نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافية الاستقصائية سلام غبريكيدان، تقول فيه إن بإمكان رئيس وزراء هنغاريا اليوم أن يحكم بالمراسيم، فيما يملك الوزراء في بريطانيا ما سماه أحد الناقدين سلطات "تدمع العين" لاحتجاز الناس وإغلاق الحدود.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أغلق المحاكم، وبدأ مراقبة تنتهك خصوصية المواطنين، فيما أرسلت تشيلي الشرطة إلى الميادين التي كانت ممتلئة بالمحتجين، وأجلت بوليفيا الانتخابات.
وتقول غبريكيدان إنه مع توقف العالم بسبب فيروس كورونا، ومطالبة المواطنين القلقين حكوماتهم القيام بفعل، فإن الزعماء في أنحاء العالم يلجأون لاستخدام السلطات التنفيذية، ويسيطرون على ما يماثل السلطة الديكتاتورية دون مقاومة تقريبا.
وتلفت الصحيفة إلى أن الحكومات وجمعيات حقوق الإنسان تتفق على أن هذه أوقات غير عادية وتتطلب إجراءات غير عادية، وتحتاج فيها الدول إلى سلطات أكبر في إغلاق حدودها، وفرض الحجر، وتتبع الأشخاص المصابين، ويقول محامو القانون الدستوري إن الكثير من هذه الإجراءات محمية بموجب القوانين الدولية.
ويستدرك التقرير بأن الناقدين يقولون إن الحكومات تستخدم أزمة الصحة العامة حجة للاستيلاء على سلطات جديدة لا علاقة لها بتفشي الفيروس، مع وجود القليل من الضمانات بعدم إساءة استخدام السلطة.
وتفيد الكاتبة بأنه يتم إيقاف القوانين بسرعة في أنظمة سياسية مختلفة، في دول استبدادية مثل الأردن، وديمقراطيات مترنحة مثل هنغاريا، وديمقراطيات تقليدية مثل بريطانيا، مشيرة إلى أن هناك القليل من أحكام انقضاء لضمان أن إلغاء تلك السلطات بعد انقضاء التهديد.
وتنقل الصحيفة عن المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، فيونوالا ني أولاين، قولها: "سيكون لدينا وباء مواز من الإجراءات الديكتاتورية والقمعية ستتبع قريبا إن لم تكن مباشرة بعد الوباء الصحي".
وينوه التقرير إلى أن القوانين الجديدة توسع من سلطات الحكومة للمراقبة، وتسمح للحكومات باحتجاز الأشخاص إلى إشعار آخر، والاعتداء على الحريات والتجمع وحرية التعبير، ويمكن أيضا أن تشكل الحياة المدنية والسياسة والاقتصاد لعقود قادمة.
وتقول الكاتبة إن الجائحة تعيد تعريف ما هو عادي، فأنظمة المراقبة المتعدية في كوريا الجنوبية وسنغافورة، التي كانت في الظروف العادية ستجلب الانتقاد، أشيد بها لأنها أبطأت تفشي المرض، بالإضافة إلى أن الحكومات التي انتقدت الصين لفرض الإغلاق على الملايين من مواطنيها قامت بتقليدها لاحقا.
وتذكر الصحيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منح جهاز مخابرات بلاده الداخلية سلطة تتبع المواطنين من خلال برامج متابعة بيانات الهواتف المحمولة، التي طورت للاستخدام في مكافحة الإرهاب، ومن خلال تتبع تحركات الناس فإنه يمكن للحكومة معاقبة الأشخاص الذين يخرقون أوامر الحجر بالسجن لمدة تصل إلى 6 سنوات، مشيرة إلى أنه من خلال الأمر بإغلاق المحاكم فإن نتنياهو أجل مثوله أمام المحكمة ليواجه تهم الفساد.
ويشير التقرير إلى أن قوانين الطوارئ في أجزاء من العالم أحيت مخاوف فرض الأحكام العرفية، فصادق الكونغرس الفلبيني الأسبوع الماضي على منح الرئيس رودريغو دوتيرتي سلطات طوارئ و5.4 مليار دولار للتعامل مع الجائحة، وقام النواب بالتخفيف من مسودة قانون سابقة كانت ستسمح للرئيس بالاستيلاء على شركات خاصة.
وتورد غبريكيدان نقلا عن جمعية المحامين المهتمين بالحريات المدنية في الفلبين، قولها في بيان لها: "هذا المنح غير المحدود لسلطات الطوارئ يرقى إلى الديكتاتورية"، وأشار المحامون إلى أن دوتيرتي كان ذات مرة قد شبه دستور البلاد "بورقة تواليت".
