مع التراجع الحاد لأسعار النفط منذ فشل اجتماع أوبك وحلفائها الشهر الماضي، منّى
المصريون أنفسهم بنسبة خفض كبيرة بأسعار المنتجات البترولية، التي زادت أسعارها خمس مرات في السنوات الست الماضية (ما بين خمسة أضعاف إلى سبعة أضعاف
الأسعار قبل تولي الجيش السلطة في تموز/ يوليو 2013).
وعزز تفاؤلهم وجود
آلية لتحديد سعر المنتجات البترولية دوريا، فرضها صندوق النقد الدولي ضمن حزمة شروطه لإقراض مصر في تشرين الثان/ نوفمبر 2016، تقوم بمراجعة الأسعار بشكل فصلي، وتعتمد على سعر خام برنت كمتغير رئيسي لتحديد السعر، إلى جانب سعر صرف الجنيه المصرى تجاه الدولار الأمريكي. لكن بداية نيسان/ أبريل والتي تمثل الموعد الدورى لإعلان الأسعار؛ مرت دون الإعلان عن شيء.
وبدأت وزارة البترول في الإيحاء من خلال بعض الخبراء بأنه لا تغيير في سعر المنتجات البترولية، لأن الوزارة قد اشترت تلك المنتجات بقيمة مرتفعة خلال الشهور الأخيرة من العام الماضي، ثم فاجأت الوزارة الجمهور في التاسع من الشهر الحالي عن
خفض قيمته 25 قرشا في أنواع البنزين الثلاثة (80 و92 و95 أوكتين)، بنسبة انخفاض تراوح بين أقل من 3 في المئة إلى أقل من 4 في المئة، بينما كان سعر خام برنت قد انخفض متوسط سعره من 64 دولارا للبرميل في كانون الثان/ يناير الماضي، و55 دولارا للبرميل في شباط/ فبراير، إلى 33 دولارا للبرميل في آذار/ مارس.
تبرير غير منطقي لوزارة البترول
وبررت وزارة البترول هذا الخفض الطفيف بأن انخفاض سعر النفط في آذار/ مارس هو انخفاض استثنائي، وأن الأسعار سترتفع خلال الفترة المقبلة، وأنها ادخرت الوفر الذي تحقق في تكلفة النفط المستورد لمواجهة أعباء فيروس
كورونا.
وبهذا تكون الوزارة قد ضربت مصداقية آلية التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مقتل، حيث يعلم الجميع مدى التدني لسعر النفط والذي وصل إلى 26 دولارا للبرميل خلال بعض أيام الشهر الماضي، بينما يتم خفض سعر البنزين بنسبة تقل عن 4 في المئة فقط، رغم أن مصر تستورد حوالي 40 في المئة من احتياجاتها من المنتجات البترولية، كما اتجه سعر صرف الجنيه المصري للصعود طوال العام الماضي والعام الحالي.
لكن الوزارة بقرارها أثبتت أن نسبة الخفض تعد قرارا سياسيا وليس فنيا، لأن اجتماع دول أوبك بلس الأخير سيبدأ تطبيق الخفض البالغ 10 ملايين برميل يوميا في بداية أيار/ مايو المقبل، مما يعني استمرار أسعار النفط المنخفضة خلال الشهر الحالي، إلى جانب أنه حتى بافتراض قيام الولايات المتحدة ودول أخرى مثل كندا والنرويج بخفض آخر بنحو خمسة ملايين برميل يوميا، فإن قيمة التراجع في الاستهلاك العالمي نتيجة تداعيات كورنا عل حركة الطيران والنقل بلغت حوالي 30 مليون برميل يوميا، مما يعني أن الأسعار حتى في حالة تحسنها ستظل منخفضة نسبيا، خاصة وأن الموازنة المصرية قد حددت سعر 68 دولارا لبرميل النفط خلال العام المالي الحالي، وخفضته إلى 61 دولارا فيالعام المالي المقبل، وهما سعران يزيدان كثيرا عن الأسعار المتوقعة في ضوء تراجع الاستهلاك العالمي بسبب كورنا، إلى جانب أن وزارة المالية المصرية قد جددت اتفاقات التحوط من مخاطر ارتفاع أسعار النفط مع بنكي الاستثمار جي بي مورجان وسيتي بنك خلال العام الحالي.
