الألف جنيه. فاذا
ما أجريت عملية حسابية بسيطة وجمعت بين الأرقام في عدد أيام الرعاية والحجر،
فستكون تكلفة المريض الواحد على الدولة ما يقارب الـ43 ألف جنيه مصري، فلو كان السيسي
سينفق هذه الأموال (100 مليار) على رعاية المرضى فقط بمستوى الخدمة الحالي، فنحن أمام
نظام يتوقع إصابة ما يقارب المليونين ونصف المليون مواطن مصري، وربما تقل هذه النسبة
إذا ما أنفق على تطوير وبناء مستشفيات، فربما يتوقع نسبة مصابين أقل.
في كل الأحوال نحن أمام نظام
لا يتمتع بأدنى قدر من الشفافية، وباتت مصر في عهده بؤرة مصدرة لفيروس كورونا،
وتتصاعد الأرقام فيها بشكل كبير إلى جانب الأنباء المتواترة عن تهديد المصابين
باعتقال عائلاتهم إذا ما أعلنوا عن إصابتهم بالفيروس.