وتفيد الصحيفة بأن بعض الدول تستخدم الجائحة للقيام بحملات ضد المعارضة، ففي الأردن وبعد أن منح "قانون الدفاع" الطارئ مكتب رئيس الوزراء، عمر الرزاز، سلطات واسعة، أعلن بأن حكومته "ستتعامل بحزم" مع أي شخص يقوم بنشر "الشائعات والفبركات والأخبار الكاذبة التي تثير الذعر".
ويلفت التقرير إلى أن رئيس وزراء تايلاندا، بريوث تشان أوتشا، استخدم سلطته لفرض منع التجول والرقابة على الأخبار، ورفعت القضايا ضد الصحافيين، وتم تخويفهم لانتقادهم تعامل الحكومة مع التفشي.
وتجد الكاتبة أنه مع أن الفيروس خفف رغبات المتظاهرين بالتجمع في الميادين، إلا أن إعلان تشيلي "حالة الكوارث" ووجود الجيش في شوارع المدن أسكتا المعارضة القوية التي هزت البلد لأشهر.
وتؤكد الصحيفة أن الجائحة أثرت على الانتخابات، فعلقت بوليفيا الانتخابات الرئاسية المتوقعة، التي كانت مقررة في أوائل شهر أيار/ مايو، فكان هناك اختلاف على الانتخابات التي أجريت العام الماضي، ما أثار مظاهرات عنيفة أجبرت الرئيس إيفو موراليس على الاستقالة.
وينوه التقرير إلى أن الرئيسة المؤقتة، التي وعدت بأن تكون حكومتها حكومة تصريف أعمال، زادت من إحكام قبضتها على السلطة، وأعلنت نيتها الاستمرار لدورة رئاسية كاملة، فيما قالت لجنة الانتخابات، يوم الخميس، بأنها ستجري الانتخابات في الفترة ما بين حزيران/ يونيو وأيلول/ سبتمبر.
وتذكر غبريكيدان وزارة العدل في أمريكا طالبت الكونغرس بسلطات شاملة جديدة، بما في ذلك إلغاء الحماية القانونية لطالبي اللجوء، واعتقال الأشخاص إلى أجل غير مسمى دون محاكمة، مشيرة إلى أنه بعد أن امتنع الجمهوريون والديمقراطيون فإن الوزارة قامت بتقديم اقتراح أكثر اعتدالا.
وتنقل الصحيفة عن المجموعات الحقوقية، قولها بأن الحكومة قد تستمر في امتصاص المزيد من السلطات، في الوقت الذي يكون فيه المواطنون منشغلين "بالوباء"، مشيرة إلى أن القلق من أن الناس قد لا يدركون الحقوق التي تنازلوا عنها حتى يصبح الوقت متأخرا للمطالبة بها ثانية.
ويشير التقرير إلى أنه تم تمرير بعض قوانين الطوارئ بسرعة، لدرجة أنه لم تكن هناك فرصة أمام النواب والجمعيات الحقوقية لقراءتها بشكل كامل، ناهيك عن مناقشة مدى الحاجة إليها، لافتا إلى أن دعاة حقوق الإنسان استغربوا أيضا السرعة التي قامت بها تلك الحكومات بصياغة تلك القوانين المطولة.
وتورد الكاتبة نقلا عن المقررة الخاصة للأمم المتحدة، أولاين، قولها إن بعض الحكومات كانت لديها مجموعة سلطات مرغوبة "جاهزة" في حال الأزمة أو الطوارئ، فيضعون مسودات القوانين مسبقا وينتظرون "فرصة حصول أزمة".
وتقول الصحيفة إنه ليس من الواضح إلى ماذا سيؤول إليه قانون الطوارئ بعد مرور الأزمة، فبعض القوانين التي سنت في الماضي للتعامل مع طارئ، مثل قانون المواطنة الذي سن بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، استمر لما بعد مرور تلك الأزمة.
وينقل التقرير عن رئيس المركز الدولي غير الربحي للقانون في واشنطن، الذي يتابع القوانين والمراسيم المستجدة خلال الجائحة، دوغلاس روتزين، قوله إنه مع مرور الوقت تتغلغل قوانين الطوارئ والمراسيم خلال البنى القانونية وتصبح طبيعية، وأضاف: "إنه من السهل جدا إنشاء قوانين طوارئ.. ومن الصعب جدا تفكيكها".