غياب السولار والكيروسين والغاز عن الخفض
الأمر الآخر أن وزير البترول قد صرح بأن حظر التجول الذي تم بمصر لمواجهة كورونا، قد أسفر عن انخفاض استهلاك البنزين إلى النصف، وانخفاض استهلاك الغاز الطبيعي محليا إلى الثلثين، مما يعني خفض قيمة الدعم الذي تحصل عليه بعض المنتجات والذي قدرته الموازنة الجديدة للعام المالي المقبل 2020/2021، بنحو 28 مليار جنيه مقابل حوالي 53 مليار جنيه للدعم المقرر للعام المالي الحالي، والذي يتوقع انخفاضه مع انخفاض كمية الاستهلاك من المشتقات.
فالتوزيع النسبي للمنتجات البترولية في مصر يشير إلى حصول قطاع السياحة على نسبة 11 في المئة من الاستهلاك، وهو القطاع المعطل تماما في الوقت الحالي، كما يستحوذ قطاع النقل على نسبة 35 في المئة من استهلاك المشتقات، وهو استهلاك سيقل بتعطل الطيران وبحظر حركة السيارات يوميا من الثامنة مساء وحتى السادسة صباحا.
وحتى قطاع الصناعة الذي يحصل على نسبة 15 في المئة، فقد ألغيت ورديات العمل المسائية في كثير من المصانع، كما تعمل مصانع عديدة بأقل من طاقتها الإنتاجية مع خفض عدد العمالة للنصف لتقليل الكثافات، كذلك يحصل القطاع المنزلي والتجاري على نسبة 12 في المئة من الاستهلاك. وقد انخفض استهلاك القطاع التجاري بالإغلاق الليلي لغالبية منشآته إلى جانب الإجازة الإجبارية ليومين أسبوعيا لغالب منشآته.
ومما زاد من صدمة المصريين اقتصار الخفض الأخير لأسعار المشتقات على البنزين والمازوت فقط، بينما السولار الذي يمثل الاستخدام الأكبر في المواصلات العامة والنقل بقي ثابتا، إلى جانب الكيروسين، واللذين زاد سعرهما بنسبة 523 في المئة خلال السنوات الست الماضية.
وكذلك ثبت سعر الغاز الطبيعي للسيارات، والذي زاد سعره بنسبة 775 في المئة، والغاز الطبيعي للمنازل والنشاط التجاري والذي زاد سعره بنسبة 488 في المئة، وكذلك أسطوانات البتوجاز المنزلية التي زاد سعرها بنسبة 713 في المئة.
الصدمة تشمل المنازل والمتاجر والصناعة
ويزداد تعجب المصريين من ثبات سعر الغاز الطبيعي للمنازل والمحلات والسيارات، بعد الإعلان عن تحقيق الاكتفاء الذاتي منه في أيلول/ سبتمبر 2018، وتصدير نحو مليار قدم مكعب يومي منه خلال العام الماضي، في وقت
تعاني فيه الأسر من تداعيات كورونا على دخولها، خاصة العاملين في القطاع الخاص الأكثر عددا، والذين يعمل أكثرهم بشكل غير منتظم وتأثرت دخولهم بتراجع
النشاط الاقتصادي وانخفاض ساعات العمل المتاحة، والذين كانوا ينتظرون لفتة من الحكومة تخفف عن أعباءهم المعيشية، سواء بأسعار المشتقات أو بأسعار الكهرباء التي زادت أيضا عدة مرات في السنوات الأخيرة.
ونفس الدهشة تمتد إلى القطاع الصناعي الذي خفضت الحكومة سعر الغاز الطبيعي له، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى ستة دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية لصناعة الأسمنت، و5.5 دولار لصناعات الحديد الصلب والألومنيوم والسيراميك والبورسلين والنحاس والزجاج المسطح، حيث يرى أن تلك الأسعار مغالى فيها. وكان يترقب استجابة لمطلبه بخفضها إلى ثلاثة دولارات على الأقل، في ضوء تراجع أسعار الغاز الطبيعي عالميا، والذي وصل في أوروبا خلال آذار/ مارس الماضي إلى 2.72 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، وفي الولايات المتحدة إلى 1.79 دولار، رغم أنه غاز معظمه مستورد سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة، بينما مصر أصبحت دولة مصدرة للغاز الطبيعي.
كما أن خفض سعر الغاز يخفف من أعباء تلك الصناعات في ضوء تداعيات كورنا عليها، من صعوبات في التسويق محليا وخارجيا، والتعطل الجزئي للإنتاج، وارتفاع تكلفة النقل والشحن، ونفقات التطهير المستمر، والاستعدادات الطبية لمواجهة احتمالات انتقال الفيروس إلى العاملين.