وتبين غبريكيدان أن الجائحة قد تكون نعمة للحكومات التي تميل نحو الديكتاتورية، وفي هنغاريا، منح قانون جديد رئيس الوزراء فيكتور أوربان، سلطة تجاوز البرلمان وتعليق القوانين الحالية، وأصبح أوربان، الذي أعلن حالة الطوارئ هذا الشهر، صاحب الحق الوحيد بإعلان نهاية الطوارئ، مشيرة إلى أن البرلمان، الذي يسيطر فيه حزبه على ثلثي المقاعد، مرر القانون يوم الاثنين.
وتورد الصحيفة نقلا عن المنتقدين، قولهم بأن القانون الجديد قد يسمح لحكومة أوربان بأن تتسبب بالمزيد من إضعاف المؤسسات الديمقراطية، وتقمع الصحافيين والمعارضين، فيما سيعدل القانون بشكل دائم مادتين في القانون الجنائي، ما سيحد من حرية التعبير، ويعاقب الأشخاص الذي يخرقون أوامر الحجر، وسوف يعلق الانتخابات والاستفتاءات كلها.
ويلفت التقرير إلى أنه بحسب أحد الإجراءات فإن أي شخص ينشر معلومات يمكن أن تعيق الحكومة في التعامل مع الوباء يمكن أن يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات في السجن، مشيرا إلى أن القانون يمنح للمدعي العام مجالا واسعا ليحدد ما الذي يمكن اعتباره معلومات كاذبة أو مشوهة.
وتنقل الكاتبة عن دانيال كارساي، وهو محام من بودابست، قوله: "مشروع القانون مخيف"، مشيرا إلى أن القانون الجديد خلق "خوفا كبيرا" بين المواطنين في هنغاريا من أن تصبح "إدارة أوربان ديكتاتورية حقيقية"، وأضاف: "ليس هناك ما يكفي من الثقة في الحكومة من هذه الناحية".
وتذكر الصحيفة أن آخرين أشاروا إلى سجل الحكومة في تمديد قوانين الطوارئ لفترة طويلة بعد الأزمة، ومثال على ذلك قانون تم إصداره قبل خمس سنوات في ذروة أزمة اللاجئين في أوروبا ولا يزال ساريا اليوم.
ويجد التقرير أن الديمقراطيات القوية تستخدم الجائحة لتوسيع سلطات الحكومات، فبريطانيا لها تاريخ ديمقراطي طويل، وتقاليدها الديمقراطية راسخة، لكن قانون فيروس كورونا تم تمريره بسرعة في البرلمان، ويمنح الوزارات سلطات للاعتقال والعزل دون تحديد للفترة الزمنية، وكذلك منع التجمعات، بما في ذلك المظاهرات، وإغلاق المرافئ والمطارات، دون إشراف "من البرلمان".
وتفيد غبريكيدان بأنه عندما طرح مشروع القانون في البرلمان، فإن وزير الصحة، مات هانكوك، قال إنه "يختلف عن الطريقة التي ننجز بها الأشياء في أوقات السلام"، وأضاف أن هذه الإجراءات "مؤقتة ومتناسبة مع التهديد الذي نواجهه".
وتستدرك الصحيفة بأن بعض الأحكام، التي يطلق عليها سلطات هنري الثامن، ستعطي الحكومة سلطة غير محدودة، فالقانون يمنح سلطات غير محدودة لشرطة الحدود والشرطة، قد تؤدي إلى اعتقالات غير محدودة الزمن، وتعزز من قوة "البيئة المعادية" للسياسات ضد المهاجرين، بحسب المنتقدين.
ويورد التقرير نقلا عن المحامي الذي يقدم استشارات للجنة البرلمانية لحقوق الإنسان، آدم واغنر، قوله: "يمكن لكل مادة أن تأخذ أشهرا من النقاش، لكن تمت مناقشة القانون بكامله خلال عدة أيام"، وأضاف، معلقا على القانون الذي جاء في 340 صفحة: "الجميع كان يحاول إكمال قراءته فقط، ناهيك عن التعليق عليه".
وتنقل الكاتبة عن مديرة مجموعة Big Brother سيلكي كارلو، قولها: "إن هذه سلطات تجعل العين تدمع، وكان لا يمكن تخيلها في هذا البلد في ظروف السلام"، ووصفت القوانين بأنها "شديدة القسوة".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول كارلو إن بريطانيا سوف "تتأرجح من أزمة إلى أخرى، ومن ذعر صحي إلى آخر ثم نكتشف أننا خسرنا.. نحن نخاطر بأن نجد أنفسنا في حالة طوارئ دائمة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FP: الأنظمة الديكتاتورية توسع من سلطاتها باسم مكافحة كورونا
أتلانتك: ما علاقة كوشنر بموقع إلكتروني للحكومة عن كورونا؟
الغارديان: تحذير للشرطة البريطانية من المبالغة بفرض الإغلاق